عقب نجاح انتفاضة الشعب التونسي والمصري في المطالبة بالتغيير انطلقت احتجاجات الشعب الليبي الشقيق لذات الغاية الا ان النظام الليبي لم يهضم ان هناك من يعارض النظام الجماهيري العظيم، فكان التصدي لهذه الاحتجاجات منذ اليوم الاول بكل عنف مما حوّل هذا التحرك السلمي الى عنف متبادل بين السلطة والثوار. في هذه اللحظة كان على القوى الغربية اللاهثة دائما وراء تأمين مصالحها التحرك بكل سرعة. ولان انتفاضة الشعب الليبي كانت مُفاجئةً فان الرؤيا بالنسبة الى القوى الغربية كانت ضبابية للمشهد السياسي في ليبيا حيث انهم يجهلون المرجعية الفكرية للثوار وأهدافهم المستقبلية، فعملت هذه القوى على التدخل العسكري المحدود (تدخل جوي) لإعاقة كتائب القذافي عن القضاء على الثوار وذلك بهدف اطالة الصراع العسكري لتحقيق غايات اقتصادية وسياسية. الأهداف السياسية: هدفت السياسة الاستراتيجية الغربية إلى: 1) الاطاحة بنظام العقيد ولان هذه السياسة لا تحيد بالعمل اليومي والمبادرات المناسبتية فان الغرب لم يغفر لنظام معمر القذافي كل الافعال المعادية للغرب والمتمثلة خاصة في تفجير ملهى ليلي في برلين، إسقاط طائرة لوكبربي وتشجيع الحركات الانفصالية في أوروبا بل وتعدى الامر الى تمزيق ميثاق الاممالمتحدة وذلك رغم التنازلات العظيمة التي قدمها النظام الليبي في العقد الاخير. فكانت هذه الانتفاضة هي الفرصة التاريخية التي ما فتئ ينتظرها الغرب لتحقيق الهدف الاستراتيجي المدرج في سياسته الخارجية وهو الاطاحة بنظام معمر القذافي. 2) البحث عن المرجعية الفكرية للثوار وأهدافهم المستقبلية في حالة إسقاط النظام الليبي وذلك في ظل الخوف من التيارات المتشددة (السلفيون والقاعدة في البلاد المغرب الاسلامي) فنشطت الدبلوماسية الغربية في هذا الاطار حيث وقع التحاور مرارا مع المجلس الانتقالي الذي عبّر في اكثر من مناسبة عن هدفه في تأسيس دولة مدنية الا ان الغرب ورغم هذا الاقرار مازال يتوجّس الخيفة من حقيقة أهداف الثوار فعمل على إطالة عمر النظام الليبي مع ما ينجر عنه من خسائر مادية للثوار وذلك بهدف الحصول على اكثر تنازلات سياسية من طرف المجلس الانتقالي. أما بالنسبة الى النظام الليبي فان اطالة الصراع ومهاجمته جوا في كل حين لاضعاف قوته العسكرية وجعله تحت تهديد السقوط ومحاكمة قيادته يجعل العقيد اكثر ليونة وخنوعا واستسلاما لاملاءات القوى الغربية وذلك في حالة ايقاف التدخل الجوي الى جانب الثوار لإبقاء العقيد في السلطة. وبالتالي تكون القوى الغربية قد تمسّكت بكل خيوط اللعبة السياسية في ليبيا بحيث يمكنها إسقاط النظام الليبي، فيتسلم الثوار الحكم معترفين بفضل قوى التحالف الغربي بهذا الانجاز وما عليهم سوى خلاص الدين وذلك بالانصياع الى املاءاتهم في رسم السياسة الليبية ما بعد القذافي، أما في الحالة المعاكسة وهي الابقاء على سلطة القذافي اذ تبين ان الثوار ينتمون الى فكر لا يخدم المصالح الغربية فانه سيقع ايقاف التدخل الجوي واعطاء الفرصة لقوات القذافي للقضاء على هذه الثورة وبقاء العقيد في السلطة حيث يجب عليه حينئذ رد الجميل بزيادة الاستسلام وفتح ليبيا للمصالح الغربية ومحاربة كل القوى المعادية للغرب المتواجدة مبدئيا في الصحراء الكبرى على غرار القاعدة المتواجدة في المغرب الاسلامي مع العمل على تطبيق السياسة الغربية في افريقيا. الأهداف الاقتصادية: الى جانب التخطيط الاستراتيجي السياسي للغرب والمتمثل في ازالة منظومات فكرية معادية وبعث اخرى موالية للغرب اهداف اقتصادية لا تقل أهمية، وعليه فان اطالة الحرب في ليبيا يعني تكثيف الدمار وارجاع ليبيا الى العصور الوسطى، فمن صالح الغرب تدمير كل القدرات الليبية فوقية وتحتية لأنه كلما ازداد الدمار اتساعا ازدادت حاجة النظام اللاحق في ليبيا الى الخبرات الغربية الى اعادة البناء والتعمير وبالتالي الى خلق سوق جديدة للاقتصاد الغربي الذي سينزل بكل قواه لإعادة البناء نعم! ولكن ايضا للنهب! وبناء على ما تقدم نستشف ان النتيجة التي ستؤول اليها الحرب الاهلية في ليبيا بقاء القذافي أو ابعاده سيكون في الحالتين لصالح القوى الغربية سياسيا واقتصاديا.