الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    المسرحيون يودعون انور الشعافي    أولا وأخيرا: أم القضايا    بنزرت: إيقاف شبان من بينهم 3 قصّر نفذوا 'براكاج' لحافلة نقل مدرسي    إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا    المهدية: سجن شاب سكب البنزين على والدته وهدّد بحرقها    نابل.. وفاة طالب غرقا    مدنين: انطلاق نشاط شركتين اهليتين ستوفران اكثر من 100 موطن شغل    كاس امم افريقيا تحت 20 عاما: المنتخب ينهزم امام نظيره النيجيري    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟    وزير الإقتصاد وكاتب الدولة البافاري للإقتصاد يستعرضان فرص تعزيز التعاون الثنائي    عاجل/ تفاصيل جديدة ومعطيات صادمة في قضية منتحل صفة مدير برئاسة الحكومة..هكذا تحيل على ضحاياه..    الطب الشرعي يكشف جريمة مروعة في مصر    تونس العاصمة وقفة لعدد من أنصار مسار 25 جويلية رفضا لأي تدخل أجنبي في تونس    منتخب أقل من 20 سنة: تونس تواجه نيجيريا في مستهل مشوارها بكأس أمم إفريقيا    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)    الطبوبي: المفاوضات الاجتماعية حقّ وليست منّة ويجب فتحها في أقرب الآجال    مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    الطبوبي: انطلاق المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 ماي    عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    البطولة العربية لالعاب القوى للاكابر والكبريات : التونسية اسلام الكثيري تحرز برونزية مسابقة رمي الرمح    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    عيد الشغل.. مجلس نواب الشعب يؤكد "ما توليه تونس من أهمية للطبقة الشغيلة وللعمل"..    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    تونس العاصمة مسيرة للمطالبة بإطلاق سراح أحمد صواب    عاجل/ المُقاومة اليمنية تستهدف مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أمريكية..    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..طقس حار..    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    قيس سعيد: ''عدد من باعثي الشركات الأهلية يتمّ تعطيلهم عمدا''    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات: المنتخب المغربي يحرز لقب النسخة الاولى بفوزه على نظيره التنزاني 3-2    كأس أمم افريقيا لكرة لقدم تحت 20 عاما: فوز سيراليون وجنوب إفريقيا على مصر وتنزانيا    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    منذ سنة 1950: شهر مارس 2025 يصنف ثاني شهر الأشد حرارة    ترامب يرد على "السؤال الأصعب" ويعد ب"انتصارات اقتصادية ضخمة"    وفاة أكبر معمرة في العالم عن عمر يناهز 116 عاما    منظمة الأغذية والزراعة تدعو دول شمال غرب إفريقيا إلى تعزيز المراقبة على الجراد الصحراوي    معز زغدان: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستكون مقبولة    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    كرة اليد: الافريقي ينهي البطولة في المركز الثالث    Bâtisseurs – دولة و بناوها: فيلم وثائقي يخلّد رموزًا وطنية    مباراة برشلونة ضد الإنتر فى دورى أبطال أوروبا : التوقيت و القناة الناقلة    عاجل/ اندلاع حريق ضخم بجبال القدس وحكومة الاحتلال تستنجد    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    تعرف على المشروب الأول للقضاء على الكرش..    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أهالي الكاف بصوت واحد: نحن مستوطنون نطالب فقط بالمواطنة الكاملة
بعد فقدانهم كلّ أسباب الحياة:
نشر في الشعب يوم 05 - 05 - 2012

بشموخ جبالهم قالوا «لن يسقط الكاف على ظلّه» وبنقاء هوائهم تنفّسوا أكسيجين الحرية.. وبتراثهم الضارب بتاريخه في عمق الحضارات الانسانية شكّلوا ألوانا من الفنون الرّائدة أبدًا وظلّت بناهم النفسية والأخلاقية علامة فارقة في واقعات الواقع وفي واقعات الوعي المتداعية بفعل انساق الليبرالية التي شيّأت الذات البشرية وقامت بسلعنتها في ولاية الكاف، كلّ الأشياء مازالت قادرة على مواجهة الفناء الدّاهم عليها من تراكم فشل السياسات التنموية ومن مكر الساسة ومخاتلاتهم المتواصلة للشمال الغربي عامة ولعاصمته الكاف تحديدًا. فالزّعيم الرّاحل الحبيب بورقيبة قد شيّد لنفسه قصرًا هناك، لاً ليكون قريبا من شعبه وليرصد نبضه ويشدّ على سواعد الأهل، بل ليهرب من شدّة الرتوبة البحرية نحو نقاء هواء سيدي بومخلوف. فخامس أو رابع المدن من ربع المساحة الوطنية ما انفكّت تشهد انهيارًا اقتصاديا مروعا وهجرة مخيفة فاقت اليوم الأربعين ألف نازح.
