في جولة إلى معتمدية روّاد من ولاية آريانة وهي لا تبعد عن العاصمة سوى 10 كيلومترات تقريبا وقفنا على حقائق مذهلة تدعو إلى التساؤل والانشغال لأن حي الغزالة بهذه المدينة كان مضرب الأمثال في الهدوء والسكينة فإذا به يتحوّل إلى بؤرة للسلفية, وهو ما أثار حفيظة عدد غير قليل من المتساكنين ممّن طلبوا منّا التحوّل على عين المكان لمعاينة مختلف مظاهر الحياة اليومية التي قلبت ملامح الحيّ رأسا على عقب, وننقل في هذا التحقيق بعض ما رسمناه من اخلالات في بنية النسيج العمراني والحياة الجماعية. وكما يقال فإن من يرى ليس كمن سمع.. شخصيا لم أكن أتصوّر نفسي على بعد بعض الكيلومترات من العاصمة. لأن المشهد العام يوحي للوهلة الأولى بأننا في أحد أحياء أفغانستان. معتمدية روّاد هي من أكبر المعتمديات في الجمهورية تمتدّ على مساحات شاسعة تجمع بين كل متناقضات الطبيعة من مرتفعات جبلية و غابات وسباخ ومنبسطات وشريط ساحلي يربط بين قلعة الأندلس و شاطئ قمرت, كما تتميّز المعتمدية بكثافتها السكنية والتفاوت الاجتماعي الصارخ. إذ أقيمت على امتداد السنوات الأخيرة عديد الأحياء السكنية العشوائية وهي تشكل حزاما أسود, نذكر منها خاصة حيّ الأكراد و حيّ خميس وحيّ عيشوشة ووادي الخياط و غيرها من الأحياء التي تضمّ نسبة مرتفعة من المعطلين والمهمّشين النازحين من جهات أخرى. هؤلاء المتساكنين يعانون الأمرين لافتقارهم إلى المرافق الحياتية الأساسية. ومما زاد في معاناتهم افتقار الجهة إلى المؤسسات المشغلة لليد العاملة, فظلوا يتأرجحون بين العمل الفلاحي الموسمي فيما تبقى من الأراضي الزراعية وبين عمل الحظائر وكلّها لا تسمن ولا تغني من جوع.. في المقابل أقيمت في معتمدية روّاد أحياء راقية نسبيا مثل حيّ الغزالة وإقامة آدم- حديثا- و إقامة بابل و غيرها من الأحياء التي انتشرت عن طريق بعض شركات البعث العقاري بأسعار خيالية رغم النقائص العديدة على مسوى البنية الأساسية, وهذه مسألة أخرى سنعود إليها في جزء لاحق من هذا التحقيق, إذ لا يعقل أن يبلغ سعر الشقة من نوع «الطراز الرفيع نسبيا» مائة وخمسين ألف دينار وأكثر دون أن يكلف الباعث العقاري نفسه عناء الإسهام في تطوير البنية الأساسية من طرقات و أرصفة و مساحات خضراء رغم أن هذه الإقامات الفاخرة أقيمت على أراض إشتراها الباعثون من أصحابها على الشياع بسعر لا يتجاوز 10 دينارات للمتر الواحد ثم يبيعون المتر المبنيّ الواحد بخمسمائة (500 دينار). المدينة الفاضلة تستغيث.. أقيم حيّ الغزالة مند السبعينات عن طريق تعاضدية البناء التي كانت في الأصل تابعة لوزارة الفلاحة على يدي المرحوم حسان بلخوجة وكان أول من تحصل على مقاسم هم إطارات الوزارة و أعوانها بسعر لا يتجاوز 5 دينارات المتر الواحد (المتر المربع يبلغ اليوم قرابة الألف دينار إن وجد). واتسع الحيّ شيئا فشيئا ليشمل أصنافا أخرى من أصحاب المهن الحرّة والإطارات الادارية. وعلى أطراف حيّ الغزالة أقيم في التسعينات حيّ الصحافة الذي يشكو متساكنوه الأمرين من جراء ترهّل البنية التحتيّة في غياب صيانة شبكة الطرقات التي تحوّلت إلى حفر ومطبات وكأنّها مسالك فلاحية, وهذا موضوع آخر لأن مشكلة المشاكل التي تؤرّق سكان حيّ الغزالة الذي كان إلى وقت قريب - يطلق عليه هي الهجمة السلفية التي عاينا بعض مظاهرها البادية للعيان من خلال الانتصاب الفوضوي أمام جامع الشيخ الزغواني بما يشبه إلى حدّ كبير المشهد المألوف أمام جامع الفتح بالعاصمة, بل هي نسخة