1 محاسبة الفساد.. إلى متى الانتظار؟ من أوكد الواجبات المترتبة عن انتفاضة الشعب هي انخراط كافة القوى الصّادقة في العمل على التّطهير الجدّي للأنظمة الادارية والقضائية والاعلاميّة والأمنيّة من الأدران التي رانت عليها أيّام استفحال الفساد والاستبداد. ولكن الشعب وبعد أكثر من 14 شهرا من انتفاضته الباسلة وبعد 5 أشهر من انتخابه للمجلس التأسيسي مازال يعيش على مرارة الانتظار. ويبدو للملاحظين أنّ أسباب الانتكاس بل ورموزه كذلك مازالت في حالة كمون تنتظر فرصتها فقط للانقضاض على المسار والعودة بالبلاد الى الوراء وذلك لأنّه لم يقع اتخاذ أيّة مبادرات جدّية في اتجاه التغيير الفعليّ للأوضاع التي كانت سائدة وبناء أنظمة جديدة على أنقاضها. وحدها الفعاليّات الاجتماعيّة الحرّة والخارجة عن مدار السلطة هي التي مازالت تجهد نفسها وتحاول الحلول محلّ أصحاب القرار وذلك ببلورة المقترحات وممارسات الضغوطات واتخاذ ما تيسّر من المبادرات في اتجاه تحقيق مطالب الشعب، ولكنّه في غياب استجابة الدّوائر الحاكمة تبقى هذه الجهود بعيدة عن تحقيق المرام... بل انّ السلطة الحاكمة بإبقائها على بعض الرّموز السابقة هنا وهناك وباستغلالها للتناقضات التي تشقّ الشارع التونسيّ وبعدم متابعتها بجدّية لمسار الملفات المطروحة وبعدم حرصها على المحافظة على المؤيّدات وحمايتها تبدو أحيانًا وكأنّها منخرطة في توجّهات ترميميّة للأوضاع التي كانت سائدة وأحيانا أخرى وكأنّها تسعى إلى تلبيسها بلبوس جديد متفق فقط مع توجّهاتها. وحتى نركّز كلامنا على العدالة باعتبارها مرفقا عموميّا ونترك الكلام عن الأمن والاعلام والادارة الى فرص أخرى فإنّنا نشير الى أنّ الواجب كان يقتضي في هذا الميدان ما يلي: أوّلا: بعث هياكل تتمتّع بكافة الصلاحيّات للقيام بمهامّها بعد أن يقع التشاور في شأنها مع كافة المهن المتداخلة في سير مرفق العدالة من قضاة ومحامين وخبراء وعدول تنفيذ وعدول اشهاد وكتبة محاكم وذلك بهدف إزالة القديم وإقرار الجديد سواء في التشريعات أو في التنظيمات أو في الشخوص أو في الرّموز بما يكفل تطهير هذا المرفق من الفساد ومن أسبابه بصفة جذريّة ودائمة. ثانيا: عقد ندوة عاجلة بالمتداخلين في شؤون مرفق العدالة وبالمغنّيين بشؤونه يحدّدون فيها مفهوها واضحا للعدالة الانتقاليّة ويرسمون آليات لتجسيدها تجاوزًا للتذبذب الموجود حاليّا حول مافي المساءلة والمحاسبة والمصالحة، اذ نرى البعض يقدّم آليّة المحاسبة فيما يقدّم البعض الآخر آليّة المصالحة فتضيع في خضمّ ذلك آليّة المساءلة الكفيلة وحدها بكشف الحقيقة كاملة أمام الشعب ووضع كلّ المعلومات أمامه حتّى يتبيّن له من يستحق المحاسبة ومن يستحق المصالحة ورمن الواضح هنا أن كلّ هذا يقتضي السّهر على سلامة المؤيّدات والمعطيات وعدم تركها نهبًا للاتلاف أو للإخفاء أو للحرق. 