«سيدي المدير» هكذا كنا نناديه في سنوات دراستنا الابتدائية، نخشاه ونهابه الى درجة الخوف. حضوره في ساحة المدرسة أو في بوابتها يضفي على المكان رهبة وانتظامية. هو بمثابة الوالد اذا ما ضحك في وجوهنا، وهو السلطة والجبروت اذا ما عبس وغضب. لم تتغير الصورة كثيرا حين وصلنا سنوات الثانوي فقط سقطت الياء وبقي السيد حاضرا بكل هيبته. لم يكن يعنينا كيف يتحول المعلم او الاستاذ الى مدير، بل ان المدير يبقى مديرا ولو غادر الوظيفة وعاد الى التدريس. اليوم يوضع هذا الدور الاداري على طاولة النقاش بعدما كان أمرا غير قابل للنقاش هبة تُمنح من سلطة حاكمة بأمرها وصية على كل المؤسسات من خلال شبكة تسيّدها الحزبية التي تحتكر الدولة وتخترقها من خلال تعيين افراد يعودون اليها بالولاء وينفذون برامجها وتصوراتها. فهل الحزب الحاكم عن الدولة هي اول القرارات التي عكست روح الثورة 14 جانفي، ومهدت لجملة الاجراءات القانونية التي أسست للقطع مع نظام الحزب الواحد ولعله كان من المنتظر واتساقا مع هذا القرار ان تخضع كل المؤسسات الراجعة بالنظر الى القطاع العام الى هذا التمشي ومنها المؤسسات التعليمية التي وان جاهد النقابيون منذ سبعينات القرن الماضي وتحملوا الويلات من أجل الفصل بين السياسي والتربوي سواء على مستوى البرمجة او التسيير فان مطالبهم وجدت آذانا صمّاء لا تؤمن سوى بالتبعية والتذيّل لسياسات الحزب من خلال اعتماد سياسة التعيين للمديرين على رأس المؤسسات التعليمية على اساس الولاء للحزب الحاكم وفرض رقابة مشددة على المدرسين حتى لا يمارسوا امانة التعليم دون قيود او املاء او توجيه. ولمعرفة أهمية القرار التاريخي الذي توصلت اليه النقابة العامة للتعليم الثانوي والمتجسد في محضر الاتفاق مع وزارة التربية والقاضي بأن تسند الخطط الوظيفية في المدارس والمعاهد بحسب مقاييس موضوعية تعتمد على مشاركة الراغبين من المدرسين في مناظرات على المستوى الجهوي (المندوبيات الجهوية) وذلك من خلال مجموعة من المقاييس والضوابط تكرس الشفافية وتساوي الفرص والقطع مع المحسوبية والتعيين على اساس الولاء للحزب، للتعرف على القرار كان لنا هذا الحديث مع الاخ سامي الطاهري الكاتب العام للنقابة العامة للتعليم الثانوي. ❊ أثار إمضاء النقابة العامة للتعليم الثانوي محضر اتفاق مع وزارة التربية حول مقاييس الترشح لخطتي مدير وناظر عديد الاحتجاجات من المديرين والنظام، هل بإمكانك أن تشرح لنا فحوى هذا الاتفاق وأسباب ردود الفعل عليه؟ مطلب التناظر حول خطتي مدير وناظر وتحديد مقاييس الترشح لهما ، ليس بالجديد فأجيال عديدة من المدرسين والنقابيين ناضلت من أجله منذ السبعينات وقد تحمل بعضهم مسؤولية ذلك بالتعرض للسجن والايقاف والطرد من العمل، بل ان مشاكل النقابيين مع المديرين لا تحصى ولا تعدّ فجل المطرودين والمسجونين كان وراء مأساتهم المديرين، ولعل نسبة اكثر من 35٪ من الاضرابات الاحتجاجية التي يقوم بها النقابيون والمدرسون كانت ضد المديرين نظرا الى سوء تصرفهم مع النقابيين سواء بالتدخل المباشر في عملهم او تعطيل تحركاتهم او نتيجة اهمالهم أداء وظيفتهم داخل المؤسسات التعليمية، كما أؤكد اننا لم ننتهز الفرصة مع الثورة لتصفية الحسابات مع المديرين رغم ان الثورة حققت المطالب الكثيرة للشعب التونسي، مثل طرد بن علي وحلّ البرلمان ومجلس المستشارين المنتصبين، اضافة الى عديد المديرين العامين المعروفين بفسادهم، ولا أتصور ان مديري المؤسسات التربوية استثناء، هذا مع التأكيد اننا لم نناد بطردهم بل اننا طالبنهم بالتناظر ودعوناهم الى التنافس النزيه والشفاف طبقا لمقاييس موضوعية. وهذه المقاييس وكما حددها محضر الاتفاق تتمثل في الاقدمية