لا يمكن لمحلل حصيف... ومطلع على دواخل الشأن العربي من المحيط الى الخليج ان يتعامل مع الثورات العربية بمعيار واحد رغم إجماعها على طلب الكرامة والحرية والحقوق المدنية الاجتماعية والنجاح في اسقاط نظم دكتاتورية فاسدة لا همّ لها الا جمع الثروات الطائلة وتحويلها الى الخارج فتحول القُطْر الى إقطاعية تسرح وتمرح فيها عائلة الطاغية وتمضي في نهب كافة الثروات دون حسيب أو رقيب حتى تمكن الفقر والحاجة من الجماهير وتلازم مع أمية أو بدائية في التعليم والصحة وجل المرافق الاجتماعية والاقتصادية الثقافية مع ان جل هذه النظم شمولية لا تعرف بحق المواطن في ابداء أو مجرد التصريح برغباته وجملة أفكاره المخالفة للنظام القائم... لكن لابد من القول بأن النظام الغربي منقسم الى شقين أغلبية منه موالية للولايات المتحدةالامريكية واخرى ممانعة... وعلى هذا الحد البيّن يمكن التفريق بين هذا وذاك... رغم ما يجمع الفريقين من شمولية الحكم وتفرد الأسر الحاكمة بالقرار السلطوي ونهب الثروة الوطنية والعيش الفاضح والبذخ والتغييب المقصود لكل ثوابت المجتمع المدني المنشود بداية من حرية التغيير وبعث الاحزاب والجمعيات واستقلال الاعلام والقضاء وحرية المرأة والعمل النقابي والحق في الشغل والسكن والتعليم المجاني القديم والصحة وغيره من المكاسب الديمقراطية الدافعة الى التقدم والتنوير الفكري والثقافي والكفاية والعدل في توزيع الثروة... وهذه القيم الخالدة في حق المواطنة وحقوق الانسان مداسة أو مغيبة في الغالب من الأقطار العربية ويكفي دلالة ان تمنع المرأة في السعودية من أبسط حق في سياقة سيارتها بمفردها. ان تعرضت أحداهن خالفت العرف الى حكم بالجلد... وهذا ما جعل هذه الاطراف تسعى بالبترودلار الى شراء بعض الثورات العربية واحتواء توهجها وتمييعها، فالمال الذي تسرّب الى عدد من الاحزاب بين ظهرانينا بكثرة من الغرب الاستعماري الامبريالي وحليفته الأزلية الرجعية العربية لا يقل خطورة عن الضربات الجوية التي يأتيها الحلف الاطلسي بقيادة فرنسا بدعوى مناصرة الثورة الليبية وحماية المدنيين وهو لعمري نفس السيناريو الذي طبق عند عزوا العراق الناهض وتدميره وذبحه من اجل الاستيلاء على ثروته النفطية الهائلة... بعد اثارة الفتن الطائفية ثم العشائرية لغاية شق الصفوف والتحريض على التقاتل بين ابناء الوطن الواحد، لكن المقاومة العراقية الباسلة تصدت لجيش الاحتلال وأساليبه غدره فنشرت جثث جنوده وافلاس خزينته على اسوار بغداد فرام الانسحاب والتسليم بالهزيمة... لذا وجب على الثورات العربية التي جاءت عفوية دون الاستناد الى فكر متقدم وثقافة تنويرية أن تلازم الحذر وتتسلح باليقظة والوحدة حتى لا يركبها العدو بليل ويلتوي على أهدافها الوطنية ويهب خراجها في جيب بوضع يده على ثروات البلاد والعباد... فليبيا بها ثروة مغرية من النفط والغاز والأورانيوم داخل مساحة شاسعة تفوق مساحة فرنسا ثلاثة مرات... ولعل الخطير تجاه القضية الفلسطينية هو حالة الانزلاق التي شهدتها بعض المواقف المحسوبة او المندسة بين اصحاب الثورة... المناداة بالتطبيع مع الكياني الصهيوني كما حدث في هيئة حماية الثورة عندنا في حين تمكنت طلائع الثورة في مصر من مهاجمة السفارة الصهيونية بالقاهرة واجبار السفير على الفرار من مصر العروبة... وهو نفس العمل الجليل الذي نفذته الجماهير الغاضبة في الاردن الشقيق. اما يحدث في سوريا تفوح منه رائحة الطائفية والمذهبية.. فجماعة الاخوان السلفية هي التي تتصدر الاحتجاجات وتروم اسقاط النظام البغي رغم دوره المتفرد الثابت في احتضان الثورة الفلسطينية ودعم فصائلها المقاتلة، كما كان الداعم لحزب الله اللبناني عند قيامه بتحرير الجنوب، فأهدى الى الامة العربية أروع انتصار تاريخي على العدو الصهيوني وشفع بانتصار اخر يثير النخوة في قطاع غزة من الفصائل الجهادية بقيادة حماس والجهاد الاسلامي التي تمكنت من تحرير القطاع فالمقاومة والمحافظة على البندقية العربية الفلسطينية هي المنقذ الوحيد لتحرير الوطن المغتصب : فلسطين والقدس أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين فرعية بعض المنتفضين في سوريا في اسقاط النظام رغم قبوله الشروع الفوري في الاصلاحات المدنية سيفضي الى تغوّل العدو الصهيوني وعلوه في دوس الاعتراف بالحقوق الثابتة لهذا الشعب في وطنه السليب منذ سنة 1948.