الساعة التاسعة ليلا ولم يأت بعد. الدقائق في هذه الحانة التي ألفت هدوءها تتمطّط وتعبث بأعصابها المرهقة من طول الانتظار... الساعة التاسعة والنصف ولم يأت بعْدَ. يُحدّثُها صديقها الجالس قبالتها عن آلامه وجراحه أو ربّما عن قصيد جديد، لم تُعِرْهُ اهتماما بل استرسلت في مراقبة باب الحانة... الساعة العاشرة ولم يأت بعدُ. هل قرّر أن يتخلّف عن أوّل موعد لهما؟ ولكن لماذا؟ لقد أينعت أنوثتها من أجله وتفتّحت امرأة مكتملة الاشتهاء والعطاء؟... _ _ _ _ لم يلاحظ وجودها يوما... وجدت أنّها نمت أسفل جدار على طريق يُؤدّي مباشرة إلى بطحاء مكسوّة بأزهار الربيع، كانت راضية بمكانها، زهرةٌ خجولة ذات ساق قصيرة برتقالية اللّون تنمو أسفل الجدران القديمة حين لمحته يمرُّ أمامها عابرا الطريق إلى شقائق النعمان أحبّته... «كيف سيلحظني وأنا تلك التي من فرط خجلها لم تُفتح بتلاتها يوما؟..« قرّرت أخيرا ان تتحدى خجلها وتخرج من خلف الاوراق «غدا سيلحظُني».. في اليوم الأوّل، مرّ أمامها ولم ينتبه إلى وجودها... في اليوم الثاني، تفتّحت بتلاتها البرتقالية فبدت كسحابة حنين قاتمة وأشرأبت بعنقها: «اليوم سيلحظني».. لم يلتفت حتّى... في اليوم الثالث، بكت كثيرا... أسرّت اليها زهرة أخرى: «حتّى يُبادلك الرّجل نفس الحبّ عليه ان يكون مُولعا بالتفاصيل...». «سأزحف إذن إلى منتصف الطريق...» أنبتت سيقانا وجرّت نفسها جرّا إلى هناك، أين قرّرت ان تنتصب أنثى جاهزة لقضاء ليلة حبّ جامعة، إلى منتصف الطريق فكّرت وهي تتأمل السّماء والكون الذي شذّت عن نواميسه كيف أنها كانت ستُقضّي عمرها دون ان تقبّل نحلة واحدة كيف كانت ستموت مختنقة برحيقها... «غدا سأمرّغ رحيقي على شفتيه... غدا سيلحظني» في اليوم الرابع، قدم بإطلالته المشرقة ومسحة الحزن لم تفارق وجهه عبر الطريق نحو شقائق النعمان هكذا تعوّد أن يفعل دائما دون ان يلتفت إلى الجدار حيث أبصرته أوّل مرّة تلك الزهرة التي لا يعرف أحد اسمها... خطوتان تفصله عنها... تمايلت يمنة ويسرة تحتفي بذاتها خطوة واحدة تفصله عنها... _ _ _ _ الساعة الحادية عشرة ليلا ولم يأت بعد... صديقها الذي أحسّ بما يُخالجها يبذل مجهودا للتّخفيف عنها يقرأ لها شعرا... يتحدّث عن رواية، عنه.. الساعة منتصف الليل.. هاتفته... الرجل الذي انتظرت قدومه منذ الساعة السابعة مساء خيْر الجلوس في حانة أخرى مع أخريات وآخرين.. شيء ما في داخلها تصدّع وانكسر كغصن زهرة... سكبت في حلقها ما تبقّى في كأس واخذت هاتفها وبعثت إليه برسالة قصيرة: «قد دُسْتَ زهرة أينعت في منتصف الطريق من أجلكَ... قد دُست زهرة جرّ حبالها إلى أرضك...».