في التعليم سواء في التدريس او الادارة، ثم العدد البيداغوجي وتنفيل الشهائد العلمية. وهذه المقاييس يستوي فيها الجميع دون استثناء: المدير من حيث أقدميته في الادارة او في القسم والمدرس من حيث عمله في القسم، كما ان كلاّ من المدير والمدرّس لهما عدد بيداغوجي واذا كان العدد البيداغوجي للمدير لم يحيّن فذلك نتيجة اختياره بترك التدريس والتوجه للادارة وقد تحصل مقابلة ذلك على منحة الادارة وعديد الامتيازات مثل التفرغ (800،3 دينار منحة الادارة التي تسند الى المديرين سنويا). قضية المديرين المثارة اليوم مفتعلة فهم يدافعون عن مصالح شخصية ونحن ندافع عن مصلحة المؤسسة التربوية عموما من اجل ادارة عادلة تتوفر على فرص متكافئة وتقوم على المساواة بين الجميع والقضاء على هيمنة الحزب الحاكم المنحل الذي كان يخترق المؤسسات التربوية ويتحكم فيها من خلال تعيين أعوانه ولنا أدلة تم الحصول عليها من قبل بعض شباب الثورة في المراكز تثبت الدور الرقابي لبعض المديرين من خلال العمل كمخبرين يقدمون تقارير أمنية حول الاضرابات والاساتذة والزميلات المحجبات والنقابيين بل اننا نؤكد ومن خلال وثائق بحوزتنا على وجود مديرين مخبرين تسند إليهم بطاقات ارشادات مخبر تحمل الاسم واللقب والصفة، تشفع ببعض الملاحظات من قبيل »افادته جيدة ودقيقة وهو متعاون...« ونحن لا نتقوّل على احد بل لدينا الأدلة والاثباتات ورغم ذلك وحرصا على سلامة التمشي العادي للسنة الدراسية عملنا على الابقاء على المديرين رغم أخطائهم باستثناء ما يقرب من 150 مديرا تعذر استمرارهم في مهماتهم الادارية وخططهم الوظيفية. ❊ وماذا عن موضوع التنفيل بالإدارة التي يصرّ عليها المديرون؟ الاتفاق واضح ولا لبس فيه الاقدمية في سلك المدرسين بدأ من الانتداب حتى سنّ التقاعد، والاقدمية العامة يحسب فيها القسم والادارة فخطة المدير تعتبر خطة وظيفية وهو بذلك يبقى دائما تابعا لسلك المدرسين، أما عن تنفيل الشهائد البيداغوجية فواضح وصريح ويعتمد اسناد مجموعة نقاط وهي كالآتي: 5 للأستاذية، 7 للماجستير، 8 للتبريز و 10 للدكتوراه وتستوي في هذه المقاييس الاستاذ والمدير، ولا يمكن بأي حال تنفيل أحد بإدارة كانت تسند من الوزارة لا بحسب الولاء، وهو أسلوب لا يمكن ان نبدأ به مرحلة تأسيسية تقوم على القطع مع الادارة الفاسدة وما أدعو المديرين اليه هو ان يتقبلوا بالمساواة وتكافؤ الفرص، وان يقطعوا مع عقلية احتكار الادارة حتى التقاعد واعتبارها حقا أزليا لا يمكن ان ينازعهم فيه أحد. ❊ هل من توضيح للمحادثة باعتبارها أحد المقاييس التي وردت في محضر الاتفاق؟ المحادثة مقياس معمول به سابقا، لكن كانت الادارة تحتكره وتقوم به بمفردها، وكانت تعتمد من قبلها لاقصاء الاساتذة، وقد تم تعديلها من محضر الاتفاق حتى تتحول وكما طالبنا سابقا الى لجنة متناصفة تمثل فيها النقابة واللجان المتناصفة والادارة وهو ما يجعلها عادلة فاذا وقع الاتفاق يسند عدد معين واذا لم يقع الاتفاق يحتسب المعدل وهناك عدد اقصائي لمن لا تتوفر فيه شروط تحمل مسؤولية المدير كالتواصل والقدرة على حل المشاكل والاستعداد النفسي لتحمل الادارة التي تمثل اليوم بمثابة المسؤولية الوطنية، أما عن اجراءات التقدم بالطلب للتناظر حول خطتي مدير أو ناظر، فتقوم على سحب مطبوعات من موقع الوزارة ويتم تعميرها وترفق بالوثائق الداعمة من قبل الاستاذ وتسلم عن طريق التسلسل الاداري لكن امام حالة التعطيل التي يقوم بها المديرين الآن يتم تسليم هذه الوثائق الى الادارة الجهوية التي تجمعها ويرسلها الى المركزية التي تنظمها طبقا لترتيب تفاضلي بحسب المجموع يضاف اليها عدد المحادثة التي تمثل 25٪ وبامكان المترشح تحديد ستة اختيارات في المراكز المطلوبة وتجرى المناظرة هذه السنة على مستوى جهوي بالمندوبيات الجهوية وفي السنة القادمة ستجرى على مستوى المندوبيات وعلى مستوى وطني بصورة عامة. ❊ ما هو موقفكم إزاء الاحتجاجات والإضرابات التي ينفذها المديرون والنظار، وهل من شأنها أن تؤثر لو تواصلت على العملية التربوية خاصة مع التهديد بإضراب إداري مفتوح؟ نسجل أولا ان الاحتجاجات ينفذها بعض من المديرين وليسوا كلهم، وهي تعكس عقلية مفادها ان البعض غير قادر على التنافس مع زملائه فمنهم من عيّن مديرا وهو لم يقض اكثر من ثلاث سنوات عمل في التدريس، ولم يصل بعد السن القانوني، كما ان من المديرين من عيّن ولم يتجاوز عدده البيداغوجي التسعة. كما ان هذه الاحتجاجات تعبر عن مشاكل شخصية لأناس يدافعون عن مصالح ذاتية وعن امتيازات كانت ممنوحة لهم فهم لا يطالبون بحق يقوم على ارساء تنافس نزيه يقوم على المساواة والعدالة والانصاف ويقطع مع التمييز. وكأن هؤلاء المديرين يعتبرون ان المدرسة العمومية »ملك البيليك« متاحة ومباحة لرغباتهم وطموحاتهم ومصالحهم ونحن نقول لهم ان التناظر بمقاييسه الموضوعية يصوّب خطأ ويسترجع حق الاساتذة، ولأنه كان من حقهم ان يحتجوا فليس مسموحا لهم ان يعطلوا مصالح المؤسسات التربوية ولا ان يحرموا ابناءنا بعد سنة من الجهد والبذل بعد ان تمكّنا بتضحيات كبيرة من انقاذ السنة الدراسية بعد ان قررنا التوقف عن التحركات للمطالبة بحقوقنا، كما ان تركهم للمؤسسات التربوية عرضة للنهب والتخريب يعد اخلالا بواجبهم المهني والوطني خاصة في الظروف الامنية التي تمرّ بها البلاد. ونطالب هنا وزارة التربية بالانتباه الى هذه الاخلالات ومحاكمة المقصّرين قانونيا وتأديبيا، لأنه لا يجوز التلاعب بمستقبل الاجيال مهما كانت المبررات. لن نسكت عن هذه التجاوزات ولن نسمح لهم بالتطاول على هياكلنا النقابية المناضلة ونحن على أتم الاستعداد لقطع عطلنا والتجند مع الاساتذة للقيام بالعمل الاداري خلال الصائفة الى ان يتم تعيين مديرين جددا وفق التناظر ولن نسمح بعودة اي مدير من بوابة غير بوابة التناظر، كما اننا نطالب الوزارة باستكمال مسار التناظر بحسب الجدول الزمني الذي تم ضبطه والمتمثل في تقييم الملفات واجراء المحادثة والخضوع الى تربص تدريبي للمديرين الجدد، واذا ما استمر المحتجون من المديرين في تعنتهم حتى بداية السنة الدراسية القادمة فانهم سيواجهون 70 الف استاذ ومليون تلميذ و 10 ملايين تونسي. ❊ كلمة أخيرة حول مجلس المؤسسة وعلاقته بالإدارة؟ الثورة فتحت أفقا جديدا لكل التونسيين للانتقال الديمقراطي وعديد المفاهيم يجب ان تتغير ومنها دور الادارة ومراجعة المنظومة التربوية حيث ان الادارة يجب ان تتجاوز الدور التقليدي البيروقراطي الفردي القديم الى دور تنسيقي في ظل مجلس مؤسسة منتخب من العاملين في المؤسسة أساتذة وقيمين وعملة وأعوان مخابر واداريين هذا المجلس على رأسه منسق وهو المدير الذي يطرح امامهم مشاريع وبرامج للسنة الدراسية وكل ما يهم المؤسسة. وللتذكير فقد كنا رافضين لمجلس المؤسسة وذلك بسبب خلاف جوهري حول التمويل من خارج المؤسسة وكذلك حول مكونات المجلس حيث طرحت امكانية دخول اطراف من خارج المؤسسة سُمّوا بالمانحين، اضافة الى ان المجلس كان ذا صبغة استشارية وقد طالبنا بأن تكون صيغته تقديرية وعلى ما يبدو فان الوزارة اصبحت قابلة لاعتراضاتنا الاساسية وموفقة عليها ومن المنتظر ان تشرع في مفاوضة حولها للوصول الى امضاء محضر اتفاق. وتنتظر ان تبدأ السنة الدراسية القادمة في ظل مناخ تربوي جديد وصحي من شأنه ان يرتقي بالمنظومة التربوية ويوفر كل امكانيات النجاح: مجالس مؤسسة منتخبة ومديرون منسقون منظرون وليسوا معينين متسلطين.