بنية أساسيّة متآكلة حدّ الركام مظالم متعدّدة حدّ القهر وأناس يشربون وكأن عيون الرّاح ستنضب غدًا... فبين الجبال والسهول يسكن الوجع وعلى مفاصل الصخر ستزهر الأقحوانة لا محالة...
ليس قريبًا منها ولا بعيدًا عنها صار جرح عمّال مصنع عبيدة غائرًا والجوع يحاصر أفواه بنات وأبناء الدهماني إلى حدّ جعل السماء تبكيهم بردًا زمن القرّ.. وإلى درجة فرضت على الربيع التأخر أسابيع عن موعد الوصول فرغم أنّه قد اشتراه بنحو خمسين ألف دينار بكل ما فيه من آلات ومساحات كان القانون غائبا في نظام لا عدل فيه ولا انصاف الاّ لمن جدّد الولاء المغشوش، أنور ميلاد المالك والآمر لا يعترف بالقوانين وبالسلط الجهوية وبالنقابات ولا حتى بقوى الانتاج التي عملت معه ليلا نهارًا ورماها عظاما نخرة أمام الكلاب السائبة ذات صباح... هكذا تحدّث الأخ ابراهيم القاسمي الكاتب العام للاتحاد الجهوي للشغل بالكاف والذي لم ينقطع في اتصاله بالعمّال ولم يرم المنديل أمام عنجهيّة صاحب العمل... أخذنا بسيارته لنقف عند أبشع مظاهر القهر والاستبداد يومًا واحدًا قبل العيد العالمي للعمّال:
العاملات والعمّال صفّا واحدًا أمام الطغيان.. قطعوا الطريق الرّابطة بين الدهماني والكاف المدينة وظلّوا محاصرين بين مطارق الألم وعيون الأمن أنور ميلاد أطرد أعضاء النقابة وأردفهم بآخرين وآخريات ثمّ أوصد باب المصنع وباب الحوار مع العمّال ومع الوالي القادم هناك بلغة «ڤ» تجاربا عفويا أو اصطناعيا مع الثقافة الفرعية السائدة بين جميع الألسن التي لا تبتلع الكلمات.
على درجة عالية من المكر والمخاتلة كان صاحب العمل بارعًا في زرع الفتنة بين الفلاحين والعمّال، متهّما الآخرين بمزيد تفقير المزارعين الذين باتوا أسرى لسياساته الوحشية... فهو يبيع لهم الحبوب والأسمدة المدعمة بأسعار السوق ويشتري منهم المنتوجات بأسعار البؤس والشفاء!!
ويقول عمر الرّاجحي أنّ صاحب مصنع عبيدة قد قام بتعصير الآليات وتجديدها حتى يضمن استمرار العمل لمدّة عام كامل ولم يلتفت إلى حقوق العاملات والعمال ولاستحقاقاتهم في الترسيم الاّ بعد عقد ونصف العقد. رغم أنّهم قد ساهموا في نهضتها الاقتصادية وفي حمايتها أيّام الثورة.
ويؤكد محرز الغضباني الذي لم يقع ترسيمه الاّ بعد 15 سنة من الاستنزاف الموصول بدمه وعرقه، انّ صاحب العمل حاول استمالته للشهادة بالباطل ضدّ زملائه الكادحين وحين رفض قام صاحب العمل بطرده!!
