كنت ولا أزال أرى ان كل المحطات النضالية مناسبة تدخل في سياق التذكير والتنصيص وفرصة للمطالبة بمزيد الحقوق والحريات اليوم ونحن على ابواب المؤتمر العام للاتحاد العام التونسي للشغل الذي سينعقد بطبرقة ايام 25 26 27 و 28 ديسمبر لا نزال نعاني من نفس اساليب العمل النقابي التقليدي بكل أنماطه الكلاسيكية التي قد تعيد انتاج اشكال ومضامين لا تتماشى مع تطلعات الثورة، ولا تزال المرأة في كل انحاء العالم وخاصة في الدول العربية عرضة اكثر لمختلف انواع واشكال العنف مثل الاغتصاب والحرمان من الميراث والاكراه على الزواج والتشغيل المبكر والاتجار بهن وتفيد الاحصائيات ان النساء لا يشغلن الا ٪11،5 من المقاعد في البرلمات الوطنية بينما ترتفع نسبهن في الفقر حيث يمثلن من ٪60 الى ٪70 من فقراء العالم ويشكلن ثلاثة أرباع الأميين فيه اضافة الى انها الضحية الاولى لبرنامج العولمة اذ انها الاكثر تعرضا لفقدان العمل والتهميش خاصة مع غياب التوازن بين حقوقها وحقوق الرجل اضافة الىدورها المهمش في الحياة الاجتماعية الذي يحصر دورها كربة بيت وأم مبعدة عن حقهافي النضال والفاعلية في مجتمعها. إن الكادحات والمثقفات والثوريات التونسيات كن دوما على موعد في ابرز المحطات التاريخية التي شهدتها البلاد كأزمتي 1978 و 1985 وأحداث الثورة الاخيرة وكانت نساء سيدي بوزيد رمزا للصمود ومواجهة القمع الاسود وتقديم الدعم للثورة منذ بدايتها لتتوسع وتتسع معها مساهمات النساء في القصرين وتالة وصفاقس والحوض المنجمي وتونس العاصمة ومع الانتقال الديمقراطي كان لابد من ارساء منظومة معينة من شأنها ان تحقق الديمومة واستقرارية الثورة وبالتالي استحقاقات لتحقيق الديمقراطية السياسية والارساء الفعلي للحريات وتحقيق العدالة الاجتماعية بارساء المساواة الفعلية بين المواطنين في التمتع بحقوقهم الاجتماعية والاقتصادية واذا أردنا اختزال جملة من المطالب وغيرها فاننا نختصرها في كلمة «مواطنة» ترتكز على ثلاثية: السيادة الجنسية الديمقراطية التمثيلية فالمواطن هنا هو صاحب السيادة وهو المتمتع بحقوقه القانونية وحقوقه السياسية كحقه في الانتخاب والترشح اننا نخرج به هنا من صفة الرعية التي يجب عليها الطاعة كليا الى صفة المواطنة التي تجعل منه شريكا ايجابيا في السلطة واذا كنا بصدد تشكيل ملامح لمشروع المجتمع الذي نطمح ان يكون مدنيا وديمقراطيا حداثيا فانه علينا ان نبادر أولا بتغيير آليات العمل السياسي والنقابي بطرائقه وأساليبه التقليدية التي لا توفر مناخا سليما لتواجد حقيقي مكثف وفاعل للمرأة لذلك وبعد طرح مشروع المناصفة في القوائم وما صحبه من ضجة ورنين من ضرورة المساواة بين الجنسين، كان تصدر اسماء المرشحين مخيبا للآمال. يدعونا هذا الفشل الى طرح آليات جديدة لحضور المرأة مستقبلا مثل اعتماد نظام الكوتا نوعا من التمييز الايجابي لتمثيل المرأة في المراكز العليا وهو تمثيل ضروري لبناء الدولة الديمقراطية، الا ان هذا الانتقال لا يكون مجديا الا مع انتقال في العقلية والسلوكيات خاصة انه لا وجود لتدرج في هذا الانتقال في شخصية المواطن العربي الذي ظل غريبا طيلة عقود عن موقع منع القرارات والقوانين اضف الى كل هذا ضعف الاحزاب اليسارية في تونس التي ظت مرتبكة بين الايديولوجيا والسياسة لأنها حاولت استيحاء ايديولوجيا سابقة فشلت في تحويلها الى برنامج سياسي واضح المعالم يتلاءم وتطور المجتمع. في ظل هذا التقصير ابتعدت هذه الاحزاب تدريجيا عن مجال خوض الصراعات والاعتماد على حماسة الجماهير لتجد الاصولية الدينية هذا الفراغ مٌهيًأ لها لتعبئة الجماهير سواء على صعيد الجامعة او على صعيد المدن والارياف. إننا في حاجة اليوم اكثر من اي وقت مضى الى نشر الثقافة الديمقراطية وترسيخ مبدأ حق الاختلاف دون الرفض وتحفيز النخب والاحزاب وكل هياكل المجتمع المدني الى الوفاق الوطني. ان ما يحصل اليوم في تونس يجب ان يكون فرصة لخلخلة الكثير من الثوابت سواء في علاقة النخبة بالمواطن او حتى في علاقة النخبة بالنخبة وبالتالي في علاقة المرأة بالنضال وبالدور الذي يجب ان تقوم به خاصة انها مازالت تعاني من النظرة الدونية في عديد المجالات وهي ايضا عرضة لعديد العراقيل بسبب الذهنيات التي يكرسها المجتمع الذكوري اضافة الى انها تشكو من تراكم المسؤوليات العائلية نتيجة النقص في المرافق الاجتماعية التي تخففت عنها هذه الاعباء اما على المستوى النقابي فان الانخراط في النقابات لا يعكس النسبة المهمة التي بلغتها في مجالات العمل اضافة الى غيابها النقابي في المراكز العليا واقتصار حضورها على المراكز المتوسطة والسفلى لذلك حان الوقت للعمل على ايجاد الصيغ التي تمكنها من تمثيلية فعلية داخل الهياكل المسيرة والهياكل التنفيذية وتطوير هذا التواجد ليكون فاعلا ومجديا بَدأ بتنقيح القانون الاساسي والنظام الداخلي للاتحاد وصولا الى فرض مبدأ الكوتا سنكون موجودات ايام المؤتمر خارج الابواب او خارج الاسوار لأن ما يهم هو أننا موجودات لنقول للعالم بأسره نحن هنا ولن نتنازل ابدا عن حقنا في الوجود الفعلي داخل الاتحاد والعمل على قاعدة الشراكة من اجل تحقيق هذه المشاركة وتفعليها ورفض كل شكل من اشكال التمييز والاقصاء.