كثرت هذه الأيام في وزارة التربية المواعيد واللقاءات والندوات وتعددت، هذه لتقييم الامتحانات الوطنية وتلك لإدماج ذوي الاحتياجات الخاصة وأخرى لتطوير منظومة التكوين الاساسي وهلمّ جرّا... أمر محبّذ في الظاهر، لكن يبدو ان المثل التونسي هو الطابع الغالب على هذه الكثرة التي حضر فيها العدد وغابت «البركة» فصارت في شكل «لمّات» و «زْرد» تتعالى فيها الزغاريد ويغيب الكسكسي... إذ لا تكفي في مثل هذه المسألة، النوايا.. ولا يكفي العدد، لأن الاجتماع على مسألة استراتيجية مثل إصلاح / مراجعة المنظومة التربوية في تونس، بعد عقود من التخريب الممنهج، لا يمكن أن يقوم على النوايا الحسنة، وحتى إن توفرت النوايا الحسنة فإنها تبقى مجرد حافز لا يرقى إلى الضّرورة ولا حتّى إلى الكفاية لخوض غمار معركة الإصلاح والمراجعة لقد استعادت وزارة التربية في لقاءاتها تلك الأساليب إيّاها في جميع المراحل، إعدادا وتصوّرا وتنفيذا ومتابعة، فغلب عليها الارتجال والتسرّع وكأنها في عجلة من أمرها أو تدبّر أمرا بليل، وطغى على عملها التفرّد والأحادية إيغالا في الرأي الواحد وفي الاقصاء، وسيطرت على عملها الوجوه نفسها تقريبا من الذين خدموا كل المخططات خلال تسعينات التخريب والهدم التي أصابت المنظومة، فكانوا «تْوَارْزِيَّةْ» يفصّلون الإصلاحات حسب الطلب حتى أنتجت «سروال عبد الرحمان»... هؤلاء جيء بهم وبعضهم قد تقاعد من جديد للاستفادة من خبرتهم الطويلة لكن خبرتهم لا تتعدى البراعة في تحويل كل مراجعة الى سماء تمطر مالا ومصالح وتؤدي الغرض في التفكيك والتهرئة... في حين كان من الأجدر إبعادهم، بل محاسبتهم على ما آلت اليه المنظومة التربوية من تفكّك وتَدنًّ وتردًّ... وكان من الأجدر بهم هم أن ينسحبوا من الساحة ويغيبوا بعيدا عن الأنظار بعد أن يعتذروا ويطلبوا الصفح من التونسيين لأنّهم أصابوهم في بؤبؤ العين وفي مستقبل البلاد... إنه لأَََمرٌ مخجل أن يُستجلَب هؤلاء من جديد، ومخجل أكثر ان يطلّوا علينا بصفاقتهم المعهودة ومحاضراتهم المنقولة عن الانترنات والمركبة في خلطات عجيبة تحت تصفيق السيد الوزير وأعضاده ! وإن من يروم إصلاح المنظومة التربوية بنفس الأشخاص كمن يؤسّس لعوامل فشله، وإنّ الإمعان في ذلك بتعنّت يقرب الى تعنّت أصحاب الأهواء والنزوات من شأنه أن يشكّك حتى في النوايا... وإنّ أي إصلاح للمنظومة التربوية لا يعوّل بالأساس على أصحاب الشأن من المربين بمختلف أسلاكهم وأصنافهم، إصلاح مآله التبخر... وإنّ الإيغال في إقصائهم، ثأرا أو نكاية، لن يفضي إلا إلى طريق مسدود... فقد جُرّب الإقصاء فانتهى بالإصلاح إلى الفشل وبأصحابه إلى التلاشي، وبقي المربّون... وأيضا إنّ أيّ إصلاح يقوم على الارتجال والتسرّع محكوم بأجندات بعيدة عن الشأن التربوي هو إصلاح مغشوش يَحملُ في طياته قصورا في الأهداف وعجزا منهجيا واضحا... ... لقد تعبت نقابات التعليم عندنا من ترداد ذلك حتى اعتبرها دوما أصحاب القرار في وزارة التربية عائقا أمام مشاريعهم وجدارا يقف جاجزا ضدّ برامجهم فاتهمت النقابات بتصفية الحسابات وتنفيذ أجندات سياسية والتلاعب بمصير أبناء تونس بل جرّدها بعض الوزراء من الوطنية والشعور بالمسؤولية... تهمٌ مُعدّةٌ سلفا مازال في وزارة التربية منتجوها وصانعوها يصولون ويجولون ومازالت للأسف تخرج من مكاتبهم في وجه المربين، سبحان الله، تماما كما لو أن الثورة لم تكن...