2 جمعيّة حقوقيّون بلا حدود تتلمّس طريقها انبعثت جمعيّة «حقوقيّون بلا حدود» في شهر سبتمبر 2012 ببادرة من القضاة ليلى بحريّة وعفيف الجعيدي ووسيلة الكعبي من الفضاء العدليّ وعبد الرزاق بن خليفة من القضاء الاداري ورسمت هذه الجمعيّة لنفسها في قانونها الأساسي الأهداف التّالية: أوّلا: تطوير المنظومة التشريعيّة للعدالة. ثانيا: المساهمة في إرساء نظام عدالة شامل ومتكامل يراعي استقلال القضاء وخصوصيّات كلّ المهن المكوّنة لمنظومة العدالة. ثالثا: المشاركة في المجهود الوطنيّ والإقليميّ والدّولي من أجل نشر ثقافة استقلال القضاء عبر تبادل الخبرات وتنظيم الندوات والملتقيات العلميّة والدورات التكوينيّة. من المفارقات الباعثة على التأمّل أنّ هذه الجمعيّة قد أعلنت عن وجودها بتنظيم ندوة علميّة في بداية شهر فيفري 2012 تناولت فيها محاور على غاية من الأهميّة وحضرها حقوقيون من بلدان عربيّة مختلفة وحقّقت نجاحا معتبرا ما عكس ديناميكيّة المؤسّسين، ولكنّها (أي الجمعيّة) وفيما يتعلّق بالاجتماع بمخرطيها أجّلت ذلك إلى موعد لاحقٍ آنذاك. وعلى هذه الخلفيّة عقدت الجمعيّة أوّل جلسة عامّة بمنخرطيها وأصدقائها مساء يوم السبت 17 مارس 2012 بمقرّ الجمعية التّونسيّة لقانون التنمية بشارع الهادي شاكر بتونس، وقد حضر هذه الجلسة مجموعة من الوجوه الحقوقيّة من مختلف الاختصاصات من محامين وقضاة وأساتذة جامعيين وخبراء، وعكس النقاش حيرة واضحة حول المفاهيم التي يجب أن يرتكز عليها عمل الجمعيّة وهل هي «بلا حدود» بالاعتبار الجغرافيّ للكلمة أم باعتبار المواضيع التي تتطرّق إليها وهل هي جمعيّة ذات طابع علميّ وأكاديميّ بحث أم يمكن لها التداخل في الشأن العام بإصدار المواقف والبيانات عند الاقتضاء..؟ كما توقف المتحاورون مطولا عند مشكلة التمويل وتساءلوا: هل كان من المستحسن جعل الجمعية نخبوية أو فتحها للانخراط الواسع والعريض لكافة الحقوقيين بما يجعلها في الحالة الاولى تعول على «المانحين» وفي الحالة الثانية على المنخرطين؟ وكانت للمتحاوين وقفة في هذا المجال عند التمويل الاجنبي وهل يجدر قبوله وبأية شروط أم هل يجدر رفضه؟ واذا اتضح ان الجمعية وهي تتلمس طريقها تعد لندوارت علمية اخري حول مصادر الأملاك وحول العفو التشريعي العام وحول مدونة السلوك القضائي فان هاجس مواصلة التأسيس قد أملى على الحاضرين تكوين لجنة من اهم وجوهها القضاة ليلى بحرية وعفيف الجعيدي وعبد الرزاق بن خليفة والاساتذة منية العابد ومنجي الغريبي وسامي العيادي أوكلت اليها مهمة صياغة نظام داخلي ينظم اهم المقترحات الواردة في النقاشات على ان يتم اللقاء من جديد للحسم في الاشكاليات يوم 7 افريل 2012. 3 إضاءة من القطر المصري الشقيق محاكمة التمويل الأجنبي المشبوه بدأ القضاء المصري منذ يوم الاحد 26 فيفري 2012 النظر في قضية ما يسمى التمويل غير المشروع لبعض الجمعيات الأهلية (أي بعصف جمعيات المجتمع المدني كما نقول في تونس)، وتشمل هذه المحاكمة نشطاء من هذه الجمعيات الأهلية ولكنها تشمل ايضا 19 مواطنا أمريكيا متهمين بالتورط في هذا التمويل المشبوه ومن ثمة في «ممارسة نشاطات سياسية تحد من سيادة