متخرج من المعهد الوطني للموسيقى بتونس وهو موسيقي بوزارة الثقافة والمحافظة على التراث ضمن الفرقة الوطنية للفنون الشعبية... شارك في أهم المهرجانات التونسية والعالمية بايطاليا، الصين، فرنسا، كندا، كما ساهم بعدة بحوث موسيقية وكانت له دراسات حول تطوير آلة «الرباب» واستخدام آلة «القمبري» لأول مرة في الموسيقى الالاتية واستخدام آلة «المزود» الشعبية في المعزوفات الفنية، له قرص مضغوط بعنوان «رقش »سنة 2002 وقرص ثان بعنوان «أصوات» سنة 2006. كما له عديد العروض الموسيقية المصورة بعنوان حيث الوتر، أنماط حوار، تونسنا، مسافات، باب المدينة، ايقاعات بدوية، بلادي، وابداعاتنا.. عروض تحكي تونس الاعماق بأصوات عزفية تمزج بين عطر الياسمين والعطور الباريسية العالمية، وهو ايضا عازف قار بالفرقة الوطنية للفنون الشعبية التونسية، مع الموسيقي والمايسترو التونسي وليد الغربي كان لجريدة «الشعب» هذا اللقاء المطوّل... اليكم تفاصيله: ٭ وليد الغربي، عشت كغيرك من فناني العهد البائد تهميشا، لو تحدثنا عما وقع لك؟ أنا بالأساس موسيقي وباحث في المخزون التراثي التونسي الذي له من السنوات الآن ثلاثة آلاف سنة حضارة وثقافة متعاقبة، لم يكن همي أبدا الربح المادي البسيط والآني. وأنا من المنتصرين الى مقولة الابداع الحقيقي والصادق ثمنه باهظ، وقد دفعت في الكثير من المناسبات من عرقي ومالي لأجل تقديم موسيقى نابعة من ذاتي من محيطي من مخزوني الثقافي المتوارث جيلا بعد جيل. موسيقى باحثة عن موطئ قدم في هذا العالم المعولم، لكن بخصوصيات تونسية وإرث فني كبير وفرته تونس لكل فنانيها، الا ان طرق التعامل مع هذا المخزون أراها ظلت بدائية وتقليدية لا أكثر. كان رهاني ولا يزال منصبا بدرجة أولى وعلى البعث الثقافي الصرف القاطع مع الربح السريع لايماني بأن تونس اهدتنا الكثير، ومن حقها علينا ان نهديها نحن اكثر ممّا منحتنا هي.. من هنا كان الصراع كبيرا بيني وبين بعض المسؤولين في سلطة الاشراف، أقول البعض وليس الكل لأن غالبيتهم كانوا مؤمنين بالفعل الثقافي الجاد، فتعرضت للإقصاء والتهميش في اكثر من مناسبة. ٭ لو تعطينا مثالا حيَّا عمّا وقع لك من تهميش؟ اضطررت ذات مناسبة تشريفية لي خارج حدود الوطن إلى بيع سيارتي الخاصة لسداد قيمة الفيزا لعشرة عناصر من الفرقة في رحلة لنا الى كندا ضمن مهرجان العالم العربي، اضافة الى الاقامة، يومها تمت دعوتي في هذا المهرجان العالمي الكبير الذي حضره سنتها اسماء عربية كبرى كمارسال خليفة ونصير شما لتمثيل تونس رفقة فرقتي الموسيقية، وكان من المفترض ان أكون مدعوما من وزارة الثقافة التي بيدها أمْر تذاكر السفر والفيزا والاقامة، علاوة على لبيروقراطية الادارية التي عرقلت سفري باعتباري عازفًا قارًّا بالفرقة الوطنية للفنون الشعبية التابعة لوزارة الثقافة والمحافظة على التراث، ومن المضحكات المبكيات ان هذه الفرقة وقع تجميدها منذ سنة 1994، فلا يتسنى لي السفر الا من خلال وثيقة رسمية من احد المسؤولين السابقين الذي كان همه الوحيد عرقلة كل مشروع فني جاد، فكان هذا بمثابة التحدي لي فسافرت على نفقتي الخاصة، وكنت كلما شاهدت ردود الفعل الايجابية للصحافة العالمية ازاء العرض الا وشعرت بالفخر والافتخار. ٭ وماذا عن الفرقة الوطنية للفنون الشعبية؟ آه، هذه معضلة اخرى لم نجد لها حل الى يوم الناس هذا، فمعلوم ان هذه الفرقة التي تم تأسيسها اثر الاستقلال على يدي الاستاذ صالح المهدي لتمثيل تونس في المحافل الثقافية وايضا السياسية، كانت في الستينات بمثابة المنارة الثقافية المشعة لثقافة تونس، ناهيك انها كانت منافسة جدية للعديد من الفرق الشعبية العالمية كالفرقة الروسية التي تغلبت عليها في بعض المنافسات.. علمت ذات حوار اذاعي جمعني ذات اعتراف بمسؤول سابق بالفرقة ان الفرقة الوطنية للفنون الشعبية مجمدة اداريا منذ سنة 1994، والحال اننا عناصر قارة للفرقة نعمل منذ ذلك التاريخ وفق ما هو متاح ولم يخطر ببال اي عنصر منا انها مجمدة.. هذا التجميد حرم عناصر الفرقة من التمتع بالزيادات في الاجور وسلم الترقيات وجمود القانون الاساسي، وهنا أتساءل ان كان المديرين المتعاقبين على الفرقة على علم بقرار التجميد فهذا في حد ذاته خطير، وان كانوا لا يعلمون فتلك الطامة الكبرى؟ ٭ ولصالح من كل هذا؟ الكل يعلم ان سياسة العهد البائد كانت في علاقة تقاطع تام مع الثقافة التونسية والهوية الوطنية، وليس من الغريب ان يعمل الرئيس السابق على تهميش كل ما هو أصيل وتونسي مائة في المائة، وقد حاولنا نحن الابناء البررة للفرقة كل من موقعه على اعادة اشعاعها، فأنا مثلا كنت أقدم الألحان بالمجان على ألفت انبتاه المسؤولين إلى قيمة هذا الصرح، لكن لا حياة لمن تنادي، فسياسة الوزارة كانت متجهة حينها الى خوصصة كل القطاعات، فتبنا كمن يحفر في الرمل، ففقدت الفرقة بريقها ودورها الريادي في تمثيل تونس كأفضل سفير للثقافة التونسية، ناهيك ان الفرقة في بداياتها كانت تعج بالمواهب الراقصة التي لا يتم إقحامها الا بعد احتبارات شاقة وفنية كبري، الا انها اليوم باتت تضم ستة عناصر راقصة تقدم بهم العمر، الامر الذي يجعل من هذا المخزون التراقي لأكثر من ثلاث مائة خطوة راقصة من كامل أنحاء الجمهورية عرضة للاندثار والزوال ما لم يتم تشبيب عناصر الفرقة في أقرب الآجال. ٭ نفهم من كلامك أن لك رسالة عاجلة لوزارة الثقافة والمحافظة على التراث؟ أجل، هي رسالة عاجلة لا تحتمل التأجيل الى وزارة الاشراف مفادها ضرورة الاسراع بفتح ملف الفرقة في اقرب وقت لعلّنا ننقذ ما يمكن انقاذه، وقد عملت مؤخرا بمعية وفد من نقابة المهن الموسيقية الى طرح هذا الاشكال على يدي وزير الثقافة والمحافظة على التراث الحالي السيد عز الدين باش شاوش الذي وعد بدرس الموضوع في أقرب الآجال، معربا عن نيته الصادقة في اعادة النظر في ملف الفرقة اداريا وفنيا وابداعيا بإعادة هيكلتها من خلال اعادة مراجعة القانون الاساسي وتنظيم الانتدابات فيها وتسوية وضعية متعاقديها والعاملين فيها لخير هذه الفرقة حتى تعود إلى سالف ألقها وإشعاعها. ٭ وماذا عن وليد الغربي الباحث الموسيقي في الموروث التونسي الأصيل، هل هو اختيار أم اضطرار؟ هو اختيار صرف، حيث أرى انه لزاما على اي مبدع موسيقي جاد ان يكون حمالا لمشروع موسيقى متكامل يدافع عنه ويعمل على تفعيله بالداخل والخارج، وما اشتغالي على البحث في الموروث الموسيقي التونسي تلبية لقناعتي الراسخة بثراء هذا المخزون من ناحية ولايماني من ناحية اخرى بكسب الرهان الفني قبل التفكير في المدخول المادي الذي اعتبره ثانويا وزائلا مقارنة بما ستتركه للناس وفي التاريخ... فجل حفلاتي التي قدمتها كانت ذات طابع ثقافي صرف. ٭ وهو ما كان المنقضية، حينما أشرفت على مهرجان بن عروس الثقافي؟ نعم، وأنا معتز بهذه التجربة كثيرا رغم قلة الموارد التي لم تتجاوز العشرة آلاف دينار لمهرجان ثقافي حقق نجاحا باهرا على مستوى الولاية في السنة المنقضية، حيث قدمت واستقدمت عروضا ثقافية مائة في المائة ضمن ما يسمى بالابداع الثقافي كللت جميعها بالنجاح. ٭ وليد لو تحدثنا عن فكرة استعادك لآلة «الرباب» التونسية، الأسباب والدوافع؟ شعرت كغيري من الموسيقيين بالخوف على مستقبل آلة العزف العربي الشهيرة «الرباب» من الاندثار، فقررت إجراء تعديلات محورية على الآلة التي تشكل أول وأقدم آلة للعزف العربي، وذلك اثر بحث علمي أجريته منذ سنة 2004، توصلت خلاله الى امكانية إحداث تعديلات تطويرية على آلة الرباب القديمة، للخروج بآلة تحتفظ بهويتها الاساسية وخصوصية صوتها العريق مع مواكبتها لايقاع العصر واحتفاظها بشكل حديث وجميل، فأخضعتها الى عدد من العمليات التعديلية، استبدلت الأوتار القديمة التي كانت تصنع مع أمعاء الماشية بأوتار اخرى يعزف بها على آلة الكمان الأجنبية، خاصة وأنني بالاساس عازف كمان، الى جانب تعديل جزء بسيط من حجم إصبع الضغط ليكون أكثر فاعلية من سابقه، كما أمددت الآلة بموصل كهربائي لامكانية ربطه بأجهزة سماع كبرى أو دمجه مع أجهزة الكترونية أخرى. ٭ ألا يمكن لهذه التعديلات أن تضرّ بطابعها التقليدي؟ إطلاقا، فهي لم تفقد صوتها الاصلي، بل إن صوتها اكتسب نقاوة ووضوحا وشجنا بعد تطويرها اكثر مما سبق. ٭ كلمة حرة؟ أنتظر صادقا من ثورة 14 جانفي ان تعيد الثقافة التونسية الى نصابها وصوابها الطبيعي، فيكرم المبدع التونسي في أرضه وبين أهله، فمن غير المنطقي ان يحظى المبدع التونسي بالتبجيل أينما حل ولا يجد له مكان بين أهله وعشيرته، كما أتمنى على سلطة الاشراف ان تمنح المهرجانات الكبرى للمبدعين من الفنانين لا للأسماء، فالملف والمشروع الفني هو الفيصل وليست الاسماء الكبرى التي تعود بها الجمهور العريض، فقد آن الأوان لينفتح الجمهور التونسي الذي أثبت للعالم كله انفتاح فكره ورجاحة عقله على ألوان اخرى وموسيقات بديلة فيها بحث وتجديد.