«أنتم أعلم بشؤون دنياكم» ذاك ما قاله الرسول لأهل المدينة، وورد في القرآن ما يلي: «يا أيها النبي أحللنا لك أزواجك اللاتي أتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاءَ الله عليك...» (سورة الأحزاب) « واعلموا انما غنمتم من شيء فان لله خمسهُ وللرسول ولذي القربى واليتامى...» (سورة الأنفال). كانت العرب قبل ظهور الاسلام واثناءه وتحت مظلة القبيلة تعتني اساسا بمصالح الاسياد وكثيرا ما تهمل الفقراء والايتام والعبيد فلا تلتفت الى سوء حالهم اضافة الى محدودية الموارد الطبيعية والمالية التي عرفت بها الجزيرة العربية التي لم تعتن بالبحر او بالكاد. فكان الظلم والجَوْر قاسيين وطوّع ذلك قادة الدين الجديد لدعواهم فكان لهم خير نصير. لقد أتى القرآن والسنة بما يحسن وضع البائسين والمسحوقين اجتماعيا، ولكن تلك الخيارات كانت محكومة بالشرط الاجتماعي ومدى التطور الحضاري الحاصل آنذاك. وهذا يقود بالضرورة الى التفريق بين الخاص والمطلق زمنيا ما ورد بالقرآن، وخير ما يجسم ذلك اعتماد الحديث الوارد ذكره أعلاه في تفسير الآيتين السابقتين. فلا يعقل تماما ان يتواصل العمل بما ملكت الأيمان في القرن الواحد والعشرين او ان يتواصل سبي النساء واعلان حقوق الانسان دستور العصر الحالي. وعن غالب هلسا في كتابه «الجهل في معركة الحضارة» ردًا على كتاب منير شفيق «الاسلام في معركة الحضارة» نجد ان أبا يوسف في كتاب الخراج يذكر ان عمر قد رفع الضرائب بما يفوق ما كانت عليه عهد كسرى مثلما ارتفعت الجزية، ويؤكد بندلي الجوزي ان الضرائب هي على حالها كما كانت ايام الأكاسرة والرومان والبيزنطيين (دراسات في اللغة والتاريخ الاقتصادي والاجتماعي عند العرب ص 33) كما يذكر نقلا عن أبي يوسف ان عمر قد مرّ في طريقه من الشام بقوم مصبوب على رؤوسهم الزيت وهم تحت الشمس. فسأل عن السبب فأُجيب بأن الجزية عليهم ولم يؤدوها فهم على تلك الحال حتى تأديتها. وعن البلاذري يضيف الجوزي أن الدولة العربية لم تُساو بين رعاياها في تأدية الضرائب وطرق تأديتها فهي اذن لم تساو بينهم في الواجبات والحقوق بل جعلت منهم طبقتين أو فئتين: فئة ممتازة تتمتع بالسلطة وسائر الحقوق وتعيش على حساب غيرها وفئة تؤدي الجزية وهي صاغرة والخراج عن أراضيها وهو ضعف العشر الذي كانت تؤديه الفئة الصغرى الممتازة... وقال ابن سلام في حديثه عن مجوس البحرين بأنه يقبل اسلام اي منه أما أرضهم فهي فيء للمسلمين يطول الحديث في هذا الموضوع لنكتف بما ذكر. إن المهم في تناول مسألة التراث هو كيف نقرؤه وماذا ننتقي منه، واذا رجعنا الى الآية 41 من سورة الأنفال لابد من الاعتماد على الحديث المذكور للتحليل والاستنتاج والتطبيق. اذ لا يعقل ان يظل الفقير أسير الصدقة أو الزكاة في القرن الواحد والعشرين فالوضع الاقتصادي تطور نوعيا بحيث لا مقارنة بالماضي والرقي الحضاري في جميع ميادين الحياة الاجتماعية مثل الاول تماما. الموارد الطبيعية تنوعت والفلاحة تطورت والصناعة مع البرجوازية وصلت الى ما يشبه المعجزة كما الاكتشافات والاختراعات التي جعلت التجارة تعيش عصرها الذهبي، أمع كل هذا مازلنا متمسكين بصناديق الصدقات كصندوق 26 26 أو مقترح النهضة؟ إن الخروج بالفقراء نساء وجالات من الاوضاع المزرية وضنك الحياة هو تأمين العيش الكريم بتشريكهم في الانتفاع بالثروات بتأمين الشغل القار واللائق والخالق للطمأنينة والانفتاح على الوجود الحق والتنصيص عليه دستوريا، هذه نتائج سلسلة الثورات في اساليب الانتاج والتبادل والتي عصفت بالعلاقات الاقطاعية والبطريركية والتي ستعصف باستبداد الرأسمالية مهما طالت حقبتها. غير ان الجاهليين الجدد مازلوا متمسكين بأساليب الحكم القديمة التي لها وضعها الخاص وأساسه الاقتصاد، ومازالوا يودّون السير على خطى الجاهليين المبثوثين في كل الخلافات الاسلامية وأشدها جرما هي الخلافة العثمانية خدمة لصالح القصور والبلاصات.