قضية منتحل صفة مسؤول حكومي.. الاحتفاظ بمسؤول بمندوبية الفلاحة بالقصرين    مخاطر الاستخدام الخاطئ لسماعات الرأس والأذن    صفاقس تُكرّم إبنها الاعلامي المُتميّز إلياس الجراية    مدنين: انطلاق نشاط شركتين أهليتين في قطاع النسيج    سوريا... وجهاء الطائفة الدرزية في السويداء يصدرون بيانا يرفضون فيه التقسيم أو الانفصال أو الانسلاخ    في انتظار تقرير مصير بيتوني... الساحلي مديرا رياضيا ومستشارا فنيّا في الافريقي    رابطة الهواة لكرة القدم (المستوى 1) (الجولة 7 إيابا) قصور الساف وبوشمة يواصلان الهروب    عاجل/ "براكاج" لحافلة نقل مدرسي بهذه الولاية…ما القصة..؟    الاحتفاظ بمنتحل صفة مدير ديوان رئيس الحكومة في محاضر جديدة من أجل التحيل    الطبوبي في اليوم العالمي للشغالين : المفاوضات الاجتماعية حقّ ولا بدّ من الحوار    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    انهزم امام نيجيريا 0 1 : بداية متعثّرة لمنتخب الأواسط في ال«كان»    نبض الصحافة العربية والدولية... الطائفة الدرزية .. حصان طروادة الإسرائيلي لاحتلال سوريا    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    أولا وأخيرا: أم القضايا    المسرحيون يودعون انور الشعافي    إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا    المهدية: سجن شاب سكب البنزين على والدته وهدّد بحرقها    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟    وزير الإقتصاد وكاتب الدولة البافاري للإقتصاد يستعرضان فرص تعزيز التعاون الثنائي    مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة    عاجل/ تفاصيل جديدة ومعطيات صادمة في قضية منتحل صفة مدير برئاسة الحكومة..هكذا تحيل على ضحاياه..    الطب الشرعي يكشف جريمة مروعة في مصر    تونس العاصمة وقفة لعدد من أنصار مسار 25 جويلية رفضا لأي تدخل أجنبي في تونس    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    الطبوبي: انطلاق المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 ماي    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    البطولة العربية لالعاب القوى للاكابر والكبريات : التونسية اسلام الكثيري تحرز برونزية مسابقة رمي الرمح    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تختتم مسابقات صنفي الاصاغر والصغريات بحصيلة 15 ميدالية منها 3 ذهبيات    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    عاجل/ المُقاومة اليمنية تستهدف مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أمريكية..    تونس العاصمة مسيرة للمطالبة بإطلاق سراح أحمد صواب    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..طقس حار..    قيس سعيد: ''عدد من باعثي الشركات الأهلية يتمّ تعطيلهم عمدا''    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    منذ سنة 1950: شهر مارس 2025 يصنف ثاني شهر الأشد حرارة    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات: المنتخب المغربي يحرز لقب النسخة الاولى بفوزه على نظيره التنزاني 3-2    وفاة أكبر معمرة في العالم عن عمر يناهز 116 عاما    منظمة الأغذية والزراعة تدعو دول شمال غرب إفريقيا إلى تعزيز المراقبة على الجراد الصحراوي    معز زغدان: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستكون مقبولة    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    مباراة برشلونة ضد الإنتر فى دورى أبطال أوروبا : التوقيت و القناة الناقلة    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هذه النّقابة الّتي تجسّد المعارضة التّونسيّة
نشر في الشعب يوم 29 - 12 - 2012

بعد عشر شهور من وصول النّهضة(1) إلى الحكم، كانت سيدي بوزيد، المدينة الّتي انطلقت منها «ثورة الكرامة»، مسرحا مرّة أخرى لعدّة حركات احتجاج ضمّت مزارعين وأيضا عمّال بناء وعاطلين عن العمل. وقد ساند الاتّحاد العامّ التّونسيّ للشّغل تلك التّحرّكات. ففي 14 جانفي 2012 دعا إلى الإضراب العامّ مطالبا بتدابير من أجل التّنمية الجهويّة وداعيا إلى الإفراج عن شباب عاطلين تمّ إيقافهم خلال المظاهرات الّتي قمعها البوليس بطريقة عنيفة. من جهته، دعا المكتب المحلّي للنّهضة قواعد الاتّحاد وهياكله إلى الامتناع عن أيّ عمل سياسيّ وإلى الحفاظ على استقلاليتهم.
