قال الأستاذ عبد العظيم لأبي صابر: هل تعلم يا أبا صابر من أمر حنبعل كيف تربى. فأجابه: لا. فحدثه أبو صابر قائلا: لقد تربى في أحراش حضرموت بين الأطفال النوميديين يرعى رعيهم ويصيد صيدهم. وقد ظل فيها حتى سن التاسعة. ولما عاد به مربيه إلى قرطاج غضب أبوه هاميلكار القائد المعروف. فلام الشيخ قائلا: لم عدت به؟ فأجابه الشيخ بقوله: لقد بت أخشاه. فسأله هاميلكار: أوتخشى صبيا؟ فأجابه الشيخ قائلا: أجل. فقبل مجيئنا بيوم واحد عاد إلي بخمس حجلات صادهن مع الأطفال اللوبيين. فقلت: لا ضير. وقبله بيوم جاءني بأرنبين. فقلت: لا ضير. وقبله بيوم آخر عاد إلي بذئب. فقلت: لا ضير. فقال هاميلكار: ثم ماذا؟ فقال الشيخ: لقد صار ينظر بعيدا في البحر. فيأخذه شبه ذهول إلى حد أني بت أخشى من أن ينطلق فيه دون رجعة. ولذا جئتك بابنك حتى لا تؤاخذني به. فابتسم هاميلكار ورَبَّتَ على رأس ولده والرضا والبشر باديان عليه. إذ إن مخايل العظمة بدأت تظهر عليه. أما أبو صابر فسأل الأستاذ عبد العظيم: وهل رجالنا اليوم ينظرون بعيدا؟ فأجابه عبد العظيم: بل يطيرون بعيدا ويحطون قريبا. أما البحر فلا ينظرون إليه البتة.