وتبيّن ليلى اليعقوبي التي تعمل في مخابر المصنع ان صاحب العمل قد قام باعلامها بطريقة فجئية بانقطاع راتبها منذ شهر ديسمبر وذلك عقابا منه على فساد بعض المواد المخبرية، وبعد هذه التهمة الباطلة أو الادعاء بالباطل حاول تشغيل الفتاة ليلا في مواقع عمل مقفلة وأخيرًا قام بطردها. وليلى فتاة مناضلة تتولّى اعانة عائلة بائسة زادتها اعاقة ابنها شقاء.
ووضع مفيدة الشابي لا يقلّ شقاء عن وضع زميلتها ليلى، فهي تعيل عائلة متكوّنة من ستة أشخاص براتب شهري زهيد... تمّ طردها في موفى شهر جانفي 2012 لأنّها طالبت بالتأمين الصحّي والاجتماعي وباعادة تصنيفها مهنيا.
وفتحية عرعار التي كانت تحرس سياجات الطريق قائلة لن يمرّوا حتى على جسدي تميّزت بكفاءتها العاية وقدرتها الفائقة في ادارة محركات كلّ الآلات هي أيضا أم ولها بنات وابن مريض بالقلب، عملت مع صاحب المصنع أيّام الذروة من منتصف النهار الى السادسة من صباح الغد ومع ذلك أطردها بتهمة أنّ لسانها لا يشفع لأي تجاوز ولا يغفر لأي معتدٍ أثيمٍ.
ويحدث سعد اللّه المديوني عن اشكال الاهانة وأساليب الحطّ من كرامة الفلاحين التي ينتهجها صاحب المصنع، حيث يعمد قصدًا الى جعل الشاحنات «المشحونة» بحبوب الطماطم رابضة على الرصيف لمدّة أربعة أيّام حتى يسيل ماؤها وتنخرها الحشرات ومن ثمّة لا يقبلها صاحب المصنع الاّ بشروطه. ويضيف سعد اللّه متحدّثا عن مكر صاحب العمل انّ هذا الأخير لا يوفّر للمزارعين وصغار الفلاحين المشاتل الجيدة وذلك للعمل على مزيد تفقيرهم ودعم أشكال التبعيّة له.
وأوضح عزالدين المازني أنّ صاحب العمل الذي قام بترسيم 45 عاملا بعد الثورة لم يسع من وراء ذلك الى الاعتراف بجليل خدماتهم الانتاجية وحماية المؤسسة وإنّما كان يهدف الي مزيد تطويعهم لسياسة اشتغالية فاحشة. وعندما فشل في ذلك عمد إلى انتهاج سياسة جديدة أساسها العقاب الجماعي بالطرد الجماعي وبعدم الاعتراف بقوانين الشغل وبالسلط الجهوية.
وقبل يوم من الاحتفال بعيد الشغل دعا والي الكاف الأطراف الاجتماعية للتفاوض غير أنّ صاحب العمل تغيّب مجدّدًا رافضًا الحوار والاعتراف بالوالي وبالعمل النقابي.
ومقابل ذلك واصل صاحب مصنع «عبيدة« التوسع بشراء الأراضي الفلاحية وبتحريض الفلاحين ضدّ العمّال بتعلّة انّ الاتحاد العام التونسي للشغل لا يدعم الفلاحين.. محاولاً عبثا زرع بذور الفتنة والفرقة بين الفريقين.
ويؤكد الأخ ابراهيم القاسمي أنّ أحد المستثمرين قد سعى إلى بعث مصنع لمعجون الطماطم والمصبرات، لكنّه واجه العديد من العراقيل والمصاعب التي أثنته في الأخير عن اتمام مشروعه!!
وقدّم إلينا الأخ سمير المكاري عرضا دقيقًا حول واقع القطاع الصناعي الخاص واصفًا إيّاه بالكارثي.