انطلقت هذه المواجهة بين النّهضة والاتّحاد في 25 فيفري 2012 بمظاهرة في تونس ضمّت حوالي خمسة آلاف شخص تلبية لدعوة المركزيّة. كان المحتجّون يندّدون بإلقاء مناضلي النّهضة، حسب قولهم، القمامة أمام العديد من الاتّحادات المحلّيّة على إثر التّحرك الاجتماعيّ الّذي أنجزه العمّال البلديون، إحدى الفئات الأكثر فقرا في تونس.
«يريدون خنق صوتنا ليقرّروا بمفردهم مصيرنا. يريدون زرع الخوف في قلوبنا لمنعنا من الدّفاع عن قضيّتنا وعن حقوقنا، لكنّنا لن نتنازل ولن نستسلم»، هكذا تلفّظ الأمين العامّ للاتحاد العام التّونسيّ للشّغل، السّيّد حسين العبّاسي. أمّا السّيّد نورالدّين عرباوي، العضو في المكتب السّياسيّ للنّهضة، فيرى أنّ الاتّحاد تسيطر عليه قوى تنتمي إلى النّظام السّابق عازمة على عرقلة عمل الحكومة.
بلغت المواجهة ذروتها في 1 ماي 2012، خلال المظاهرة الّتي أقيمت للتّذكير برهانات الثّورة الاجتماعيّة والاقتصاديّة. كان الشّعار الأبرز «شغل، حرّيّة، كرامة» قد غرق في نشاز دبّره من جهة أنصار النّهضة الّذين كانوا يصرخون «بالرّوح بالدّمّ نفديك يا حكومة»، ومن جهة أخرى منتقدوها الّذين كانوا يردّدون «لتسقط حكومة العار!».
لم تكن هذه المناوشات هي الأولى، يذكّرنا الدّكتور سامي السّويحلي، الكاتب العامّ لنقابة الأطبّاء والصّيادلة : «لم تبدأ الحملة على الاتّحاد مع النّهضة. فقد تمّ استهداف المنظّمة من قبل الحكومات الانتقاليّة الّتي تشكّلت بعد رحيل [الرّئيس السّابق زين العابدين] بن علي، إذ وجدت نفسها متّهمة بشكل منهجيّ بالمسؤوليّة على الأزمة الاقتصاديّة والفوضى في البلاد. هناك إرادة لإخضاع الاتّحاد لأنّه السّلطة المضادّة الوحيدة المنظّمة (2).»
القوّة النّقابيّة التّونسيّة الأولى، الّتي تعدّ أكثر من خمس مائة ألف منخرط، ظلّت كذلك القوّة الوحيدة لفترة طويلة (3). هذه القوّة الموجودة بكثافة في القطاع العموميّ، تتركّب من أربع وعشرين نقابة أساسيّة. وهي تجمع بين العديد من الاتّجاهات السّياسيّة وتعدّ بينها أعضاء من جميع الجهات ومن عديد الفئات الاجتماعيّة –عمّال، موظّفون، أطبّاء، الخ. إنّ الاتّحاد الّذي مثّل الحجر الأساس في الحركة الوطنيّة زمن الاستعمار قد لعب على الدّوام دورا رئيسيّا في الحياة السّياسيّة. إنّه أكثر من مجرّد مركزيّة نقابيّة، فهو مماثل لمنظّمة ترتبط فيها المطالب الاجتماعيّة تاريخيّا ارتباطا وثيقا بقضايا ذات طابع سياسيّ ووطنيّ. وعلى خلاف ما يحدث في بلدان عربيّة أخرى، كان للاتّحاد استقلاليّة – تتفاوت أهمّيتها حسب الفترات – عن جهاز الدّولة.
منذ الحصول على الاستقلال، تعايش في صلبه تيّاران : أحدهما، تجسّده ما دُرج على تسميته ب «البيروقراطيّة النّقابيّة»، هو تيّار الرّضوخ للسّلطة، والثّاني هو تيّار المقاومة. يأخذ الثّاني زمام الأمور في أوقات الأزمة ويسيطر على بعض النّقابات، مثل نقابات التّعليم والبريد والمواصلات، وكذلك على بعض الاتّحادات الجهويّة والمحلّيّة. وحتّى إن احتفظت البيروقراطيّة النّقابيّة ببعض من التّناقض فإنّ الكثير من التّحرّكات الاجتماعيّة قد وجدت الدّعم من نقابات الاتّحاد وأقسامه. وعلى الرّغم من خلله الوظيفيّ – مركزة السّلطة، التّمثيليّة الضّعيفة للنّساء وللقطاع الخاصّ ولبعض الجهات مثل السّاحل التّونسيّ – لعب الاتّحاد دورا حاسما في الإضرابات والتّجمّعات والمظاهرات الّتي أدّت إلى فرار الدّكتاتور، وساند بشكل كبير الاعتصامات في ساحة القصبة الّتي أسقطت في جانفي وفيفري 2011 الحكومتين الانتقاليتين الأوليين.
