قبل يوم 14 جانفي 2011 كانت تونس دولة بشعبين، شعبٍ أكل لحم شعب حدّ التخمة... وكانت دولة بعلمين على صارية يتيمة، علمٍ بلون البنفسج ثقب عيوننا أنّا ولّينا البصر آملين... وعلم بلون الظلم والقهر حملناه في أحشائنا وأفئدتنا طيلة نصف قرن من الاستبداد والتسلط وطرحناه نارا موقدة في وجه الظلام... اليوم وبعد 14 جانفي 2011 كنا نخال اننا سنصير دولة حرة بشعب أبيّ... غير اننا ظللنا على حالنا دولة بشعبين مرة ثالثة، شعب سال دمه لنرتفع بثورتنا الى أعلى القمم، وشعب قفز من النوافذ ليطمس رائحة الحرية فوق قبور الجلاّدين ويجعل هذه الثورة تنتكس وتظل تونس على حالها تحصد الألم تلو الألم... فمنذ أن »تشبث« و »استمات« محمد الغنوشي، المساند الرسمي الأول لتهميش الثورة، منذ ان تشبث بكرسي رئيس حكومة بقايا بن علي المخلوع، شرعت الابواب على مصراعيها لإجهاض حلم المضطهدين والمفقرين والمهمشين في بناء تونس الحرة... إذ تعالت الاصوات من كل مكان وتتالت المواقف المرتبكة وتسارعت خطى المهرولين للانقضاض على الثورة... وزراء تدرّبوا طويلا على قول »نعم« في الوقت المناسب بعد ان بحت جناجرهم من قول »لا«... اعلاميون شبعوا نوما في صناديق الموت المشهدي واللغوي واستفاقوا فجأة على صدإ المصدح وسُوس القلم... فواصلوا انخراطهم بكل تفان في تطبيق التعليمات... أنصاف مناضلين لم يخونوا تاريخهم الاعرج وقفوا في نصف الطريق كعادتهم وسال لعابهم امام الكراسي الخلفية المعدة سلفا للبيادق... أشباه وأشباح خرجت من جحرها بعد ان غابت يوم 14 جانفي 2011 وطفقت تسير في قوافل نحو مناطق الكرامة والنضال لتقدم الاعانات والمساعدات المادية، وكأن الذي حدث في بلادنا كارثة طبيعية وليس ثورة... ومعهم دول أجنبية منحت حكومة بقايا بن علي بعض الاموال »لتساعدنا« في شكل »تيليطون« وهي لا تفعل ذلك الا لتلمع صورتها وتحافظ على مصالحها مع الحكومة لا مع الشعب التونسي... رجال اعمال ظنوا انهم يقدمون »منّة« للعمال والكادحين حين يلبون مطالبهم في الترسيم وترفيع أجورهم وحقهم في العمل اللائق، فلم يتخلوا عن شعارهم المركزي المتمثل في تأبيد العبودية وقتل شعلة الانتاج والعطاء... هؤلاء وغيرهم من بيادق البرلمان ومجلس المستشارين واحزاب الديكور والجمعيات السلحفاتية وأشاوس التجمع اللادستوري اللاديمقراطي »شرفاؤه« و »النظيفون منه« كلهم يمثلون المساند الرسمي لتهميش ووأد ثورة أحرار تونس!!