مع اقتراب موعد انتخابات المجلس الوطني التأسيسي، تحاول بعض الأصوات ان تقيد صلاحيات هذا المجلس رغم انه منتخب وان تحدد مدة عمله الشرعي. «الشروق» استوضحت جوانب الموضوع مع الأستاذ علي الهرابي. عبر اعتصام «القصبة 2» عن إرادة الشعب في فرض المجلس الوطني التأسيسي الذي دعت اليه النخب الشعبية المناضلة. وطرح المجلس التأسيسي كبديل شرعي للوضع غير الشرعي والفراغ الذي التزمت بسداده الحكومة المؤقتة والرئاسة المؤقتة. وعندما تم تعيين موعد 24 جويلية لانتخابات المجلس التأسيسي، لم تطرح مسالة الاستفتاء حول صلاحياته بقدر ما فرضت مسالة تأجيله. فهل من الوجاهة من الناحية القانونية ومن «المنطلق الثوري» ان يتم تضييق صلاحيات المجلس التاسيسي وتقييد دوره. وهل هناك جهات يمكن ان يخيفها تمتع المجلس بصلاحيات المحاسبة ومقاضاة المتورطين في ملفات الفساد، خاصة وانه سيمكن للمجلس بتلك الصلاحيات من الوصول الى الأدلة والوثائق بما في ذلك ملفات الرئاسة والحكومة المؤقتة وغيرها من القضايا العالقة التي تراوح مكانها. يشير الخبير الدولي بداية الى انه اذا ما كتب القدر بأن تتم انتخابات الثالث والعشرين من اكتوبر في كنف الحرية والديمقراطية والنزاهة والشفافية، فان جميع أعضاء المجلس التأسيسي ستكون لهم شرعية انتخابية. وهي شرعية في نظره منحها إياهم الشعب التونسي. ولكن هذا ليس هو المهم. بل الأهم من ذلك ان يكون لذاك المجلس الوطني التأسيسي مصداقية شعبية وبمعنى أدق فان ينال ثقة الشعب التونسي وان يكون صادقا معه وأن يعبّر عن تطلعاته ومطالبه وطموحاته. وهذا لن يكون الا إذا التزم كل عضو من أعضاء المجلس بتعهداته التي طرحها أثناء حملته الانتخابية وان يبقى الوصل دائما بينه وبين من انتخبوه وأن يشاورهم في كل المسائل بعيدا عن الأسلوب القديم الذي كان فيه النائب المنتخب في مجلس النواب في غربة تامة مع دائرته الانتخابية. حيث وبمجرّد انتخابه يقطع حبل التواصل إلى موعد انتخابي لاحق. هذا إضافة إلى ان كل عضو في المجلس التأسيسي وجب عليه تغليب مصلحة الشعب ككل دون المصالح الفردية او الحزبية او التحالفات الظرفية المعطّلة لسير العملية الديمقراطية وبين هذا وذاك يجب أن يعلم ويعي رئيس وأعضاء المجلس الوطني التأسيسي بان الكمال إلا لله وحده وعليه وجب عليهم ان يعلموا من الآن وان بعض القرارات أو التسميات او التوجهات قد تجد معارضة شعبية او نقابية او سياسية سلمية مما يتجه الحذر من التعامل معها بطريقة أمنية. ويقسم الاستاذ الهرابي مؤشر مصداقية المجلس التاسيسي الى قرارات عاجلة وأخرى آجلة. قرارات عاجلة: الحكومة والسلط؟ من أهم القرارات العاجلة التي ستكون امتحانا هاما لمصداقية المجلس الوطني التأسيسي تلك التي تتعلق بتعيين رئيس وحكومة مؤقتة وإصلاح جهاز القضاء وإعادة النظر في المرسوم المتعلق بالتعويض لسجناء الرأي وتطوير إجراءات محاكمة قتلة شهداء الثورة التونسية وأعوان النظام السابق والرئيس السابق. ففي خصوص تعيين الرئيس والحكومة المؤقتة نجد أمام المجلس التأسيسي خيار الإبقاء على الرئيس والحكومة المؤقتة