هذا التّاريخ يفسّر ليّ الذّراع الّذي وضع حركة النّهضة في مواجهة المركزيّة أثناء الخلاف حول النّظام الأساسيّ للعمّال البلديين. هو أكثر من تباعد في الحلول المقترحة للمطالب، إنّها معركة سياسيّة تُدار هنا. وهكذا، صرّح السّيّد حمّادي الجبالي رئيس الحكومة خلال حوار تلفزيّ في 28 ماي 2012 فيما يتعلّق بإيقاف المفاوضات في الوظيفة العموميّة : «قلنا للاتّحاد العامّ التّونسيّ للشّغل لا بدّ أن يحترم كلّ طرف موقعه ومهمّته. لا بدّ من الكفّ عن المزايدة : فالحكومة ليست عدوّة الموظّفين والعمّال. نظريّة صراع الطّبقات هذه، نحن لا نؤمن بها. العاطلون عن العمل هم أبناؤنا، ولسنا في حاجة لا إلى ما يسمّى بالمفاوضات الاجتماعيّة ولا إلى الضّغوط لإعطاء زيادات، ولكنّ لنا أولويات أخرى في الوقت الرّاهن.» وأضاف قائلا : «غايتهم هي إخضاع الحكومة، نحن نقرأ تصريحات سياسيّة وليست اجتماعيّة البتّة، إنّهم يريدون عرقلتنا! هذه الحكومة قويّة بشرعيتها الانتخابيّة والشّعبيّة. لن نستسلم.»
هل كانت حركة النّهضة، على غرار التّجمّع الدّستوريّ الدّيمقراطيّ المنتهي، الّذي كان الحزب-الدّولة الحاكم في عهد بن علي، تميل إلى الوصاية على الاتّحاد العامّ التّونسيّ للشّغل؟ إنّ تدفّق منحرطين جدد ذوي ولاءات إسلاميّة، منحدرين خصوصا من القطاع الخاصّ، تمنح هذه الفرضيّة مصداقيّة. مع ذلك، شهد المكتب التّنفيذيّ للاتّحاد العامّ التّونسيّ للشّغل المنتخب أثناء مؤتمر طبرقة في ديسمبر 2011 فوز القائمة المسمّاة «الوفاق اليساريّ» ، وأكّد عاليا وبقوّة على استقلاليّته السّياسيّة.
إنّ التّوتّر كبير إلى درجة أنّ الاتّحاد العامّ التّونسيّ للشّغل قدّ حلّ فعليّا محلّ أحزاب المعارضة السّياسيّة العاجزة عن لعب دورها. إذ عزم على «أن يتعهّد إلى جانب المجتمع المدنيّ والشّعب التّونسيّ في تنوّعه بالدّفاع لا فحسب عن الجماهير العمّاليّة بل أيضا وخصوصا عن الجمهوريّة ومؤسّساتها». أحيانا تأخذ التّعبئات الّتي تطلقها المركزيّة للدّفاع عن الحرّيّات الفرديّة وللتّشهير بعنف المجموعات السّلفيّة أو البوليس الأسبقيّة على التّعبئات الاجتماعيّة. وإذ يذكّر زعماء الاتّحاد العامّ التّونسيّ للشّغل بانتظام بشرعيّة منظّمتهم التّاريخيّة فهم يؤكّدون أنّهم لن يتردّدوا في أوقات الأزمة في الاضطلاع بدور سياسيّ.
في ردّه على خطاب رئيس الحكومة المذكور أعلاه صرّح للتّلفزة السّيّد سمير الشّفّي الأمين العامّ المساعد للاتّحاد في 30 ماي 2012 قائلا : «نحن منظّمة وطنيّة كبرى ساهمت في النّضال الوطنيّ والاجتماعيّ، ولا يمكن للاتّحاد أن يقبل بهذا النّوع من الرّسائل. هذا تدخّل. نحن نتحكّم في دورنا جيّدا، وهذا منذ نشأتنا سنة 1946. ولن نتراجع عنه.» في 18 جوان 2012 دعا الاتّحاد العامّ التّونسيّ للشّغل إلى إنشاء مجلس وطنيّ للحوار يضمّ الفاعلين السّياسيين وجميع مكوّنات المجتمع من أجل إيجاد حلول للمشاكل الاقتصاديّة والاجتماعيّة والأمنيّة في البلاد.
