تطلق بعض الشائعات من هنا وهناك هذه الأيّام وأثناء المداولات لوضع نظام داخلي لسير المجلس الوطني التأسيسي عن عجز في ميزانية الدولة، وعن القيام باقتطاع وطني لسد هذا العجز ويمكن خصم أربعة أيّام من أجور الموظفين والعاملين بصفة عامة. وكأنّي بهم يواصلون نهج الطاغية بن علي وتحميل الأزمات على الكادحين والأجراء. واتصلت إحدى القنوات الفضائية الوطنية بالناس لمعرفة رأيهم في هذا الاقتطاع وبالتالي جسّ نبض الشارع التونسي. فبينما كنت أستمع إلى إجابات المستجوبين دار في ذهني مثل شعبي له قيمة نافذة «من البداية ابدينا نعكزو». لأنّ التيارات السيايسة التي فازت في الانتخابات «حلّت في الجنة ذراع» وخاصة حركة النهضة التي وعدت في دعايتها الكاذبة: بالجنة الموعودة في الحياة وفي الآخرة، وعدتهم بالسعادة والعيش الكريم والعدالة الاجتماعية ووزّعت عليهم المال بسخاء وبشتى الطرق وروّجت كذلك لبرامج خيالية منها ما يتضمّن 365 بندًا على عدد أيّام السنة يحتوي على استجابات يومية لمطالب المسحوقين من الشعب وكذلك فعلت ربيبتها العريضة الشعبية فموهوا على الناس البسطاء كما شاؤوا وأرادوا وأصبح كلّ واحد من هؤلاء المساكين يحلم بالنعيم وبتغيير الأوضاع والأحوال وأعطوا صكًّا على بياض لهذه القائمات. وحين تسأل أحد الناخبين والناخبات عن موقفه من النهضة؟ يجيبك بعفوية تامة: إنّي صوتُّ للنهضة لأنّها أعطتني المال والمؤونة وغير ذلك، كما أنّها ستمكنني من الدخول إلى الجنة. ولماذا لم تنتخبوا غيرها؟ فإجابتهم محفوظة حفظا جيّدا: لأنّ هؤلاء الناس «كفّار وملحدون» إذا منحتهم صوتي فطريقي يكون جهنّم وبأس المصير. بالأمس كانت الأصوات الدعائية النهضوية في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي تزين الأشياء وتعدّ البطون الخاوية بالرفاهية ورغد العيش. واليوم حين مسكت بالسلطة ذهب أمين عامها السيد الجبالي إلى نقد السيد الباجي قائد السبسي على الزيادة الأخيرة في أجور الشغالين واعتبرها مرهقة ومكلّفة لميزانية الدولة وعاب عليه هذه الخطوة البسيطة في تحسين المقدرة الشرائية للشغالين وحقّهم في العيش الكريم. أقول للسيد الجبالي: لماذا لم تدلي بهذا التصريح في إبّانه قبل الانتخابات؟ ولماذا لم تعلن عن هذا الاقتطاع الاّ حين وصلت إلى سدّة الحكم؟ هل نسي السيد الجبالي حين ضخّت وتدفقت على حركته السياسية الأموال من كل حدب وصوب، من قطر والسعودية وغيرها... لتمويل الحملة الانتخابية للمجلس الوطني التأسيسي كيف بدّد النهضاويون هذه المليارات في التبذير وشراء ضمائر البسطاء من الناس وعبثوا بهذه الأموال لمهولة واستعملوها في غير موضعها. كان عليهم أن يضخوا هذه الأموال في بيت مال المسلمين يعني خزينة الدولة وتصبح وطنيتهم صادقة لا خدش فيها. أمّا الكاذب لا يمكن له أن يذهب بعيدًا فحين يجد الجد وتبرز الحقيقة للعيان، ويكون العجز جليا في الموارد المالية العمومية تبدأ التعلات والمسبّبات تتهاطل لتبرّر حاجتهم إلى هذا الخصم. وفي الحقيقة هو تبديد للحرج أمام أصحاب البطن الخاوية التي منحت ثقتها في قيادات النهضة ولتثبيت ما قطعوه على أنفسهم من وعود تجاه الناخبين. فالتجؤوا إلى أسهل الحلول بالاقتطاع لأربعة أيّام من أجور الكادحين العاملين في القطاعين العام والخاص. ونسوا أنّ الفئة الكبيرة من المعنيين رافضين لهذا الخصم: هي القوى التقدّمية التي بالأمس شوّهت أفكارها وبرامجها ونعتوها بالكفر والإلحاد. وأَلَّبوا عليها الجماهير المسحوقة باستعمالهم الدِّينَ والجنة والمال المسموم. فما لنا حرام يا سي حمادي الجبالي إن لم يكن بطيب خاطر، وأخشى أن يكون مآل هذه الأموال مجهولا لانتفاء الثقة في هؤلاء الحكام الجدد.