الحالية. وهو خيار لن يلاقي نجاح وترحاب لان المواطن سيظل يحس بأنه لا زال تحت فترة المرحلة الانتقالية هذا دون ان ننسى الانتقادات الموجهة للقيادة السياسية الحالية حول بعض التسميات السياسية والإدارية والأمنية. اضافة إلى تعهد المسؤولين السياسيين الحاليين بانهم لن يواصلوا مهامهم بعد انتخاب المجلس التأسيسي. اما الخيار الثاني فيتمثل في تعيين رئيس وحكومة مؤقتة من داخل المجلس التأسيسي وهو ايضا خيار مرفوض وغير وجيه اذ سيصبح المجلس في آن واحد يشرّع وينفّذ ويعيّن ويعزل مما سيعطيه كامل السلطات ويخضع الشعب من جديد لدكتاتورية الأغلبية داخل المجلس، مع ما في ذلك من خرق لمبدأ فصل السلط . اما الخيار الثالث والأخير والأفضل هو تعيين رئيس وحكومة مؤقتة جديدة خارج المجلس التأسيسي يقطعا مع حكومات الماضي الأمر الذي سيؤدي إلى وجود توازن في ممارسة السلطة من ناحية ومن ناحية أخرى تشريك كفاءات وطاقات تونسية في الداخل والخارج في تسيير دواليب الدولة حرمت من ذلك السنين الطوال. القضاء؟ أما في خصوص إصلاح جهاز القضاء فعلى المجلس الوطني التأسيسي ان يعيد النظر في قانون 1967 وآليات التأديب للقضاة التي ظلت سيفا مسلطا عنهم اذ لا يعقل ان يبقى المجلس الأعلى للقضاء غير منتخب وان يترأسه رئيس الجمهورية كما لا يعقل ان لا يقع الطعن في قراراته أمام المحكمة الإدارية كما لا يعقل ان تخضع النيابة العمومية خضوعا تاما لسلطة وزير العدل هذا إضافة إلى ضرورة إعادة النظر في حركة القضاة هاته السنة التي تطرح أكثر من سؤال وكل هذا لن يكون الا بتعيين وزير عدل متفهّم لواقع القضاء ومعاناته مع الأخذ بعين الاعتبار التطور الايجابي الذي حدث داخل القضاء العسكري والذي جاء به المرسوم ع7دد المؤرخ في 29/07/2011 المتعلق بتنظيم القضاء العسكري وضبط النظام الأساسي الخاص بالقضاة العسكريين وخاصة فصله 26 الذي جاء فيه «يقع الطعن في القرارات التأديبية الصادرة عن مجلس القضاء العسكري بالاستئناف والتعقيب أمام المحكمة الإدارية وفق الإجراءات والقوانين المقرّرة لديها» وهو ما يجب تكريسه ايضا صلب القضاء العدلي. العفو التشريعي والمحاكمات اما في خصوص التعويض عن الأضرار اللاحقة بسجناء الرأي فعلى المجلس التأسيسي إعادة النظر في المرسوم ع1دد لسنة 2011 المؤرخ في 19 فيفري 2011 المتعلق بالعفو العام وحق من شملهم في التعويض الذي شابته نقائص عديدة رغم انه يهم أربعون الف متضرر تلك النقائص التي أوردناها في مقالة نشرتها جريدة الشروق بتاريخ 29 جوان 2011 أضف إلى ان الإطار القانوني الخاص الذي سيعتمد للنظر في مطالب التعويض ويكمّل ذاك المرسوم مازال لم يصدر إلى حد الآن والجميع في الانتظار. اما محاكمة قتلة شهداء الثورة التونسية ورموز النظام السابق وكذلك الرئيس السابق، فانها تتطلب اعادة نظر عميقة وجادة اذ في الوقت الذي بلغت المحاكمات شوطا كبيرا في مصر فان تونس قائدة الثورات العربية لازالت العدالة فيها تتقدم ببطء واتضح جليا عدم فاعلية لجنة الفساد والرشوة ولجنة التجاوزات كما اتضح ان النوايا غير جادة في طلب تسليم الرئيس