العلم نبراس تقدّم الشعوب ورقيها. والعالم والباحث والمفكر والناقد لا يمكن له أن يشع ويتألق إلاّ إذا كان متحرّرا من كلّ قيد. المكبّل بالأغلال لا يمكن له أن ينشط وينتج ويبني لذلك فإنّ العامل السياسي والديني المعرقلين للفكر لابدّ لهما أن يختفيا وينتفيا وينتكسا ويأفلا. فليس صاحب السلطة السياسية أو الدينية قيما على الفكر الحرّ ووصيّا عليه حتى يوجّهه نحو الانتكاس والأفول للقضاء على بذور الخلق والابداع وهي جريمة منظمة تستهدف العقل النير الذي يخشاه محدودو الامكانيات الذّهنية. لا تقدّم ولا تنوير إلاّ بالنخب المتحرّرة التواقة إلى عقلنة الأشياء، كن سياسيا، لكن ابق في فلكك ولا تضيق على فكري فينالك سخطي. لقد انتخبتك وائتمنتك على مستقبلي فلا تخيّب أملي فيك. كن متديّنا، ناسكًا، فقيها، متعبدا وابق في فلكك ولا تعتبرني ضالاً أو كافرا ان أنا خالفتك الموقف أو المقاربة فلا أحد أو كل لك أمر تصريف أمري فتكفر هذا وترضى عن ذاك وتحاكم وتصادر الحريات. فمن أين استمددت كلّ هذه الصلاحيات؟ ان كان من السماء فأنت لست رسول القرن الواحد والعشرين والسماء أرحب ومن الخطأ والعيب حشر هذا الواقع المتسّع الفسيح الرحب في قالب فكري ضيّق، غوغائي أرعن. الغريب أنّ البعض لم يع حتى اليوم أن المخزون الثقافي والحضاري للفرد التونسي تفاعل إيجابيا عبر التاريخ وأنشأ مكوّنات متنوّعة تداخلت في نسيج شخصيته وأدّت الى الاقرار بفائدة الاختلاف الذي يتباين مع الأفكار المتعصبة والخطاب المغلق. إنّ كلّ خطاب يكون من وجهة نظرك صائبا هو يحتمل الخطأ وعليه فلا مجال لأن نسلّم به وتتعصّب له ونسعى إلى نشرة بعنجهيّة وإصرار. نحن ننادي بالبناء الديمقراطي وفق مسار حداثي يؤمن بالقيم الكونية وينبذ الخطاب الظلامي الشادّ إلى الخلف فنحن نستلهم من المعتقد ما يتماشى مع واقعنا من مضامين فنطوّعها ونضفي عليها النزعة التجديدية لنوفّق بين أصالة في الطرح وحداثة في المعالجة لمسايرة نسق طبيعة العصر المتسّم بالطوارئ والتقلّبات. الاحتقان يولّد الغليان المفضي إلى الطوفان وثورتنا قامت من أجل الكرامة والحرية والانعتاق والقضاء على الفساد وأشكال الحيف والاستبداد ومطالب أخرى معلومة من بينها إعلام حرّ ونزيه ومسؤول يكشف الحقائق بعيدًا عن المجاملة أو التحامل مع الدّعوة إلى تجنب العنف والتطرّف عدويْ التحضّر والابداع. نبقى مستميتين في الدفاع عن حريّاتنا لتظلّ عصية على المصادرة.