صحيح جدا أن الثورة طالبت بفسخ أجهزة الحكم الفاسد من برلمان ومجلس مستشارين وأجهزة البوليس السياسي.. وحكومات وقتية حاولت التلوّن لتمرّ بسلام لكن الجمهور الواسع رفضها واسقط أباطرتها وخدّامهم ومسّاحي الأحذية... ولكن الثورة لم تطالب يوما بتعويض حكومات الفساد بحكومة قيل إنّها مؤقتة وقيل إنّها لتسيير الأعمال وتسهيل المرور من المرحلة الصعبة فوجدنا أنفسنا أمام حكومة تمارس سلطانها وتقرّر وتمرّر المشاريع وتعقد صفقات القروض وتضع المشاريع المستقبلية وتستأسد في الدفاع عن مشروعية لا تملكها... المسؤول الأول عن الحكومة له أسباب خاصة في تغيير وزير الداخلية ولا يمكن لنا معرفتها لقصورنا الذهني..وزير التربية يصنع لنفسه شعبية بإلغاء »الكاباس«.. وزير التشغيل القادم من هونولولو يصنع الحدث بأربعين ألف موطن شغل جديد.. ثمّ هناك قرار القيام بالانتخابات يوم 24 جويلية لان الدستوريين مغرمون بشهر جويلية الذي استولوا فيه على السلطة وصنعوا لنا فيه جمهورية العسف والقهر والاستبداد والحكم الفردي. الحكمة إذن واضحة والهدف أوضح.. فحزب الدستور وقع حلّه غصبا عن الحكومة وحتى عن بعض أدعياء الاعتراض السياسي.. وهذا الحزب الميت وقع تعويضه بأحزاب جديدة يقودها جلادون خدموا بن علي و امتهنوا التمسح على أعتاب ليلى وأخواتها وأصبحوا بعد الثورة زعماء لأحزاب سوف تتقدم يوم 24 جويلية مستعملة مخزونها السابق في الساحل وجرجيس والكاف وغيرها من المدن والقرى المملوءة وباءً تجمعيا خامدا في انتظار يوم الحسم... أما بقية الأحزاب فلا خطر منها على الصندوق فهي في مجموعها - وباستثناء اليمين الديني الذي نهض بعد الثورة أحزاب فتيّة لا يمكن لها أن تستثمر الشهرين القادمين وحتى ان فعلت وتمكنت من تنظيم و استقطاب بعض المواطنين فلن تقدر على أكثر من دور الديكور في المجلس التأسيسي القادم. وبلغة أفصح وأقبح فإنّ المجلس القادم لن يكون في رأيي الخاص سوى مزرعة خاصة لليمين بشقّيه الدستوري والديني.. فلا تبحثوا بعيدا يارفاقي عن الثورة المضادة...