في ظروف موضوعية وذاتية شبيهة بتلك التي عاشها الشهيد محمد البوعزيزي رمز ثورة 17 ديسمبر، بعد انتحار عبد السلام تريمش قرّر بائع السجائر بشوارع وأنهج العاصمة الشاب عادل الخزري البالغ من العمر 27 سنة أن يضع حدّا لحياته بعدما أخذ منه اليأس والاقصاء والتّهميش والبطالة والإيقاف بمراكز الأمن والسجون حلم الحياة الذي قدم من أجله ذات يوم من إحدى مداشر ولاية جندوبة. عادل البائع المتجوّل فارق الحياة فجر الاربعاء الماضي متأثّرا بحروقه بمستشفى الحروق البليغة ببنعروس بعد أن كان سكب على جسده قبل يوم (الثلاثاء) أمام المسرح البلدي بالعاصمة مادة سريعة الاشتعال لم تفلح فيها الاسعافات التي تلقاها ليفارق الحياة مُعيدًا للأذهان صورة الشهيد محمد البوعزيزي الذي كان بائعا متجوّلا بشوارع وأنهج مدينة سيدي بوزيد. من بوشوشة إلى «الجبّانة» شهود عيان ممّن عايشوا هذه الحادثة أمام المسرح البلدي أفادوا بأنّ الشاب الذي احترق كان يمضي بسرعة وهو يردّد بعض الكلمات لم يتبيّنوا معانيها جيّدا بعد أن فاجأهم بإشعال النار في جسده ليتحوّل بسرعة إلى كتلة لحم متفحّمة. كما أفاد البعض من الباعة الذين يعرفونه أنّ عادل هو أصيل إحدى مناطق ولاية جندوبة استقرّ بالعاصمة عند بعض أقاربه بأحد الاحياء الشعبية المتاخمة للعاصمة وقد دأب على بيع السجائر بشوارع العاصمة وكان يتعرّض مثل كلّ الباعة المنتصبين والمتجوّلين إلى مضايقة وملاحقة أعوان التراتيب البلدية وأعوان الأمن الذين يفتكون بضاعته ويصادرونها ويعتدون عليه بالعنف إذا ما حاول صدّّهم أو الامتناع عن تسليم بضاعته وقال الشهود إنّ هذه الملاحقات تصل في أحيان إلى حدّ الايقاف لمدّة أيّام بمراكز الأمن (بوشوشة) وحتى إلى السجن لأسابيع بتهمة «سمسرة وانتصاب فوضوي» وأضافوا أنّ عادل قبل الحادثة كان موقوفا بمركز بوشوشة. احتجاجات ورسائل للحكومة بعد أن غابت سيارة الاسعاف التي نقلته إلى المستشفى عن الأعين قفزت إلى أذهان المارة وزملائه الباعة الذين حلّوا على عين المكان صورة الشهيد محمد البوعزيزي رمز ثورة الحريّة والكرامة حتى انتظمت حركة احتجاجيّة تلقائية التفّ حولها عشرات المواطنين الذين رفعوا عديد الشعارات موجّهين أصابع الاتهام إلى الحكومة لاستمرارها في سياسات التهميش والاقصاء المألوفة في النظام السابق وبدت علامات الغضب والاحتقان تبرز من بين أصوات المحتجين الذين جابوا شارع بورڤيبة ثمّ وصلوا أمام مقر ولاية تونس. وعادت حركة الاحتجاج هذه بشدّة مع منتصف نهار الاربعاء عندما تناهى إلى علم الناس وفاة البائع المتجوّل عادل الخزري لتقرع من جديد نواقيس الخطر. كم من شهيد آخر حتى ندرك الكرامة؟ قبل هذه الحادثة وفي أكثر من مناسبة نبّهنا على أعمدة هذه الجريدة إلى ضرورة إيلاء هذه الشريحة من المجتمع الاهتمام اللازم درءًا لتكرار حادثة البوعزيزي خاصّة وقد أوجد هؤلاء الباعة هيكلا نقابيا مستقلاّ يتحدّث باسمهم ويعبّر عن مشاغلهم وهمومهم وتطلّعاتهم وكنّا في مناسبات أجرينا لقاءات مع هذه النقابة ومع مسؤولين جهويين كانوا أكّدوا لنا أنّ هؤلاء سيتمّ تنظيمهم في فضاء تجاري مقنن يوفّر لهم مواطن رزق قارة ويحفظ كرامتهم لكن يبدو أن لاشيء من هذا تحقّق ليبقى السؤال كم يلزمنا من شهيد جديد وكم يلزمنا من محترق آخر وكم يلزمنا من معوق ومشلول ومعتوه حتى ندرك حقّ هؤلاء في العيش بكرامة وشرف وأيّ شرف أعظم من أن يموت المرء من أجل رغيفه أو يسجن دفاعا عن كرامته. ردود فعل مختلفة وأثارت هذه الحادثة في الأوساط السياسية والاجتماعية ردود فعل مختلفة منها أنّ زملاء البوعزيزي والخزري هدّدوا بالمزيد من الوقفات الاحتجاجية والمزيد من تقديم القرابين حتى تقع الاستجابة لأهداف الثّورة والاستجابة حقّّهم المشروع في الحياة الكريمة ومحاسبة كلّ الذين مارسوا ضدّهم القمع والعنف والإهانة حتى سقط من سقط منهم محروقا. وقالت مصادر من نقابة التجار المستقلين أنّ أياديها مفتوحة للحوار والبحث عن الحلول التي يبقى أهمّّها انجاز فضاء شارع قرطاج الذي وُعدُوا به. في حين اعتبر رئيس الجمهورية المؤقت محمد المنصف المرزوقي هذه الحادثة ناقوس خطر وقال العريض رئيس الحكومة المكلّْف أنّ ملف هذه الشريحة سيحظى بالمتابعة والاهتمام وقرأ أعضاء المجلس التأسيسي الوطني الفاتحة على روح الضحية بما رأى معه الملاحظون اعترافا بالتقصير تجاه هذه الشريحة.