عندما خطب الرئيس المؤقت السيد منصف المرزوقي بجرأته التي افتقدها كل من يعرفه في السابق تعالى الضجيج وهاجت الجماعة وماجت وتتالت الردود التي تراوحت بين الهدوء المصطنع والتشنّج الفاضح إلى حدّ التهديد وصاحبت ذلك حملة مجاري للتشويه شيطنت الرجل وجعلت منه عدوًّا للاسلام والوطن ولحزبه... لقد كشف السيد المرزوقي جملة من الحقائق لعلّ أهمها نزعة الهيمنة والسيطرة على مفاصل الدولة من خلال تعيينات تتوفر في بعضها الكفاءة على حدّ قوله وفي أغلبها تفتقد إلى الكفاءة لقيامها على الولاء والانتماء ولانّها تذكّرنا بممارسات الحزب الحاكم زمن المخلوع... لقد أثبتت جلّ التعيينات الى حدّ الآن فشلها. لأنّها، مثلما أكّدنا مرارًا وتكرارًا، لم تُبْن على أسس الكفاءة والجدارة والنزاهة، ودليلنا ما جرى ويجري في سيدي بوزيد وصفاقس وسليانة وقفصة وقبلي وغيرها من المدن والقرى وفي العديد من الادارات والمؤسسات التي أثبت القائمون على إدارتها فشلا ذريعًا في تسييرها وعجزًا عن احتواء غضبها بل ذهب البعض منهم إلى حدّ التنكيل بكلّ من تسوّل له نفسه الاحتجاج كما حدث في مدينة الحنشة... لقد توسعت التعيينات على الأساس الحزبي لا لتشمل فقط الولاّة والمعتمدين بل ايضا الادارات الجهوية والمحلية ومن قبلهما الادارات المركزية لغاية التغلغل في كلّ اجهزة الدولة بالجمع بين سلطة القرار وسلطة التنفيذ حتى يمكن التحكّم في كلّ دقائق الشأن الاداري العام وهو المدخل الرئيس للهيمنة على المجتمع ولاحتكار الحياة الاجتماعية والسياسية... ولقد زادت بعض التعيينات المشبوهة الطين بلّة، اذ أُقحمت بعض الوجوه المعروفة بارتباطها بالسلطة السابقة وبتورّط بعضها في الفساد وأُدخلت حلبة السباق على المناصب والمواقع الحسّاسة، بما فيها مواقع القرار والاستشارة، مجازاة احيانا على الولاء وتأليفًا للقلوب أحيانا أخرى، ولعلّ فضيحة تعيين ضابط أمن على رأس صحيفة عريقة كالصباح خير حجّة على هذا التوجه المريب الهادف الى الاستحواذ على الاعلام. بعد ثمانية أشهر من الحكم. وقف الرئيس المؤقت على الحقيقة التي نبّهنا اليها منذ الأسابيع الأولى بعد الانتخابات فأراد البعض التقليل من أهمية ما كشفه بأن ردّ ذلك الى انّ السيد منصف المرزوقي مازال يتصرّف بوصفه حقوقيّا وكأنهم يقولون لنا إن الحاكم، ليحكم، عليه ان يتجرّد من أيّ وعي حقوقي وربما يعنون أن يكون فظا غليظا ظالما جائرا لا يحترم الحقوق والقوانين... ونقول إن ضمور الجانب الحقوقي في الحكم هو الذي يدفعه إلى الجور أو إلى التغاضي عن الجور والسكوت عن التعدي على الحريات العامة والخاصة او تبريرها بوصفها معتقدات الى الاستبداد والديكتاتورية. لقد أُخذ المرزوقي بذنب الحقوقي، فهل جاء خطابه وعيا متأخرًا أم كان في الوقت المناسب؟ وهل سيكون له تأثير في الحدّ من الجموح الجارف إلى الهيمنة والاحتكار أم أن الداء قد استفحل فلن يكون لخطابه غير مهمّة تبرئة الذمّة؟ وهل ينتظر المجتمعان المدني والسياسي الرئيس المؤقت ليكشف لهما بعد ان كشف لنفسه حقيقة ابتلاع اجهزة الدولة من قِبل الحزب الحاكم حتّى يتحرّكا دفاعًا عن حياد الإدارة والإعلام واستقلاليتها عن الأحزاب؟ لقد كشف وزير الخارجية ببساطة تصريحاته كل الحقيقة وقال إننا سنحكمكم لعقود ...هكذا!!! ودرس التاريخ يعلّمنا ان لا أحد يستطيع أن يحكمنا إلا إذا حاز التمكين من أجهزة الدولة وسيطر على الإعلام ووظّفه، وهو ما يجري الآن على قدم وساق وفي سباق مع الزمن...