وهكذا نشهد استقطابا تدريجيّا في الحقل السّياسيّ. فالمعارضة تتشكّل بالخصوص من تشكيلات وسطيّة وليبراليّة مثل الحزب الدّيمقراطيّ التّقدّميّ وآفاق تونس الّذين اتّحدا تحت اسم الحزب الجمهوريّ ونجد أيضا تحالف التّجمّعيين القدامى وتشكيلات «ديمقراطيّة» أخرى تجمّعت مؤخّرا حول رئيس الحكومة السّابق الباجي قايد السّبسي في صلب حركة نداء تونس. وفي حين كانت هذه المعارضة تتّهم السّنة الفارطة الاتّحاد بأنّه «يزرع الفوضى في البلاد» ها هي تجد نفسها اليوم إلى جانب أحزاب تنتمي إلى أقصى اليسار مثل الوطد (حركة الوطنيين الدّيمقراطيين) أو حزب العمّال الشّيوعي التّونسيّ (الّذي غيّر اسمه بحزب العمّال التّونسيين) لمساندة الاتّحاد.
من هنا فصاعدا يتواجه خطابان متماسكان. فأنصار الحكومة يعتبرون أنّ الاتّحاد تتحكّم فيه وتتّخذه بيروقراطيته أداة لغايات حزبيّة محض وأنّ من مصلحته أن يكتفي بدوره النّقابيّ. أمّا المعارضة فترى أنّ الاتّحاد لا بدّ أن يكون مستقلّا وأن يتدخّل بطريقة فعّالة في الحياة السّياسيّة باعتباره سلطة مضادّة.
كانت المطالبات الاجتماعيّة والاقتصاديّة البارزة غالبا في خطابات إطارات الاتّحاد العامّ التّونسيّ للشّغل خاضعة تاريخيّا لنّضال من أجل استقلاليّة المركزيّة إزاء السّلطة (4). من المؤكّد أنّ المناضلين والزّعماء النّقابيين قد تجنّدوا للدّفاع عن العمّال البلديين أو للتّفاوض حول الزّيادة في الأجور، حتّى أنّهم حقّقوا بعض الانتصارات مثل إنهاء العمل بالمناولة في بعض القطاعات ومنها النّسيج أو الحصول على منحة شهريّة قدرها سبعون دينارا للموظّفين. غير أنّ المنظّمة مازالت عاجزة عن تحديد توجّه معيّن اقتصاديّ واجتماعيّ بديل لبرنامج النّهضة النّيوليبرالي الصّريح، ومن ثمّ الخروج بالبلاد من الأزمة. ويُعتبر عدم مناقشة قانون الماليّة الّذي تمّ تبنّيه في 10 ماي 2012 أحد الأعراض الدّالّة على ذلك.
إنّ التّحالفات المعقودة بين اللّيبراليين وبعض التّشكيلات من أقصى اليسار حول الدّفاع عن الاتّحاد تأخذ منحى آخر مختلفا. يعبّر السّيّد محمّد كمّون، وهو معلّم ومناضل نقابيّ، تماما عن هذا التّمزّق : «باعتباري نقابيّا قاعديّا أقول إنّنا تعبنا. بالأمس كنّا نقاوم التّجمّع الدّستوريّ الدّيمقراطيّ، واليوم النّهضة عوضا عن أن نهتمّ بقضايانا - مثل إعادة ترتيب أمورنا الدّاخليّة – ونقترح حلولا اقتصاديّة بديلة، الخ. إنّنا نجد أنفسنا محاصرين بين النّهضة وجبهة عريضة من المعارضة الّتي يمكن أن تتمحور حول السّيّد السّبسي (وجه من النّظام السّابق)، وليس لنا الوقت لكي نقترح سبلا أخرى.»