مصر» كما جاء في لائحة الاتهام. على خلفية هذه المحاكمة شهدت العاصمة المصرية توافد عدد من كبار المسؤولين الامريكيين من ضمنهم رئيس أركان الجيش الامريكي والسيناتور ماك كاين رئيس كتلة الحزب الجمهوري بالكونغرس وذلك بهدف الحيلولة دون صدور حكم بالادانة وبالعقاب من قبل القضاء المصري ضد المتهمين الامريكيين. بل ان كاتبة الدولة للخارجية الامريكية هيلاري كلينون دعت صراحة الى طيّ صفحة هذه القضية وصرف النظر عن معالجتها في رحاب القضاء. وفي باب الضغوط وقع التلويح من قبل بعض الاوساط الامريكية بقطع المساعدات المقدمة الى مصر والتي تصل الى ما يتجاوز المليار دولار سنويا فيما ارتفعت اصوات مصرية تنادي من باب رد الفعل بمراجعة اتفاقية كامب دافيد تلك الاتفاقيات التي كانت سببا في التطبيع بين مصر والكيان الصهيوني. وهكذا يجد القضاء المصري نفسه في منطقة مليئة بالزوابع اذ يشاع في وسائل الاعلام ان المجلس العسكري الحاكم قد أعطى تطمينات للبيت الابيض في خصوص نتيجة هذه المحاكمة فيما تصر الاصوات الديمقراطية والوطنية بمصر على ضرورة ترسيخ استقلالية القضاء وتجنيبه كل الضغوط تجسيما لارادة الشعب المصري التي عبر عنها منذ اندلاع انتفاضته الكبرى المتواصلة منذ 25 يناير (جانفي) 2011 الى حد اليوم والتي جعلت من مطلب استقلال القضاء مطلبا أساسيا من مطالبها. 4 لا للتطاول على المحامين عبرت الاستاذة حنان الماجري عن استيائها لصمت المحامين «الذين نزعوا عباءتهم السوداء الواسعة ولبسوا ثوب السلطة الضيق فألهاهم ذلك عن الوقوف الى جانب زملائهم في محنهم». كان ذلك على خلفية وقفة الاحتجاج التي نفذها محامون اغلبهم من الشباب امام مكتب قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية بتونس. أما عن اسباب هذه الوقفة فهي مساندة الشكوى التي تقدم بها المحامي الشاب الاستاذ وليد الهمامي والتي ذكر فيها ان عونين من الامن قد اعتديا عليه بالعنف الشديد امام منزله بباب سويقة لأسباب لم تتضح. وقد عبّر المحتجون اثناء هذه الوقفة عن رفضهم لأي تطاول يمس المحامين مذكّرين بالدور الذي لعبه المنتمون اليها رجالا ونساء في انتفاضة الشعب التونسي ضد كل انواع الاستبداد والظلم. 5 راضية النصراوي تحصل على جائزة عربية منحت رابطة اصدقاء كمال جنبلاط اللبنانية جائزة قدرها حوالي 14 الف دينارا تونسيا مناصفة بين المحامية التونسية الاستاذة راضية النصراوي والناشط المصري السيد احمد ماهر المناهض لحكم الرئيس حسني مبارك. وقد جاء في تعليل رابطة اصدقاء كمال جنبلاط فيما يتعلق بالاستاذة راضية النصراوي ان هذه الاخيرة وبصفتها مؤسسة للمنظمة التونسية لمناهضة التعذيب تستحق هذه الجائزة تقديرا لفضحها لأساليب «بن علي» في التنكيل بخصومه السياسيين ولكونها كانت من أوائل المحامين الذين دافعوا عن نساء الحركات الاسلامية اللواتي تعرضن للتوقيف وللتعذيب الوحشي في أوائل التسعينات من القرن العشرين معرضة نفسَها وأفرادَ عائلتِها للمضايقات المستمرة نتيجة لذلك.