السابق من المملكة السعودية وذلك بتفعيل اتفاقية الرياض العربية مع ما اصطحب ذلك من افراجات وهروب لبعض من الذين نهبوا الوطن وأذلّوا أبناءه. المهام الآجلة والمصيرية تتلخّص هذه المهام حسب الخبير الدولي في وضع دستور للبلاد مع ما يتطلب ذلك من توافق وتحديد سقف زمني حتى لا تطول المرحلة السياسية وهذا الدستور الذي يجب ان تكون فيه الهوية الإسلامية حجر الزاوية وغير قابل لأي نقاشات حزبية أو طائفية مع ضرورة التركيز على ان تكون سيادة الشعب فعلية وليست شكلية. أما في خصوص السلطة السياسية وطبيعتها فيقول انه مهما كان شكل النظام برلماني أو رئاسي، فان المهم ان تكون السلطة السياسة مقيدة بالقانون. لذلك يرى الهرابي انه يجب تكريس قاعدة الدورتين فقط في خصوص الرئاسة على ان لا تتجاوز الدورة الواحدة خمس سنوات مع ضرورة التنصيص على محاسبة رئيس الجمهورية اذا ما خرق الدستور او قام بأفعال مجرّمة او خرق القسم. وذلك وفق إجراءات معتمدة في القوانين المقارنة كاشتراط مثلا ضرورة موافقة ثلث البرلمان على تتبع رئيس الدولة هذا دون أن ننسى ضرورة مناقشة ميزانية رئاسة الجمهورية علنا. أما في خصوص حماية الحقوق والحريات فلا مفر من تكريس رقابة على دستورية القوانين وذلك عن طريق الدفع امام القضاء العدلي لعدم دستورية قانون بمناسبة قضية منشورة لديه من طرف المتهم وكذلك عن طريق الدعوى بواسطة محكمة دستورية ذات انتصاب دائم تمكن لكل شخص اللجوء إليها وإثارة عدم دستورية أي قانون من القوانين . استفتاء مريب ويبين الخبير الدولي انه بتحقيق هذه الشروط نصبح في غنى عن الاستفتاء الشعبي لتحديد مدة عمل المجلس الوطني التأسيسي. كما يرى ان هذا الاستفتاء والمناداة به الآن يطرح اكثر من سؤال إذ ماذا لو يقع استفتاء الشعب ويحدد مدة عمل المجلس التأسيسي ويحصل ان لا يكمل المجلس مهمته طيلة تلك المدة فهل ستقع الدعوة لاستفتاء جديد لتحديد مدة جديدة ؟ ويتساءل عن جدوى المناداة الآن باستفتاء الشعب حول مدة عمل المجلس شهرا قبل الانتخابات والحال أن نفس المنادين بالاستفتاء قد رفضوا في الماضي، وقبل ثلاثة اشهر من الموعد الأول لانتخابات 24 جويلية، استفتاء الشعب التونسي حول طريقة الاقتراع رغم انه استفتاء مصيري ومهم خاصة مع ما نلاحظه من ضياع وغموض يعيشه الناخب التونسي اليوم متعلق بالقائمات وبتعدد الأحزاب التي لا علاقة له بها في شعب أغلبه غير ملتزم حزبيا وهو ما يلخّص الغموض والتردد وحالة الارتباك التي كانت بالأساس نتائج حتمية لمرسوم انتخابي مستعجل تمّ تغييب إرادة الشعب فيه وتغليب إرادة الأحزاب عليه وهو ما مثّل انحرافا خطيرا بالثورة التونسية التي انطلقت بسواعد شبابية وانتهت بقيادات حزبية. ويختم الأستاذ الهرابي بالقول ان تحقق تلك المطالب الشعبية مقترن بمصداقية من سيقع عليه الاختيار. ويرى في المقابل انه على الشعب التونسي ان يعي ما يختار وانه على من وقع عليه الاختيار من الناحية المقابلة، ان يكون أمينا ومخلصا وأهلا للاختيار بعيدا عن الحزبية والفردية والتحالفات المهدّمة والمعطلة والمطيلة للمرحلة التأسيسية.