وانطلق من مصنع ساكمون «انفاست» الذي تعود ملكيته القديمة الى شراكة تونسية جزائرية ايطالية وأصبحت اليوم بين يدي السيد فتحي الغالي الذي حوّل نشاطه الأساسي من صناعة المحرّكات المائية والجرّارات والرّافعات الى نشاط ثانوي يعتمد على اذابة الرصاص بسواعد العمّال الذين لا حماية صحيّة لهم.
فهذا المصنع الذي كان يمسح 20 هكتارًا وكان يتوفّر على مساكن اجتماعية، قد اشتراه المالك الجديد بمليار ومائتي مليون فقط. وهو ما يستوجب من الدولة اعادة تملكه خدمة لأهالي الساقية وفي الجريصة، ظلّ مصنع «اللوتياج» المختص في صناعة المفاتيح الميكانيكية مغلقا ومهجورًا منذ التسعينات.
أمّا رجال المناجم، فحدث ولا حرج، فقد تقلّصت تشغيلية منجم جبل الجريصة من 800 عامل إلى 80 عاملا.
ولم يكن حالي كلّ من منجم بوڤرين بالسرس ومنجم الفسفاط بالقلعة الخصبة أفضل من الجريصة، فقد أغلقا بعد سياسة استقلالية فاحشة قام بها الكنديون.
أمّا مطحنة الدهماني ومصنع المقرونة بالقصور فقد لقيا نفس المصير وضاعت معهما فرص عمل لعائلات هي في أشد الحاجة لحفظ الكرامة.
ويرى حوسين المسعودي انّ النسيج الصناعي في ولاية الكاف لم يبق منه غير مصنع ماء الصافية المعدني الذي يشغل 400 عامل مرسم، وهو من المؤسسات النموذجية التي كان من المفروض على صاحبها مزيد الاستثمار في مشاريع أخرى داخل الولاية سواء فيما يتعلّثق بالزراعات الكبرى وتربية الماشية أو فيما يتعلّق بالصناعات الغذائية.
ويضيف المسعودي أنّ أكبر الضيعات الفلاحية في ولاية الكاف كانت عبارة عن قرى تتوفّر على جميع المرافق لكن خصخصتها في كلّ من الدهماني والساقية والسرس لم تقدّم الاّ نتائج سلبية وانعكاسات وخيمة على سوق الشغل وعلى السياسة التنموية بالجهة.
فدواوين الحبوب والضيعات الفلاحية ومخازن الحبوب التي تحوّلت ملكيتها الى الخواص لم تقدّم النتائج المرجوة لأنّ التفويت فيها كان يستند الى المحسوبية والولاء وعدم احترام كراريس الشروط فضلا عن أنّ معلوم كرائها كان زهيدًا جدًّا.
القطاع العام الصناعي: بريق أمل وحيد
يقول كمال السايحي أنّ مصنع اسمنت أم الكليل ومنجم الجريصة يمكمن ان يشكّلا أملا لليد العاملة والعاطلين عن العمل في ولاية الكاف.
ويضيف انّ مسألة البطالة التي تؤرّق الجميع يمكن الحدّ من نسبها بشكل باهر لو تعود الدولة للاستثمار في القطاع الفلاحي وربط منتوجاتها بالصناعات الغذائية فصغار الفلاحين لا يقدرون على توفير الآلات والأسمدة والمشاتل والمحروقات فحتى القروض الفلاحية لا تسلم للكثيرين منهم رغم أنّ بعض المستفيدين يعانون من كثرة فوائضها ومن عدم رغبة شركات التأمين تأمينهم وتأمين منتونجاتهم وممتلكاتهم.
كما يعاني الفلاحون من ندرة المياه وطبيعة المناخ القاسية المتمثلة في كثرة الجليدة شتاء وارتفاع درجات الشهيلي صيفا ومن غلاء كلفة البيوت المكيّلفة رغم السدود (ملاق) وشراط المعطّل منذ 2004.
