لقد سبق منذ شهرين أو ثلاثة لمحافظ البنك المركزي التونسي،ان تفضّل بإنارة الرأي العام عن حجم الانخرام المالي والنقدي الذي قاسى من ويلاته البنك المركزي والاقتصاد التونسي والطاقة الشرائية المتدنية للشغالين والأجراء، طيلة حكم عصابة الجنرال والبارونة والعائلتين المنهارتين من أبناء وبنات وأحفاد وأصهار وأخوات وأقارب وبيادق ولصوص... فالأرقام المفصّلة الكارثية التي قدّمها محافظ البنك المركزي، تفيد بأنّ الفساد المالي البنكي الذي ظلّت وراءه عصابات الحقّ العام في قصرقرطاج،وجميع بيادقهم وأدواتهم المتمعشّين من الفساد (من محافظتي البنوك ومديري مؤسسات مالية ومديرين مساعدين ورؤساء فروع بنكية وحتى أعوان بنوك أجراء...) قد بلغ بعد التحقيقات الادارية والأبحاث المالية التي أجراها متفقدو البنك المركزي، دائرة 2500 مليار بالتمام والكمال، في شكل قروض استثنائية ضخمة للعائلة المالكة المنهارة، منها 18٪ فقط لا غير، مدعمة بضمانات قانونية، والجانب الأوفر منها أي 82٪ من تلك القروض دون أية ضمانات بنكية قانونية... ... وفي نفس السياق، فلقد اطلع الرأي العام التونسي والعالم بأسره على الحجم الهائل من اللصوصية المحترفة المنظمة داخل أروقة قصر قرطاج ومكاتبه وقاعاته وغرف نومه وحتى في باطن الجدران، حيث عاين الشعب التونسي المغدور داخل قصر الفساد، تلك الخزائن الضخمة اللوحية والحديدية المشحونة بالمليارات المسروقة وأطنان من الأوراق النقدية المنهوبة (من اليورو والدينار الى الليرة الأجنبية والدولار وحتى العملة التركية...)، وأغلبها معلبة وتحمل على اليمين ختم البنك المركزي التونسي وتوفيق المتهم توفيق بكّار (تحت ذمة النيابة الجنائية والممنوع من مغادرة البلاد قضائيا) كما عاين الجميع بالصورة التلفزية تلك الأكداس من المجوهرات والذهب والنفائس النادرة التي استولت عليها عصابات قصر قرطاج وأحكمت أخفاءها داخل قاعات وغرف قصر سيدي بوسعيد المشؤوم... كما يعلم الجميع (الشعب والأحزاب الوطنية وبقايا النظام والاعلام وحتى النيابة العامة) أن بارونات الجهاز البنكي المتغوّل وبيادقه ولصوصه والمتمعشين من مؤسسة الفساد، قد يسّروا، الى حدّ التواطُؤ العلني المأجور، استيلاء عصابات العائلة الرئاسية الفاسدة المنهارة على أغلب القطاعات الحيوية للاقتصاد التونسي، عبر القروض البنكية الضخمة دون ضمانات قانونية معمول بها في بلادنا وفي كل أرجاء العالم: فالأوساط البنكية المطلعة تعلم جيدا على سبيل المثال أن اللصّ المطارد قضائيا المتهم صخر الماطري قد تبناه الجهاز البنكي الفاسد طيلة سنوات طويلة، وأغدق عليه (وعلى والده المتهم قضائيا المنصف الماطري) مئات المليارات من أموال عرق الشعب والوطن، بل أن الماطري الابن (على وزن بورقيبة الابن وبوش الابن قد طالت غطرسته المالية (بفضل القروض الفاسدة) مؤسسة بنك الجنوب (الذي كان في بداية تأسيسه يسمى »بنك الشعب«!! حيث انه اشترى جميع حصصه بالتمام والكمال واصبح بنكا شخصيا عائليا (وفق النموذج الرأسمالي السائد حاليا في تركيا وايران والسعودية وقطر والكويت)، وفي مرحلة موالية، انغمس الماطري الابن في أوحال مستنقع المضاربات الفاسدة، حيث أعاد بيع نفس البنك المشؤوم الى مضاربين آخرين، قبل ان يصبح تحت يافطة جديدة (تجاري بنك)، وقد لهف الماطري الابن من وراء ذلك حوالي عشرين مليون دينار (أي في حدود 20 مليار من المليمات التونسية)، علما انه تم تسهيل تهريبه مع عشيرته سيرين بن علي عشية ثورة 14 جانفي المجيدة، الى قطر البترولية احدى اكبر مراكز المضاربات والفساد العالمية، حيث أسس بنكا هناك ومنحته دولة قطر رخصة اقامة دائمة رسمية ووفرت له كامل الحماية، إمعانا متعمدا في تجريح مشاعر جميع التونسيين وتحديا سافرا للقضاء التونسي المتخاذل في الدفاع عن شرفه وكرامة الشعب التونسي ودماء الشهداء البواسل الأبرار. كما أنه على صعيد متصل، تداولت مؤخرا بعض وسائل الاعلام التونسية، فضيحة الطائرة الشخصية للمتهم الهارب الماطري الابن والتي تحتجزها السلطات السويسرية، مطالبة الحكومة المؤقتة بوجوب استصدار حكم قضائي ضد صخر الماطري في الغرض وتقديمها الى الدوائر القضائية السويسرية حتى يتم استعادة الطائرة المذكورة ومصادرتها من طرف الدولة، الأمر الذي يوجب على حمدي المدب شخصيا (بصفته شريك الماطري الابن في ملكية الطائرة