ثلاث يعز الصبر عند حلولها ويذهب منها عقل كل لبيب رحيل اضطرار عن ديار أحبها وفرقة أصحاب وفقد حبيب أفل نجمه وجف قلمه وغاب عن مجالسنا وكفّ عن مجادلتنا.. خفت صوته إلى الابد لكن طيفه يظل يحوم حولنا انّى حللنا. افتقدنا رجلا مثقفا ومناضلا جريئا وعقلا نيّرا.. عمار رجل يدافع عن قناعاته الحداثية إلى حد التشنج.. عمار يدعو إلى التعمير والبناء والتجديد وعدم الارتداد الى الوراء.. عمار وطني صادق يهيم ببلده عشقا وافتتانا ويخاف عليه مع السطو والسّبي.. عمار لم يعش لنفسه لثقل الارهاصات التي يئن تحت وطئها كان عمار يقول: «سحقا لهذا الجسد إذا أُذلّت فيه الرّوح ونال منه الغبن وطاله الاسبتداد وسُلبت منه الحرية واسْتُبيحت فيه الكرامة واغْتيل فيه الحراك وسكنته الرداءة وعششت فيه الحماقة والصفاقة.. زواله اجدى من بقائه واندثاره خير من احتقاره... الجسد بلا عزّة كالوردة بلا عطر كالقلب بلا حب...» عما لا يستطيع ان يعيش بلا حرّية، بلا أدب، بلا فلسفة بلا سياسة، بلا نقد، بلا عقل وبلا حب لها جميعا. عاش عمار أيامه الاخيرة وهو في حالة هوس وذهول حين عمّ التسيّب وسادت الفوضى وحُوكم الرأي الحر وأُذلّ اصحاب السلطة العلمية وحماة الحرية وأقْصيت رموز الكفاءة الوطنية وساءت حال الدّولة المدنية وأذّن المؤذن لحلول الرجعية واقطاب الجاهلية ونحن في أوائل ثالث ألفية... عمار يدغدغ مشاعرنا ويحرّك سواكن عقولنا ويشيع فينا البسمة بأسلوبه الفني المقاماتي الراقي... لم تمهله المنية لمزيد امتاعنا ومؤانستنا... والموت نقّاد على كفه / جواهر يختار منها الحسانا. (المتنبي)