يعتبر قانون الميزانية العمود الفقري لشكل تدخل الدولة في الاقتصاد سوءا بالحوافز والتشجيعات أو بالضرائب والمعاليم الجبائية حيث يؤثر هذين العاملين في التوازن الاقتصادي العام. إذ تتأثر قرارات الاستثمار بواقع التشجيعات والحوافز مما يؤثر على العرض، في حين تؤثر الضرائب والجباية على الدخل والاستهلاك مما يؤدي إلى التأثير على الطلب. ومن هنا يبرز دور الدولة المتحكم في التوازن الاقتصادي العام أي التوازن بين العرض والطلب لذلك فان قانون الميزانية لا يمثل مجمل القوانين المنظمة للحركة الاقتصادية بل هو في الجوهر فعل الدولة في الاقتصاد وشكل تدخلها وهو الانعكاس لسياساتها وتوجهاتها العامة. ويبدو من خلال (علما وان هذا القانون مازال مشروعا قد لا يعتمد من قبل المجلس التأسيسي إذا ما عرض عليه وقد يغيره من صاغه قبل ذلك) أن الحكومة تحافظ على نفس الخيارات الاقتصادية التي عانت منها تونس لمدة عقود وأنها تحافظ على نفس معالم الميزانية مع تغييرات طفيفة بعضها لإضفاء روح الحاكم الجديد وبعضها لدعم ميزانية الدولة. تحفيز الاستثمار ولكن.... لقد تضمن مشروع الميزانية 08 إجراءات جديدة لفائدة الاستثمار الخاص اغلبها يصب في خانة الحوافز الجبائية وهو ما يضطرنا مرة أخرى للتذكير بما قلناه سابقا عن عدم جدوى الحوافز الجبائية في ضل غياب الإصلاحات الهيكلية. فالقاعدة أن الاستثمار يبحث عن الربح والربح الأقصى وان هذا الربح يتأتي من عاملين اثنين هما، تحسين إنتاجية وسائل العمل وتخفيف المصاريف. غير أن العامل الأول هو الأكثر تأثيرا في عملية مراكمة الأرباح إذ تعتبر الإنتاجية العالية أهم مفاتيح الربح في حين أن تخفيف عبء المصاريف لا يؤثر بشكل واضح في خيارات الاستثمار إلا إذا اقترنت بتوفر بظروف تحسين الإنتاجية ( يد عاملة كفأة ومدربة وبنية أساسية ملائمة). لذلك فان قرارات الحوافز الجبائية تعتبر نوعا من العبث واستمرارا للقديم السائد المغلوط الذي راهن على رشوة رؤوس الأموال وجلبها «للتمصميصة» الأخيرة. فاغلب الاستثمارات التي قدمت إلى تونس خلال عقدين من الزمن أو أكثر كانت مجرد مشاريع أفلست وانتهت مدة صلاحيتها التكنولوجية وأبدعت بلدانها صناعات أخرى أكثر تطورا (جهاز التلفزة العادي والنسيج على الطريقة القديمة). ولتفادي خسارة ما وظف من أموال في الآلات ولتحقيق آخر بقايا الربح في أسواق البلدان المتخلفة تنقل هذه المصانع إلى البلدان الأكثر فقرا للاستغلال اليد العاملة الرخيصة ولا تدوم هذه المشاريع أكثر من سنوات معدودة لذلك نلاحظ من حين لآخر موجات الغلق رغم توفر كل الظروف والامتيازات الجبائية. وعلى هذا الأساس فان الحوافز الجبائية لا تمثل بحق دافع نحو جلب الاستثمارات الأجنبية أو حتى دفع المستثمرين المحليين للاستثمار. عدالة جبائية شكلية ومقابل مجموع الحوافز التي تمتع بها أصحاب الشركات نجد أن الامتيازات التي منحت للفقراء ضعيفة ولا تقارن فالتخفيض بنقطة من نسبة المعلوم على رقم المؤسسات يساوي من حيث الحجم أضعاف أضعاف دخل عائلة لمدة سنوات وهو ما يعني أن التعديلات الجبائية وان ستمنح بعض الفئات نوعا من الامتيازات فإنها لا تصب في خانة العدالة الجبائية. وعموما فان جدول الضريبة على الدخل لا يمثل توجها نحو العدالة الجبائية، حيث من المعلوم أن الموظفين من ذوي الدخل المرتفع يخضعون للضريبة بانتظام في حين تستغل الشركات ليونة القوانين والجدولة الجبائية وحرص الدولة على استمرار النشاط الاقتصادي لتدفع ضرائب اقل مما قد يدفعها احد كوادرها( لم يتضمن مشروع الميزانية الجديد أي إشارة في هذا الصدد). وإضافة إلى كل ما سبق نجد أن المشروع الجديد قد أضاف زيادة في الحد الأدنى للتوظيف المعمول به. البحث عن موارد للدولة: كثرة الجباية تقتل الجباية وعلى مستوى تعزيز موارد الدولة نجد أن المشروع تضمن عددا كبيرا من الزيادات من شانها الضغط على الاستهلاك وتخفيض الطلب. وفي هذا المجال يمكن ملاحظة عدة إجراءات تهدف إلى تحسين عملية الاستخلاص ولكنها لا ترقى إلى ما اسماه المشروع إصلاحا فالترفيع في المعاليم وإحداث الإتاوات لا يعتبر إصلاحا للمنظومة الجبائية التي تشكو أساسا من مشكل التهرب الضريبي والنظام التقديري. وعلى العموم فقد جاء المشروع ب08 زيادات مهمة ومؤثرة على الاستهلاك أهمها الإتاوة على الإقامة في النزل وإتاوة تدعم التوظيف والرفع في قيمة معلوم السفر إلى الخارج مقابل عدم وضوح في مشاريع الدولة وإعمالها وبرامجها لتشغيل ودعم التنمية. فالرفع في قيمة الضريبة أمر مقبول إذا ما ارتبط بتحسين الخدمات العمومية المقدمة من قبل الدولة وإذا ما أحسن المساهم أن ما سيدفعه سيخدم المصلحة العامة لذلك فان أصحاب المشروع مطالبون بمراجعة عديد النقاط التي اشرنا إليها ومطالبون أساسا بشرح الزيادات وتفسيرها لان غموضها كفيل بان لا ينخرط المساهمون فيها. ومن زاوية نظر اقتصادية فان كثرة الضرائب تضعف الدخل وتنزل بالاستهلاك مما يؤثر سلبا على العرض وأمام ضعف العرض يقل الاستثمار والتشغيل فيقل بذلك عدد المساهمين وتخنق كثرة الضرائب، الضرائب