اللعينة) التقدم بشكاية في الغرض ضد المتهم المذكور الهارب من العدالة... ... ولا يخفى على أحد (بما فيها النيابة العامة ذاتها) أن بارونات الجهاز البنكي التونسي يقفون مباشرة وراء تضخم ثروات أفراد العائلة المالكة المنهارة عبر ضخّ القروض الخيالية الباهظة والتسهيلات المالية والبنكية والقمركية غير القانونية بالمرة، وتيسير انتشار نفوذهم المالي البكتيري وسطوتهم الوبائية على جميع قطاعات الاقتصاد، عبر الشركات والبنوك والمنشآت الخاصة... فضمن ذلك الاطار التطهيري، ضبطت لجنة المصادرة منذ أسابيع قائمة أولى شملت 41 شركة مشبوهة تعود ملكيتها جزئيا أو كليا الى عصابات العائلة الرئاسية المنهارة وبيادقهم ووكلائهم كما ان لجنة المصادرة ستشرع قريبا عبر لقاء اعلامي رسمي في الاعلان عن قائمة ثانية من المصادرات المثيرة، منها حوالي 200 سيارة فاخرة ذات الأسعار الخيالية، من طينة رباعيات الدفع و »البورش« و »المرسديس«، وخصوصا سيارة أسطورية في منتهى الشذوذ وغريبة الشكل تعود ملكيتها الى إمبراطورة اللصوصية والفساد والإفساد والرشوة ليلى الطرابلسي حلاّقة زنقة الشيشمة في ضواحي مدينة صفاقس وهي سيارة قدّرتها بعض الدوائر المالية والقمركية، بأنها من أغلى السيارات في العالم على الاطلاق، حيث يصل سعرها الى اكثر من .... 11 مليار تونسي، ألمانية الصنع والتزويق وتسمي (ليس 404 باشي) بل »مايباخ أكسيليريو« من انتاج شركة »دايملر كرايسلر« المختصة في صناعة سيارات امبراطوري النفط والذهب وتجار السلاح والمخدرات الكبار وأباطرة الدعارة المنظمة العالمية كما أن اللجنة الوطنية للمصادرة وهي من نتاج ثورة 14 جانفي المجيدة اكتشفت اكثر من خمسين شركة مشبوهة أسسها أفراد من العصابة الرئاسية المنهارة بفضل القروض البنكية الضخمة، من ضمنها الشركات التي تشكل مجمع »كرطاڤُو« السيء الصيت والسمعة، اضافة الى إماطة اللثام عن عدد من اليخوت الفاخرة، وأولها يخت »عليسة« الذي بينت التحقيقات الادارية أن الجنرال الهارب من العدالة قد استخلص سعره الباهظ من ميزانية وزارة الدفاع!! كما أن إمبراطورية الفساد والتهريب والدعارة المنظمة والتزوير والرشاوي والتمعش، التي شيّد أوكارها ومستقعاتها نظام حكم الجنرال الدموي، لم تقتصر جغرافيا على أرض بلادنا الفيحاء، بل امتدّ عنكبوتها الملوّث الى بعض البلدان الشقيقة والصديقة حتى اصبحت إمبراطورية إقليمية غارقة في أوحال الفساد حتى العنق: فمنذ 2002 على وجه التحديد، ظلت الجزائر الوجهة المفضلة لنشاط تجاري مضارباتي واسع النطاق امام أفراد العصابة الرئاسية، حيث إنغمسوا في أوحال عالم تهريب السيارات الفاخرة والأجهزة الالكترومنزلية المتنوعة (التي نشاهدها اليوم تباع في بعض المغازات والفضاءات التجارية الكبرى وحتى على الرصيف) وصولا الى المضاربات والتهريب الذي لم تسلم منه حتى الحيوانات النادرة والخيول والطيور... كما ان الامبراطورية الاقليمية للفساد الرئاسي العائلي قد طالت السيارات المسروقة من ألمانيا وايطاليا وفرنسا عبر البحر، ويعلم ميناء حلق الوادي وعماله وادارته أقاصيص المئات من تلك السيارات التي كان أفراد عصابة الطرابلسي يحولون وجهة تلك السيارات المسروقة نحو التراب الليبي والحدود الشرقيةالتونسية نحو الجزائر، حيث اكتشفت قوات الحرس الحدودي بعد الثورة بأيام قليلة 235 سيارة فاخرة مسروقة احتجزها المركز الحدودي في منطقة بوشبكة (من ولاية تبسّة الجزائرية) كانت متجهة من تونس الى الجزائر، حسب ما أفادت بذلك صحيفة »الشروق« الجزائرية... إن خلاصتنا الاجمالية هي ان إمبراطورية الفساد العائلي والرئاسي تتجاوز أقاصيصها الواقعية أقاصيص الف ليلة وليلة، بل وقد تجاوزت حتى الخيال المجرد الطبيعي... فتلك الامبراطورية المالية الفاسدة التي نخرت طويلا جسد بلادنا شبرا شبرا، لم تجمع ثرواتها الطائلة اطلاقا من »عرق الجبين« أو النشاط القانوني اطلاقا، أو حتى من مالها الخاص الموروث، بل فقط من جراء تورّط بارونات الجهاز البنكي في ضخ قروض المليارات (من أموال الشعب والوطن) لفائدة عصابات حق عام من داخل قصر الجنرال والبارونة، وهي القروض والأموال الطائلة والتسهيلات التي يسّرت لأفراد تلك العصابة تخريب الاقتصاد وترويج التهريب والفساد والرشوة والتمعش من الدعارة المنظمة والمضاربات واللصوصية واهدار الثروات الوطنية.