(إلى الرّفيق الشّهيد شكري بلعيد شاعرا يحمل المشاعل) في الطريق إلى «الجلاّز» بحّت أرجل الناس، ونبحت عجلات السّيّارات القادمة من السّماء تحت رذاذ صباحات أطلت من وراء القرون. في الطريق إلى «الجلاّز» كان الناس بسطاء مثل أوراق النعناع، بأيْدٍ مترعة بالدّم والينابيع، يربّتون على أكتاف الغيم ويمجّدون الريح والمطر، يحبّون العشب والطّحالب وأفراس النّهر وبسيوف من الماء يقاتلون. «لا يحتاج النهار الى دليل» هكذا قالت وردة احترفت الشّوارع وأدمنت الطّرقات. في الطّريق إلى «الجلاّز»، التحفت النّساء والصّبايا والأزاهير بالأهلّة والنّجوم والرّذاذ الصّباحيّ. وفوق جبل «الجلاّز» التحمت السحب بهتافات الناس القادمة من جبل الجلود ومن الأعالي... إنّه غضب ا& من القتلة والمجرمين. في الثامن من فيفري رأيت ا& بقبضته العالية التي تتوعد المجرمين والقتلة... قائلا «ومن قتل نفسا بغير حق فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحيا نفسا فكأنما أحيا الناس جميعا». فوق جبل «الجلاّز» الذي امتلأ بالبشر، كان الناس فوق جبل الأولمب يحملون المشاعل، مشاعل النّصر والانتصار للحياة. من الموت تولد الحياة... «ويخرج الميت من الحيّ ويخرج الحيّ من الميت...». وفي جبل «الجلاّز»، كان الرّفيق الشّهيد شكري بلعيد يحمل عشبة الخلود مثل أنكيدو... شيء ما يحلّق في الأعالي ... شيء ما يرفرف في الأعالي... ولقد التمعت فوق الجبل ملايين أجنحة الملائكة التي رأيناها نحن الشّعراء ولم يرها الموتى الذين عميت قلوبهم وأبصارهم ... لقد التمعت ملايين الأجنحة منادية شعراء تونس والعالم العربي وشعراء العالم «الشهداء والعلماء في مرتبة الأنبياء والصديقين» أن ادخلوا جنات الخلد... ولسوف يلعلع هذا البيت مرة أخرى: «إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بدّ أن يستجيب القدر». ... ولأن ا& خلق العالم بكلمة «كن»، فإنه أراد لشهيد تونس والعالم العربي والعالم برمّته أن يكون شهيد الحق الذي فيه يمترون ويختلفون ... لقد أرادت الأيادي الغاشمة أن تسكت صوت الحق وا& مُظْهِرُهُ ولو كره الظالمون ... فَلْتُزَغْرِدْ نساء الأرض لروح شهيد رفرفت في الأعالي وَلْتَصْدَحْ حناجر الرجال «يا بلعيد يا شهيد، على دربك لن نحيد» ولنتذكر كلمات الشابي: «ألا أيّها الظّالم المستبدّ حبيب الظّلام عدوّ الحياهْ سخرتَ بأنّات شعب وكفّك مخضوبة من دماهْ» ولتتمجّد كلمات الشعراء الأحرار مخلصين للحقّ والحياة والنّور ضد الظلمات. في جبل «الجلاّز» يا أصدقائي وأحبّتي ورفاقي، يا إخوتي الشعراء، في جبل «الجلاّز» وُلد شكري بلعيد ألف مرّة وملايين عصافير الذهب تهتف بأناشيد لم يرها أحدٌ من قَبْلُ ومن بَعْدُ... إلاهي اجعل كيدهم في تضليل. إلاهي اجعل دمَ الشّهداء طاهرا زكيّا كما وعدتَهم. إلاهي اجعل دماءَ الشهداء التي أراقوها انعتاقا نحو الحرّية والعدالة والكرامة.