تونس 9 فيفري 2011 (وات) - في الوقت الذي يتجمهر فيه عدد من العمال المتعاقدين والأعوان العرضيين وأصناف أخرى من المحتجين وطالبي الشغل أمام الدوائر والمصالح البلدية بالعاصمة من اجل تسوية وضعياتهم المهنية والاجتماعية يواصل الباعة المتجولون المنتصبون بشارع الحبيب بورقيبة بقلب العاصمة العمل وراء عرباتهم البسيطة لبيع "السجائر" و"الكاكي" و"القطانية".. أنهم مواطنون أنهكهم الترحال وبدت عليهم آثار سنين الجري وراء لقمة العيش غير عابئين بهرج ومرج المارة من حولهم وبحركة العربات المصفحة والأسلاك الشائكة التي أقامتها قوات الجيش الوطني قبالة وزارة الداخلية. شارع الحبيب بورقيبة القلب النابض للعاصمة الذي كان إلى وقت غير بعيد ممنوعا عليهم الاقتراب منه أصبح اليوم قبلة عدد كبير من الباعة المتجولين الذين أتوا من كل حدب وصوب من اجل اقتلاع موطىء قدم على رصيف الشارع الأشهر والأجمل وسط العاصمة. كمال (33 سنة) واحمد (48 سنة) وسامي (22 سنة) ..عندما تراهم مصطفين في غير انسجام يخيل إليك للوهلة الأولى انك أمام سفارة فرنسا في طابور انتظار الحصول على الفيزا. كمال السعيدي بائع السجائر الذي وقف منتصبا وراء عربته أمام تمثال ابن خلدون وعلى مقربة من المسرح البلدى عندما تقدمنا لنتحدث اليه ابدى انزعاجه //اقوم بهذا العمل منذ 7 سنوات ولم يهتم احد لشأني.. فقط اعوان البلدية وجوههم مالوفة لدينا دائما وراءنا يتعقبوننا من شارع الى اخر ولا تتردد على السنتهم الا عبارة /ممنوع/. واضاف متسائلا //ابي متوف وانا لا اتقن اى عمل اخر.. لي اربعة اشقاء في عنقي وانا مسؤول عن قوتهم ودراستهم. عن اماله واحلامه بعد الثورة قال //أجني بين 10 و15 دينارا يوميا من عرق جبيني..احلامي بسيطة مثل احلام الشهيد محمد البوعزيزى /هنا بدا متاثرا/ لا اريد غير رخصة من البلدية تمكنني من فتح كشك لبيع السجائر والعيش ب/كرامة/ مثل بقية البشر. على مقربة من دورية لقوات التدخل وقف سامي بائع /القطانية/ غير ابه بما حوله تركيزه منصب فقط على بضاعته البسيطة //انت صحفي يمكنك ان تنقل صيحتي الى من يهمه الامر. قال لي بصوت مرتجف ...البلدية افتكت مني عربتي قبل الثورة بايام قليلة.. لم اسدد بعد ثمنها /700د/ .// واضاف //أنا اصيل معتمدية نصر الله /القيروان/ أتيت الى العاصمة بعد ان تقطعت بي السبل.. ولم اجد عملا.اقطن عند اقربائي بمنطقة خزندار واكسب رزقي من عرق جبيني 10د يوميا لن تفتح امامي ابواب الجنة لكنها تكفيني لكي لا /أتسول/ في بلدى. بقامته الطويلة ولباسه الرياضي وقبعته الزرقاء .. خلف عربته التي تتصدرها صورة عملاقة ل /تشي غيفارا/ .. تخاله لاعب كرة سلة.. لولا اثار سنوات الشقاء والبوس على قسماته. انه احمد بائع الفواكه الجافة //أنا اب لثمانية ابناء /7 بنات وولد واحد/ اقطن في بن عروس. ابني الوحيد صاحب العربة تلك لبيع السجائر /مشيرا بيده/ لم يتجاوز 16 سنة..ارجو ان يكون حظه افضل من حظ ابيه//. واضاف //قد تكون هذه الثورة الشعبية طالع خير على الشباب الذى في سنه.. انا ولدت فقيرا وعشت فقيرا...لكن بكرامة وعزة نفس.. لم امد يدى لاحد شعارى في الحياة /على قدر كسائي امد رجلي/ .. ولا يهمني ان اموت كذلك فقيرا .. لكن حسرتي ستكون كبيرة اذا لم يتمكن ابني وانا على قيد الحياة من ان /يقفز بنفسه/ ويعيش /مستورا/ في بلده// قال ذلك قبل ان يمضي متسائلا //او ليست هذه بلادنا ايضا.