لِضَرْبِ نظام كابول الموالي للاتحاد السوفياتي لم تكتف الامبريالية العالميّة بتكديس الأسلحة الحديثة بأموال الخليجيين للإطاحة بالنظام القائم فتلك مسألة بسيطة إذ لهَا ما يقابلها بنظيرتها وربّما أكثر فاعليّة إذ اعتمدت نهجًا آخر تستمرّ فاعليته لمُستجدّ الأحداث عالميّا مهما كان نوع الأنظمة الجديدة ولو بطراز قديم. فكان مُجاهدو أفغان والملالي والقاعدة وَما تَبِعَ. وكان خنق منظمة التّحرير بزعامة القائد ياسر عرفات مُتّبعًا بصعود حماس والتنظيمات الاسلامية في الضفّة الغربيّة وغزّة... قبل غزو أفغانستان بقيادة البيت الأبيض ماذا قال الملاّ عمر حتّى يمنع ذلك الغزو؟ قال: إنّ أفغانستان لا تملك مشروعًا اقتصاديا بقيمة صاروخ باتريوت واحد ماليّا. هكذا وبكلّ بساطة! على ماذا أقدم بعد صعوده إلى الحكم. حبس النساء خلف الجدران واللّباس الأسود وغلق كلّ المحلاّت التجارية أيّا كان نوعها والحاملة لنمط العيش والاقتصاد البرجوازي في أبسط معانيه وكان شنق الفنون والفكر وتحطيم تمثال بوذا التاريخي العظيم ليحي الاقتصاد بدائيا ملبسا ومأكلا والفكر قروسطيا على قاعدة أساطير الأولين. ليكن الحاضر كما الماضي بعيدًا عن حضارة اليوم بل يجب نحرها حتّى يرحمنا الرّبّ بنوع آخر من طير أبابيل وأكثر فاعليّة تُطيح بترسانة الأسلحة الجويّة الجديدة التي لا يملكها المسلمون ولا يستطيعون مادامت خيراتهم الطبيعيّة المتنوّعة والهائلة تنهيها الامبريالية العالميّة برعاية حكّام الخليج خاصّة وَهُمْ العملاءُ المخلصون. إنّ القرآن يحمل في سطوره ما يفنّد الذي يدعو إليه ظلاميو عصرنا ويكفي أن نذكّر ب «وقل اعملوا فسيرى اللّه عملكم ورسوله والمؤمنون». إنّ عنف السلفيين يتصاعد بنسق حثيث لتغطية عجزهم الفكري وعدم قُدرتهم على مناقشة الحلول العمليّة لكبرى القضايا كما لِصُغْرَاها. لقد أقدموا في الأيّام الأخيرة على حرق مدن عديدة مصاحبة الفنّ والفنّانين. عنّفوا أستاذ المسرح رجب المڤري بطريقة همجيّة على قاعدة سلوك البدائيين ونجا بأعجوبة الطالب الصغير الرحيمي عندما أقاموا عليه الحدّ. واقتحموا دار الثقافة بباب سويقة وحطّموا الباب ومنعُوا عرضيْن مسرحيّين للأطفال. وقبلها هدّدوا الأستاذ محسن الجليطي النحّات والرسام وهو يُقيم معرضه بالبلفدير وقد نسوا ما قام به صحبة نقابة الفنانين التشكيليين من صدّ وفضح لسياسة زين العابدين قبل ثورة 14 جانفي... إنّ ما يُقدم عليه السلفيون وباسترسال غير منقطع يرجع إلى الأسباب التّالية: القاعدة الجماهيريّة مشتركة بينهم وبين النهضويين وحركة النهضة لا تُقاومهم بشكل فعلي لمصلحة الانتخابات في المحطّات القادمة. البيت الأبيض الأمريكي لم يُعْطِ الأوامر بَعْدُ لضربهم لاعتمادهم عدّة أوراق للمناورة في سياسته التي تعتمد على أكثر من حليف رغم الاختلافات التي تشقّهم. باستثناء الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد العام لطلبة تونس لم تستطع الأحزاب السياسية ومكوّنات المجتمع المدني من التصدّي عمليّا لسياسة الحكومة التي التقت على المسار الثّوري. عدم جديّة المجلس التأسيسي وانهماك أعضائه في نقاش رفع أجورهم بما لم يحصل لا مع بورقيبة ولا حتّى مع زين العابدين والحال أنّ القاعدة الشعبيّة التي صوّتت لهم كان في حسبانها أنّهم متطوّعون لا أُجراء ينهبون من مال الدولة. إنّ التّنديد لا ينفع في مثل هذه اللحظات وقد اختصّ أهل السياسة اليوم في ذلك بينما فنّانونا ومبدعونا ومواطنونا يتعرّضون للتّنكيل الذي يأتيه الظلاميون المدعومون من السعودية والكويت وقطر وكلّ من هذه الدول ترى أنّها راعية الاسلام ومسؤولة عنهُ والحال أنّ بترولها وغازها تنهبهما الامبريالية العالميّة مصاحبة بتمسّك حكّام هذه الدول بإيجاد وإبقاء القواعد العسكرية الأمريكية والبريطانية على أرضها غير مهتمّين بأنّ البيت الأبيض ولندن هما الراعيتان لدولة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين المغتصبة إضافة إلى أنّهما حطّما دولة العراق ويتدخلان بشكل مفضوح في ليبيا وسورية ولبنان واليمن للالتفاف على ثورات شعوبها. إنّ التنديد لا ينفع وما تقوم به الأحزاب السياسية اليوم هو مجرّد كلام أو حبر على ورق لذلك يجب على أبناء شعبنا بقيادة العناصر الواعية إلى تشكيل لجان شعبيّة في كلّ حي وفي كلّ مصنع وفي كلّ مكان يؤمّن رزقًا لشعبنا تصدّيا لهمجيّة السلفيين وحتّى لا تكون تونس جزائر أخرى تغرق في حمام دم (أكثر من مائتي ألف قتيل من أشقائنا في الجزائر). لنبتعد عن عادة التّنديد وسياسة الصالونات ولنكن عمليين في إنجاز اتحاد شعبي يقوم على قاعدة لجان شعبية تتصدّى للاسلاميين ومن ورائهم الامبريالية العالميّة حتّى نحمي وطننا ونعيد المسار الثّوري إلى طريقه الصحيح.