ما قبل الثورة المجيدة كان الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي في البلاد متدهورا وقاتما: ❊ استكانة عارمة وولاء غير محدود للطاغية بن علي وزمرته فلا أحد يعارض ولا أحد يناهض. ❊ أما الذين تجاسروا على هذه الطغمة الفاسدة وعَلَنًا هم الوطنيون من مختلف ألوانهم في نقابة التعليم الثانوي وكانوا شوكة في حلق الطاغية بن علي، فلم يخضعوا إلى سلمه الاجتماعي المزيف او ميثاقه الوطني المزعوم. ❊ فناضلنا طيلة ايام حكمه بكل الوسائل المتاحة في نقابتنا الثورية مثل شن اضرابات دورية في ظاهرها مطالب نقابية مطلبية وفي جوهرها سياسية تدين الوضع القائم والمتردي في البلاد وتنظيم مسيرات خلال غزو العراق واجتياح جنوب لبنان والاعتداء السافر على غزة من طرف الاستعمار الامبريالي والصهيوني، والقيام بتظاهرات ثقافية مثل احياء يوم الارض وغيرها من المحطات النضالية. ❊ وكان نظام بن علي يتحاشى مجابهة قطاع التعليم الثانوي لان وراءه قاعدة تلمذية واجتماعية كبيرة تزعجه. ❊ أما »زعماؤنا الأفذاذ« وهم من اتجاهات سياسية مختلفة قد ذابوا عن الساحة فمنهم من استكان للوضع واصبح في المعارضة المزكية والمطيعة لأوامر بن علي. ❊ ومنهم من هجر البلاد وفر بجلده بشتى الطرق وكما يقول المثل الشعبي »خلوا أهل البلاء في البلاء وهجوا« وأين التجؤوا؟ ❊ كان من المنطق والمعقول ان تكون وجهتهم الشرق: السعودية الامارات العربية قطر وغيرها من البلدان العربية والاسلامية وهذا من منطلق توجهاتهم المذهبية، لكنهم خيروا وجهة اخرى لأنهم يعرفون مسبقا انهم غير آمنين ولا يلقون القبول الحسن ومهددون بإرجاعهم الى طاغيتهم بن علي لينكل بهم. ❊ فهرولوا الى بريطانيا وألمانيا وكندا وغيرها من البلدان العلمانية اللائكية لأنها تضمّ مؤسسات ومنظمات وجمعيات حقوقية تحميهم وتمنحهم اللجوء السياسي. ❊ إذ وفرت لهم الأمان والاقامة المريحة وحرية التعبير وممارسة شعائرهم الدينية بكل حرية. وهنا باعتباري وطنيًّا مناضلاً اثمن هذا النوع من المجتمع المتحرر الديمقراطي الذي عرفناه بالامس حين خرج الى الشوارع بالملايين منددا ومناهضا للسياسات الاستعمارية للغرب نفسه الموغل في الاستبداد والتسلط على الشعوب الفقيرة والنامية لقمعها واحتلالها مثلما وقع في العراق وأفغانستان وجنوب لبنان والقتل اليومي والاعتقال لشبابنا وأطفالنا ونسائنا في فلسطين مع تشريد الأهالي ونسف بيوتهم على رؤوسهم. ❊ وجاء يوم الخلاص بعد فرار المخلوع وزمرته الفاسدة وتبين لهؤلاء المهاجرين أن ثورتنا المجيدة نجحت وأصبح الشعب ينعم بالحرية ويعبر عن آرائه السياسية فتوافدوا جحافل مثل القطعان الى تونس ليتقاسموا الكعكة: هذا يعلنت عن ترشحه لرئاسة البلاد والآخر جاء ليحرم اشياء ويحلل اخرى ويقدم الفتاوي التي لا علاقة لها بمطالب الشعب الثائر. ❊ وبدا الخطاب المنافق للجماهير: هذا تقدمي ديمقراطي وهذا يقر حرية المرأة وحقوقها المدنية، أما في المنابر الخاصة فالمرأة عورة ودونية يجب تكفينها برداء اسود يظهر منها سواء عينيها وهذا الثوب يتدلى الى الارض ليكنس فضلات الطريق، أو اغلب الأحيان نقاب يظهر منه وجهها او خمار تستر به شعرها (وهنا لا أنكر على النساء الأمهات العاديات غطاء رؤوسهن فهذا معتاد عليه فلا جدال فيه) كذلك يحرمون الاختلاط بين الرجال والنساء في اجتماعاتهم وتظاهراتهم. زد على هذا أنشطتهم المريبة في الجوامع التي اصبحت ساحة للمعارك. وتوجهاتهم الى الفئات الفقيرة في الاحياء المهمشة بكميات من المؤونة وغيرها كما كان يفعل زعيمهم بن علي خلال فترات حكمه وأقول زعيمهم لان التاريخ لا يرحم. خلال أيامه الاولى من الانقلاب على بورقيبة كانوا يمجدونه واعطونه صكا على بياض وقالوا: »إن الله في السماء وبن علي في الأرض«. ❊ إن الذاكرة الشعبية لا تنسى هذه الترهات الانتهازية السخيفة. ❊ أما الوطنيون الذين يمثلون الطرف المناضل والثوري داخل الاتحاد العام التونسي للشغل قالوا في بيان وزع آنذاك ان الانقلاب امتداد للدكتاتورية البورقيبية وتغيير للأشخاص والوجوه، والاستعمار كان دائما يحاول تطويق الازمات مثل هذه المسرحية وينظر للطغاة لطمس تطلعات الشعوب في الحرية والانعتاق وكسب الوقت وهذا ما يعرف بالاستباق للأحداث. وفي الحقيقة كان الامر في بلادنا من 7 نوفمبر 1987 الى 14 جانفي 2011. ❊ وها هم المطبلون بالامس يحتلون الساحة مستغلين كل الوسائل بما في ذلك المال السياسي والعنف المادي وتوظيف الدين... يريدون الالتفاف على الثورة واستحقاقاتها التقدمية واستبدالها بخياراتهم الرجعية التي لا صلة لها بواقع الشعب ومطالبه. ❊ حقيقة إن هذا النوع من البشر لا يرجى منه خير كان عليهم ان يدافعوا بحق عن العلمانية والديمقراطية وغير ذلك من القيم الانسانية الخلاقة التي استفادوا منها في غربتهم الطويلة لكن حين رجعوا الى ديارهم آمنين تنكروا لهذه القيم ونعتوها بشتى النعوت ورموا معتنقيها من ابناء وطنهم بالكفر والإلحاد. ❊ وهذا ما اعتبره جحودا في حق منظمات ومؤسسات احتضنتهم طويلا ودافعت عنهم رافعة معنا العفو التشريعي العام لكنهم تنكروا لهذا الموقف النضالي المدافع عن حقوق الانسان وكرامته وكان عليهم ان يردوا الجميل والعرفان لهؤلاء يعني لكل من ساندهم وآزرهم في رفع المظالم المسلطة عليهم.