تفاعلا مع احتفالات المرأة التونسية باليوم العالمي للمرأة نظم قسم المرأة والشباب العامل بالاتحاد الجهوي للشغل بمنوبة مساء الأحد الماضي أمسية ثقافية متميزة راوحت بين الشعر والحديث حول واقع المرأة التونسية الراهن من خلال المحاضرتين اللتين قدمتهما الاستاذتان فضيلة العواني وناجية الوريقي بوعجيلة فيما كانت المداخلات الشعرية للأستاذة كوثر الملاخ. وللإشارة نقول أن هذه الأمسية التي نشطها الاخ محمد بلخير عضو المكتب التنفيذي للاتحاد الجهوي للشغل بمنوبة قد حضرتها رغم موعدها الذي تزامن مع عطلة نهاية الاسبوع عديد الوجوه النسائية من مختلف القطاعات بالجهة وكذلك عدد من الشبان والشابات مازالوا في سن التمدرس وايضا حضر البعض من اعضاء المكتب التنفيذي للجنة الوطنية للمرأة العاملة واللجنة الجهوية بمنوبة وعدد من النقابيين بالجهة. الأمسية افتتحتها الاستاذة كوثر الملاخ بقصيدة شعرية رائعة مهداة الى روح الشهيد شكري بلعيد وكان ذلك بعد ان وضع الاخ محمد بلخير الأمسية في اطارها الذي وجهه نحو نضالات المرأة التونسية بصورة عامة والمرأة العاملة بصفة خاصة مؤكدا على حتمية التفاعل مع واقع المرأة والتحديات المفروضة عليها سيّما في هذه المرحلة التي تشهد التفافا على حقوق المرأة ومكاسبها ومحاولات ضرب حريتها وإعاقة تطورها وتقدمها. المرأة الريفية مغيّبة في الإحصائيات تناولت الأستاذة فضيلة العواني في محاضرتها ثلاثة محاور أساسية: الأول يهم المرأة في المخيال التونسي مؤكدة على تراكمات الحضارات التي تعاقبت على بلادنا مبرزة ان المرأة كانت فاعلة على الصعيد السياسي منذ عهد عليسة الى الكاهنة البربرية والجازية الهلالية وصولا الى عزيزة عثمانة والسيدة المنوبية وغيرهن وقالت الاستاذة إن هذا الكم من النساء اللائي لعبن أدورا اساسية في السياسة والمجتمع يعطينا انطباعا عن مكانة المرأة في تاريخنا والمراتب العالية التي كانت تحتلها في المجتمع والمخيال الجماعي. أما المحور الثاني وهو الذي قدمت فيه الاستاذة مقارنة بين مكانة المرأة في التاريخ والمخيال الفرنسي مؤكدة أن تاريخ فرنسا لا يتوفر الا على وجه وحيد للمرأة المناضلة وهي «جان دارك» التي جعلوا منها مثلا للدفاع عن الوطن وأعطوا اسمها للشوارع والساحات ولأكبر باخرة حرب وألفوا حولها الكتب وعشرات الافلام واللوحات الزيتية في حين أكدت أنها لم تعثر في تراثنا الا على الورقات القليلة المتباينة بخصوص عليسة وإشارات متواضعة عن الكاهنة بينما ظل الصمت يلفّ سيرة الأخريات من أمثال عزيزة عثمانة والجازية والسيدة المنوبية مؤكدة ان بإمكان حضارتنا العربية التونسية إقراض العالم كله سيرة شهيراتنا خاصة من خلال ما كتبه المثقفون مثل حسن حسني عبد الوهاب ومحمد المرزوقي والطاهر الحداد الى جرأة بورقيبة السياسية الذي راهن على دور المرأة في بناء الدولة الحديثة. وركزت الأستاذة في المحور الثالث لمحاضرتها على المرأة ومشاركتها على الصعيد الاجتماعي وذلك من خلال احصائيات أكدت أنها لا تثق بمصادرها كثيرا مبرزة ان المرأة الريفية التي تعمل في الفلاحة والنسيج التقليدي لا تدخل في حساب هذه المعدلات وان المرأة الريفية لا يقرّ لها أحد بعديد الاعمال التي تقوم بها يوميا مقدمة مقارنة بالمرأة العاطلة في البلدان السكندينافية التي تتقاضى جراية ولها الحق في التقاعد لأن المجتمع يعترف لها بما تقوم به من خدمات عائلية يعتبرونها قوام المجتمع. المفاهيم المغيّبة بين علماء الدين أما الأستاذة ناجية الوريقي بوعجيلة فقدمت محاضرة اهتمت فيها بما غيبه الخطاب الديني الرسمي حول المرأة في الإسلام واعتبارا لما أحاطت به الاستاذة مداخلتها من سندات قرآنية وسيرية عن الرسول محمد صلى ا& عليه وسلم وصحبه والفقهاء فإننا سنحاول اقتطاف بعض الفقرات من هذه المحاضرة بكل احتراز. المحاضرة انطلقت من مسألة التشريع والنص القرآني في ما أهمله الخطاب الرسمي وذلك من خلال مواقف لعمر وتجربته التشريعية التي كانت محددا اساسيا شهد خلالها المجتمع الاسلامي الناشئ منعرجا حاسما في طريق التأسس والبحث عن المرتكزات المعنوية والمادية التي تضمن له الاستقرار الداخلي. وتحدثت الاساتذة في هذا السياق عن المستوى المالي التنظيمي ثم المستوى القضائي ومن بعده المستوى الاجتماعي الذي ابرزت منه مبادرة عمر باتخاذ بعض الاجراءات ذات الطابع الانساني من قبيل إِعْتَاقِ أمهات الأولاد حيث منع بيعها استنادا الى ارادة الخير وذكرت ان عمر سن اجراءات اجتماعية اخرى لم تسلم من نزوعه الاخلاقي المتشدد مثل فقد منع المسلمين مما أحله القرآن من أنواع معينة من الزواج مثل زواج المتعة. وفي محور آخر تناولت الاستاذة ما غيّبه علماء الدين مما جاء في القرآن وفي السيرة وأبرزت بالخصوص الجانب المتعلق بضرب النساء ومسألة الحجاب ومسألة تعدد الزوجات. أما المحور الأخير فاهتمت فيه الاستاذة بما غيّبه علماء الدين من تاريخ المرأة في الاسلام بدءا من خديجة بنت خويلد الى الشفاء بنت عبد ا& وسكينة بنت الحسين. هذا وانتهت الأمسية بنقاش حرّ بين كل المشاركات حول أمهات القضايا المطروحة على المرأة التونسية ومنها بالأساس دسترة حقوقها والمحافظة على مكاسبها مثلما برز ذلك جليّا في التفاعلات وخاصة في ما ورد بمداخلة الأخت سهام بوستّة عضوة اللجنة الوطنية للمرأة العاملة بالاتحاد العام التونسي للشغل.