لقد توفقت سياسات الاستعمار في استغلال الأراضي الفلاحية وربطها بشبكة الطرقات والسكك الحديدية مستغلّة بذلك استغلالاً فاحشًا مطمور روما ومطيعة لالة الجنوب Serus وهي معتمدية السرس حاليا فالفلاحون الفقراء يهددون بعدم عرض منتوجاتهم داخل السوق الوطني اذا ما استمرت الأوضاع على ماهي عليه الآن.
ويقول لطفي الخماسي أنّ سكان ولاية الكاف يقتنون حاجياتهم من الجزائر أو من منتوجات هذا البلد الشقيق من دخان ولحوم ومشتقات الحليب ومحروقات وذلك من جرّاء ارتفاع اسعار المواد الأساسية في تونس وتقطع شريان الحياة بين المدن وبين ولاية الكاف العاصمة.
ويؤكد اسكندر السالمي انّه لولا مازوط الجزائر لما تحرّكت الآلات الزراعية ولما قام الفلاحون بحرث أراضيهم:
ويطالب مالك بن خليفة ببعث منطقة للتبادل الحرّ في ولاية الكاف بما يخلق حركية سياحية واستشفائية وتجارية تعود بالنفع على جميع سكان الشمال الغربي.
أوجاع المواطنين وجراح المدينة
بعد أن تصحّرت أراضيها وغادرها أصحاب المال والأعمال وأغلق المستثمرون أسواق الشغل، وصلت نسبة النزوح إلى نحو 40 بالمائة.
انّ مقوّمات الحياة الكريمة في ولاية الكاف من صحّة وشغل وتعليم وفلاحة باتت تشهد تراجعًا مذهلاً ذلك ما يؤكده الأستاذ جمال التيبي الذي رصد مجمل التحوّلات التي شهدتها الولاية وجعلت مكانتها ومراتب نهضتها تتراجع على جميع المناحي والمستويات بما في ذلك الثقافية والابداعية حيث يدعو الى مزيد ايلاء العناية الفائقة بهذه الجهة الحدودية للحدّ من نسب البطالة وانتشار الجريمة وتنامي نسب الادمان وتوسع دائرة تعاطي المخدرات وبيعه.
وحول الوضع الصحي يقول الدكتور رضا السبعي انّ مستشفى الحبيب بورقيبة الذي يعود تاريخه الى سنة 1908 أصبح يعاني من تراجع الخدمات الصحية ومن كثرةالازدحام والمواعيد البعيدة وغياب الأدوية وقلة التجهيزات الطبية وطب الاختصاص وذلك فضلا عن تدني الخدمات الصحية في الخطوط الأمامية التي تفتقد إلى أبسط شروط العمل وظروفه اللائقة فهذه الخطوط في حاجة إلى طب التوليد كما لطب جبر الكسور الناجمة عن حوادث الشغل والطرقات خارج مدينة الكانة.
فالمستشفى الجهوي ما انفكّ يواجه عديد الصعوبات تأتي في مقدّمتها كثرة العيادات الآخذة في الارتفاع من سنة الى أخرى، حيث وصلت نسبة الثورة الى 82 ألف بعدما كانت سنة 2010، 79 ألف وسنة 2009 نحو 75 ألف عيادة.
ويضيف الدكتور توفيق الشارني انّ المستشفى الجهوي لم يعد قادرًا على أداء وظيفته على الوجه الأكمل وهو على نفس بنيته التحتية القديمة وتجهيزاته المتآكلة وعدد الأطباء محدود. اذ لابدّ من تهيئة الأقسام الدّاخلية وبعث قسم استعجالي جديد يكون قريبا من قسم الانعاش ومن المخابر وفقا للتصوّر الذي قدّمه الاطار الطبي وشبه الطبي العام في ولاية الكاف الى وزارة الصحة العمومية.
فمن ندرة استهلاك السمك بأنواعه ومن كثرة الشعور بالاحباط انتشر مرض «الغصّة» في صفوف الأهالي وتوسّعت دائرته لتشمل الأطفال والشباب.