بشكل أكثر عموميّة، يطرح انتظام الهجمات ضدّ الاتّحادّ العامّ التّونسيّ للشّغل والحركات الاجتماعيّة مسألة موقف النّخب السّياسيّة إزاء المشاكل الاقتصاديّة والاجتماعيّة (5). فعلاوة على استعدادها الدّائم لتجريم الحركات المطلبيّة فهي تجد عناء في وضع هذه المسائل في صميم النّقاش. إنّ التّركيز على التّعارض بين «إسلاميين» و»ديمقراطيين» يميل إلى إعطاء الأولويّة إلى رهانات مجتمعيّة أو متّصلة بالاستيلاء على السّلطة، وذلك بالتّقليل من أهمّيّة المسألة الاجتماعيّة. تحاول الجبهة الشّعبيّة المتشكّلة حديثا وفي مقدّمتها حزب العمّال التّونسيين أن تملأ هذا الفراغ وأن تقدّم نفسها حلاّ بديلا لهذا الاستقطاب بشعارها البارز : «لا السّبسي لا الجبالي، ثورتنا ثورة زوّالي.»
في مواجهة تدهور الوضع الاقتصاديّ، تستمرّ التّحرّكات الاجتماعيّة في كلّ جهات البلاد تقريبا. وليس من شأن المجادلات حول خطر خصخصة مؤسّسات عموميّة في بعض القطاعات كالماء او الكهرباء أو الإعلام أن تهدّئ التّوتّر.
لقد وضع الانتقال السّياسيّ المضطرب على المسرح إذن حزبا في السّلطة طامعا في أن يواصل بأشكال أخرى انتهاج نفس النّموذج الاقتصاديّ النّيوليبراليّ ومعارضة مازالت عاجزة عن اقتراح شيء آخر ويعسر عليها في الوقت نفسه الوجود خارج الاتّحاد العامّ التّونسيّ للشّعل. في تصريح للشّروق بتاريخ 19 سبتمبر المنصرم، أعاد السّيّد العبّاسي خلال الجدال القويّ حول الموعد النّهائيّ ل 23 أكتوبر 2012 (6) التّأكيد على أولويّة وضع جدول سياسيّ ملحّا على تنظيم الانتخابات القادمة.
فهل سيكون الاتّحاد العامّ التّونسيّ للشّغل، باعتباره قوّة توازن في البلاد وملاذا للحركات الاجتماعيّة - كما يحلو للنّقابيين توصيفه -، قادرا على الخروج من الاعتبارات السّياسيّة القصيرة المدى وعلى ربط المطالبات السّياسيّة والوطنيّة بمشروع اقتصاديّ واجتماعيّ حقيقيّ جدير بثورة جعلت شعار «شغل، حرّيّة، كرامة وطنيّة» يتردّد صداه؟
المقال بالفرنسيّة منشور في لوموند ديبلوماتيك، نوفمبر 2012.
هالة يوسفي : أستاذة محاضرة في جامعة باريس دوفين. مؤلّفة كتاب «الاتّحاد العامّ التّونسيّ للشّغل في قلب الثّورة التّونسيّة»، دار محمّد علي للنّشر، صفاقس. سيصدر في جانفي 2013.
الهوامش :
فاز هذا التّشكيل بالانتخابات الأخيرة للمجلس التّأسيسيّ في 23 أكتوبر 2011 ب 37% من الأصوات، وشكّل مع المؤتمر من أجل الجمهوريّة والتّكتّل الدّيمقراطيّ للعمل والحرّيّات «التّرويكا» الحاكمة.
الاستشهادات مقتطفة من أحاديث أجريت بين جانفي 2011 وماي 2012.
أسّس السّيّد الحبيب قيزة، عضو سابق في الاتّحادّ العامّ التّونسي للشّغل، في فيفري 2011 الكنفيدراليّة العامّة للعمّال التّونسيين. وأسّس السّيّد إسماعيل السّحباني، الأمين العامّ الأسبق للاتّحادّ العام التّونسيّ للشّغل في التّسعينات، في غرّة ماي 2011 الاتّحاد التّونسي للعمل.
صدري الخياري، «تونس. قهر، رضوخ، مقاومة. تفسّخ المدينة»، كرتلا، باريس، 2003.
شكري حمد وهالة يوسفي، «من أجل سقوط نظام بن علي»، ليبيراسيون، باريس، 29 ماي 2012.
استنادا إلى مرسوم القانون المتعلّق بانتخاب أعضاء المجلس الوطنيّ التّأسيسيّ الّذي يتوقّع الانتهاء من كتابة الدّستور في أجل لا يتجاوز السّنة انطلاقا من تاريخ إجراء الاقتراع، يقدّر قسم كبير من المعارضة أنّ يوم 23 أكتوبر 2012 يمثّل نهاية الشّرعيّة الدّستوريّة لمؤسّسات الدّولة (المجلس التّأسيسيّ، الحكومة، الرّئاسة).
هالة يوسفي - ترجمة المنتصر الحملي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.