مطابقة للأصل. والغريب أن البعض من التجار السلفيين اتخذوا من الفضاء الداخلي للجامع مأوى لعرباتهم المجرورة ليلا نهارا, وبعضهم الآخر افترشوا حشايا داخل الجامع ينعمون بالنوم الهادئ غير عابئين بحرمة الجامع حتى أن الكثير من المسؤولين أصبحوا يفضلون إقامة صلواتهم في بيوتهم أو في مساجد أخرى وهو ما أصرّ لنا به أحد الأئمة الذي فضّل عدم الكشف عن هويته مستنكرا هذه الممارسات المنافية لأبسط قواعد احترام بيوت الله و مستنكرا بالخصوص لامبالاة السلط المحلية والجهوية لاسيما وقد وصل الأمر إلى حدّ اعتلاء أحد السلفيين منبر خطبة الجمعة وإمامة المصلين عنوة وتعسّفا ولم يتورّع عن إهانة إمام الجامع بافتكاك مكانه من على المنبر أمام ذهول المصلين. وروى لنا صاحب متجر قريب ما حدث منذ شهرين تقريبا عندما جاءت أمّ ثكلى ملتاعة فقدت إبنها الدي تمّ التغرير به. وتجنيده ضمن قوافل تجارة الموت باسم الجهاد في سوريا, وراحت تصرخ وتولول في مدخل جامع الشيخ الزغواني متوجهة إلى الإمام السلفي بقولها «حرام عليك «رجع لي إبني واذهب أنت و جاهد إذا أردت الجهاد».. القميص الأفغاني والحذاء الرياضي بالعين المجرّدة يكفي من يروز حيّ الغزالة أن يجول ببصره أمام مخبزة النفوسي قبالة جامع الشيخ الزغواني والشارع الرئيسي والأنهج القريبة المتفرّعة عنه ليشدّ انتباهه المشهد الغريب المتمثل في جحافل السلفيين الملتحين وهم بتبخترون في أأقمصتهم الأفغانية وأحذيتهم الرياضية, بعضهم يتظاهر ببيع الأعشاب الطبية والبخور والعلب التي تداوي من كل الأسقام من العجز الجنسي إلى المنشطات وما إلى ذلك من وصفات الشعوذة وبيع الأوهام وبعضهم الآخر يروّج للأقمصة الأفغانية والملابس النسائية من آخر صيحة للمحجّبات والمنقبات». أمّا بعضهم الآخر فقد اكتسحوا الساحة الرئيسية التي تفتح على المنافذ المؤدية إلى حيّ الغزالة متسبّبين في تعطيل حركة المرور وهم أصحاب شاحنات «الديماكس» وغيرها, يعرضون على قارعة الطريق «الفول والجلبانة والقنارية والبسباس وما لذّ وطاب من خضروات الموسم وغلاله بأسعار لا تقل عن الأسعار المعمول بها في الأسواق البلدية المنظمة. وقد اشتكى لنا أصحاب محلات بيع الخضر والفواكه المجاورة من هذه المنافسة غير الشريفة مستنكرين أن يكون مصدر هذه المنافسة من يتظاهرون بخشية الله. وفي سياق هذه الهجمة السّلفية لاحظ لنا أحد سكان حي الغزالة وهو إطار بنكي متقاعد, تزايد محلات بيع الفواكه الجافة بصفة ملفتة للنظر مشيرا إلى أن الكثير من أصحاب اللحيّ والأقمصة الأفغانية, والحال أن بعضهم كانوا معروفين بعلاقاتهم المسترابة مع الشعب الدستورية, وتدخل أحد جلسائه وأصحابه في مقهى «لبتوس» ليفصح عن استغرابه بقوله «لا حول ولا قوّة إلاّ بالله» وهو يستعرض أسماء من كانوا تجمعيين وأصبحوا بقدرة قادر سلفيين؟ ولمن لا يعرف موقع حيّ الغزالة فهو في صفح مرتفع جبلي يعرف باسم جبل عمّار, وقد يكتسحه أيضا البناء الفوضوي بعد الثورة خاصة وصار مصدر انشغال السكان خاصة بعد أحداث جبل الشعانبي, وقد أفصح لنا محدثونا عن خشيتهم من أن يكتسح البناء الفوضوي هذا الجبل الذي يعدّ متنفسا طبيعيا لمنطقة الغزالة بحكم كسائه الغابي وقد أقيمت فيه في وقت من الأوقات مسالك صحية لهواة الرياضة والاستجمام والخوف كل الجوف من أن يضع السلفيون أيديهم على هذا الموقع الجبلي وحمّلونا أمانة تبليغ السلط المعنية خشيتهم هذه وخاصة تحسّبهم من أي مخطط إرهابي يتتربص بهذا الجبل.. ولنا عودة لهذا الموضوع.