شكاوي بلا وسائط وتذمّرات بلا تأشيرات
يشتكي محمّد بن الأخضر السلمي المتصرّف في قطعة أرض تعرف بالنخلة الموجودة بهنشير الزبيدة بمنطقة النجاة من معتمدية تاجروين والمحاذية من الجهة للمقطع المستغل من قبل الشركة التونسية للبناء والمواد العازلة حيث أنّ هذه الأخيرة لم تلتزم بتطبيق الفصول التي وردت بكرّاس الشروط وعدم تطبيق القانون الجاري به العمل في استغلال مقطع من الصنف الصناعي لاستخراج مادة الحجارة بواسطة المتفجرات وذلك أوّلا بعدم ترك مسافة أمان عن حدود المقطع والتي لا تقلّ عن عشرة أمتار بالنسبة للأرض المحاذية وثانيا النزول عند الاستقلال الى ماتحت المستوى المطلوب في خصوص الواجهات.
ورغم عديد المراسلات الى الكثير من الجهات وفي مقدّمتها وزارة التجهيز مازال العمّ محمّد السلمي يعاني الأمرين...
يتذمّر الأمين الخماسي كشكش من الأداءات المجحفة التي قدّرت بمائة ألف دينار، ذلك أنّه يستغل مطعما شعبيا في قلب مدينة الكاف ويشغل 15 عائلة.
ويؤكد السيد كشكش انّ هذا المحلّ أصبح مهدّدا بالغلق مثلما أصبحت العائلات التي تعمل به مهدّدة في عملها وفي قوت أبنائها.
ويتساءل كشكش: كيف لمطعم شعبي مختص في اعداد «الكفتاحي» و«التونسي» أن يواجه غلاء أسعار الفلفل والطماطم والبطاطا والقرع دون الترفيع في أسعار هذه الأطباق ودون المساس من حقوق العمّال وأن يسدّد هذا المبلغ الذي يصل إلى مائة ألف دينار.
وتزداد حيرة كشكش بعد أن استبد به حرّ نيران الأفران وحرقت جلدته حرارة الجباية المجحفة لينتهي به السؤال الحارق: هل جاءت الثورة لتأمين القوت أم لتجويع العائلات؟!
لعلّ القضاء النزيه والمستقل وحده القادر على اصدار أحكام عادلة...
آفاق مسدودة أمام جبال شاهقات
بحكم مناخها المميّز وبحكم مواقعها الكائن قلب الشمال الغربي، تبدو ولاية الكاف في حاجة ماسة الى كلية طب وإلى قطب استشفائي كبير يفتح مجراه أمام الوافدين من الجزائر الشقيقة كما تبدو ولاية الكاف في حاجة إلى مدينة ثقافية تكون ضروب الفن فيها متنوّعة تفجّر ما تزخر به طاقات سليانة وجندوبة والقصرين الابداعية والفكرية والمعرفية.
كما تبدو الأراضي الفلاحية الشاسعة والتي تمّ التفويت فيها للخواص في حاجة إلى استعادة ملكيتها للدولة القادرة وحدها على توفير كلّ ما تطلبه من بذور وآلات فلاحية اعتمادات مالية وربط الانتاج الفلاحي بالصناعات الغذائية حتى تسهم الجهة في توفير الأمن الغذائي وتعود آلهة حبوب Serus إلى ملء مطمور روما.
وبحكم ثراء مدخراتها الطبيعية وتنوّعها وتفردها، لابدّ للدولة أيضا أن تعيد الحياة للمناجم وخاصّة منجم سرا ورتان القادر وحده على امتصاص أكبر نسب فوائض البطالة في جهة استفردت بها البطالة واستشرى فيها النزوح وتآكلت على جنباتها البنى التحتية والطرقات.
اذ على الحكومات القادمة ألا تعيد انتاج سياسات العهدين البورقيبي والنوفمبري والاستئناس بهما حتى يظلّ شموخ أهالي الشمال الغربي بمستوى ارتفاع الجبال وأن يظلّ كرمهم أرحب من اتساع سهولهم وتظلّ كرامتهم بحجم ما تدخره.
وينتهي كشكش الى أنّ نيران المطعم ولهيب بطون أراضيهم من ثورات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.