ينصّ القانون الاساسي للمجالس الجهوية (عدد 11 لسنة 1989 المؤرخ في 4 افريل 1989) على الصفة المزدوجة للولاية باعتبارها في الآن نفسه دائرة ترابية إدارية للدّولة وجماعة محلية تتمتع بالشخصية المدنية والاستقلالية المالية. وللوالي باعتباره اعلى سلطة جهوية وظيفة مزدوجة فهو ممثل للدّولة ورئيس المجلس الجهوي وهو الذي يترأس جلسات المجلس الجهوي ومكتب المجلس ومكتب اجراء البتات العمومية وله حرّية تعيين الاشخاص وهو الذي يحدّد موعد انعقاد المجلس في دوراته الاربع الوجوبية وهو الذي يقرّر منح رخص اشغال الملك العمومي وتسليم الرّخص وصلاحيات عديدة لا يتسع المجال لذكرها... وأكد السيد علي العريض وزير الداخلية في نهاية شهر مارس الماضي في جلسة حوار عقدت بمقر المجلس الوطني التأسيسي ان التعيينات لعدد من الولاة جاءت متماشية مع روح الثورة واهدافها كما اكد ان الوالي والمعتمد والعمدة يمثلون الدولة وينفذون سياسة الحكومة والمطلوب ان يكونوا مُحايدين عند التعاطي مع المواطنين وهم أحرار في حضور جلسات حزبه والمعيار المعتمد هو الكفاءة والقدرة على التسيير واحداث ديناميكية في التشغيل... المتأمل في فحوى القانون وتصريحات وزير الداخلية تلحّ عليه عديد الافكار والكتابة استفزازا اولا تكون . كان الرئيس السابق يعيّن الولاة عن طريق وزير داخليته وفق الانتماء والولاء والوالي مراقب في تحرّكاته وتتدخل عديد الاطراف النافذة في استغلال نفوذه ليفيد ويستفيد. ظننّا ان الثورة ألغت كل القوانين والتراتيب الجائرة وان الوالي ينتخب في جهته (والجهات حبلى بالكفاءات) او يسمّى بالتوافق بين اعضاء المجلس التأسيسي لكن ما اشبه اليوم بالأمس. استبدلنا المخلوع براشد الغنوشي الذي يحرّك خيوط اللعبة من وراء الستار ولارادّ لإملاءاته وتدخلاته في حكومته التي تتقبلها على مضض. الوالي صاحب الصلاحيات الواسعة في جهته يبدي فروض الطاعة لرئيسه ويجسم سياسة حزبه عن طريق المعتمدين والعمد وميليشيات التجمع جهويا ومحليا لاستقطاب المزيد من الانصار. هذا الوالي صاحب كل هذه الصلاحيات والمحايد نظريا له حريّة حضور الفعاليات السياسية لحزبه لتفعيل ما يتمخض عنها من توصيات وقرارات في جهته بمعية اصحاب النفوذ والمال والجاه في تلك الرّبوع. رئيس الدّولة الحالي صرّح بانه رئيس كل التونسيين وهو يعمل وفق هذه القناعة بصدق لكن الحكومة تطغى عليها الايديولوجيا الحزبية الضيقة ولم نحس حتى اليوم انها حكومة وطنية تعامل الجميع على قدم المساواة فهي حكومة محاصصة تغدق الاموال والمناصب على المنتسبين اليها وذوي القربى فحسب. اذا كان الوالي يعيّن وفق النزاهة والكفاءة لا حسب الانتماء والولاء فلماذا لم يسمّ وزير واحد او مدير عام واحد أو والٍ واحد من جملة الكفاءات التي تعجّ بها الاحزاب والمنظمات والنقابات والهيئات ومن المستقلين والحقوقيين والاعلاميين والعسكريين؟ هل ان الكفاءة والنزاهة اصبحت حكرا على اعضاء حركة النهضة فحسب؟ إذا كانت التسميات تتم وفق روح الثورة واهدافها فلماذا يتم تعنيف جرحى الثوة وأمهات الشهداء في الساحة العامة بشكل مهين ومشين ويحرمونهم حقهم في التداوي وتحسين ظروف العيش والتعويض عن الآلام والمتاعب التي تجشموها.. منع المسيرات والاحتفالات بشارع بورقيبة رمز الثورة التي اطاحت بالدكتاتور، هذا الشارع له دلالته النضالية ومنع التجمهر فيه جاء على خلفية الاحتكاك الحاصل بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للمسرح بين الفنانين والسلفيين في نفس التوقيت وهو خطأ متعمّد من أجل افتعال الازمات لكن يبقى العنف غير مبرّر والتصدي للمحتفلين المسالمين بتلك الوحشية (يوم 9 افريل) دليل على البدء في التأسيس لدكتاتورية موغلة في العدوانية هو امر مخيف ويبعث على التوجس وعدم الاطمئنان على مستقبل محفوف بالمخاطر معلوم المصادر. كل المؤشرات تدلّ على تعمّد التغافل وتناسي الثورة سمعت أحدهم يصرخ عاليا وهو في حالة زهو وانتشاء: ما خطبكم؟ النظام السابق هو من قتلكم وجرحكم وآذاكم ونحن لسنا مسؤولين عمّا حصل لكم. لقد دافعتم عن كرامتكم وبلدكم لمّا طالكم الاستبداد والطغيان، وهذا واجبكم ولم نكن معكم ولم نحثّكم على الخروج للتظاهر فما مسؤوليتنا في ذلك؟ فلْيُطْوَ هذا الملف ونعدكم بخلافة تعيشون في كنفها رعايا مستكينين. كُفُّوا عن الصراخ والتشكي والنعيق والنقيق والزموا بيوتكم حتى لا يطالكم «الكرطوش الحيّ». وستبدي لنا الأيام ما كنا نجهل ويأتينا بالأخبار من لم نزوّد.