هو شاب مصري لم يبلغ العشرين من العمر، غادر مسقط رأسه في الخامسة عشر ليهاجر الى ايطاليا رغم اعتراض والده الذي كان ميسور الحال ولم يكن أحد من افراد العائلة يحتاج للهجرة بحثا عن لقمة العيش ومساعدة والديه واخوته مثلم يفعل الكثيرون ولكنه هاجس الشباب وحب المغامرة واكتشاف عوالم اخرى وهكذا انقطع سيد أبو العنين وهو اسمه ولقبه عن الدراسة وودّع عائلته في تلبانة التابعة لمحافظة الدقهلية... والى ايطاليا وتحديدا مدينة «ميلانو» ليحدد مصيره بنفسه، ويبحث عن شغل يرتزق منه ويمكنه من العيش الكريم... لكن من أين وكيف له ذلك، وهو طفل لم يبلغ بعد سن المراهقة؟ فكّر «سيد» مليّا وقال في نفسه: ينبغي أن أختار مهنة مطلوبة، حتى لا أغير الشغل في كل مرة، ولابد ان أكون عصاميا واعتمد على نفسي وأشمر عن ساعد الجد. ورغم ان له مبادئ في مهنة، فقد استقر رأيه على امتهان صنع البيتزا علما ان ايطاليا هي بلد «البيتزا» بلا منازع، ويتوفر الشغل في هذا الميدان بسهولة في أية مدينة من المدن الايطالية، واذا به يعلم ان شابا تونسيا فتح محلا لصنع وبيع «البتزا» ويبحث عن عامل يتقن ذلك، فاتصل به وعبّر عن رغبته في العمل، ولكن ذلك يتطلب تجربة وخبرة... قال «سيد» لصاحب المحل التونسي: «لا عليك سأتعلم المهنة في أسرع وقت ولم يتردد «العرف» في قبوله وتكهن له بالمستقبل واقتنع به وعلّمه أبجدية الصناعة بداية من العجن مرورا بمعرفة أنواع «البيتزا» وهي مختلفة الأذواق والبهارات الى آخر مرحلة وهي الفرن ليصبح «سيد» متقنا لهذه الصناعة التي لم يكن يعرف عنها شيئا، وليصبح محل ثقة الجميع وخاصة صاحب المحل قال لي «سيد»: اتصلت ذات مرة بوالدي في مصر لأسأل عنه كعادتي وعن أحواله وأحوال اخوتي وبقية افراد العائلة عن طريق الهاتف وقلت له: «بابا.. عالسلامة، آش نية أحواك؟ قال: «مين معاي؟» قلت: «سيد يا بابا.. «سيد» قال: «انت بتكلمني منين.. يا واد يا انت؟» قلت: من ايطاليا طبعا بابا. قال: لكن.. لكن.. قلت: لكن ماذا بابا؟ قال: انا افتكرتك بتكلمني من تونس يا سيد قلت: علاش يا بابا؟ قال: كمان علاش؟... قلت: ليه يا بوي؟ قال: سمعت مرة اللهجة دِه وعرفت بعدين انها تونسية... عندها راجعت نفسي، واذا بي أخاطب أبي باللهجة التونسية دون ان أشعر وقلت له: عايزني اعمل ايه بابا انا أسكن مع توانسة، وصاحب المحل اللي اشتغل فيه تونسي، وفيه زباين كتير ياكلو عندنا البتزا كل يوم... هم توانسة ف ... اعمل ايه؟ قال: ما كفاية ما عملو فينا التوانسة دول! قلت: عملو ايه يابوي؟ قال: عملو حاجة تجنّن... هم صدروا لنا الثورة.. ثورة الكرامة والحرية والديمقراطية، وعايزهم يصدرو لنا لهجتهم كمان؟! ليه كده يا سيد؟ قلت: ولما قلت انها حاجة تجنّن.. يعني انها حاجة كويسة؟ قال: صح يا بني صح.. لكن.. ايه يا بوي؟ قال: حاسب يابني حاسب تنسى لهجتنا المصرية وخصوصا لهجتنا المحلية لهجة أبوك وجدودك، لهجة تلبانة.. قلت: ده كلام بابا.. يابو العنين يا انت.. بالسلامة يا بابا... قال: بالسلامة يا وليدي... «ورد بالك على روحك..» قلت: حتى انت كمان يابا؟ قال: اعمل ايه يا بني.. التوانسة عملو فينا.. قلت: ما عليش يا بوي... بالسلامة... ايه؟ حتى شيء.. مع ألف سلامة يابا. مهاجر تونسي صديق «سيد أبو العنين»