رغم أنّّه نقابي ومعترف وسياسي ومنحاز، إلاّ أنّه يقود قطاعا بكل مسؤولية وتواضع، فهو لا يتردّد في انتهاج الأساليب الاحتجاجية والنضالية الراقية، مثلما لا يسعى إلى اطلاق خطابات حماسيّة أو تقديم تصريحات نارية، حيث نجده على قدر هائل من الرصانة والاعتدال والقدرة على انتقاء الكلمات والمصطلحات المناسبة. الأخ محمد علي العمدوني الكاتب العام للنقابة العامة للعدلية، قد عمل منذ تحملّه المسؤولية على تحقيق نقلة نوعية في نضالات القطاع والدفاع عن حقوق منظوريه بكل شجاعة وشراسة. وهو الآن مستعدّ وقطاعه للدخول في شكل نضالي يقاطع أداء المحاكم إن لم تلب المطالب المشروعة والتي تشهد محاولات ربح الوقت في تحقيقها. صباح يوم 6 فيفري ببطحاء محمد علي كنت أوّل من سمع نبأ استشهاد شكري بلعيد وقد بكيت في ذلك اليوم بكاءً مُرًّا فهل بكيت رحيل الزعيم أم مستقبل الوطد أم آفاق الجبهة الشعبية؟ نعم، بكيت على تونس من يد الغدر والارهاب الأسود، الذي أطلّ علينا بهذه الجريمة النكراء. وبكيت أيضا صديقا ورفيقًا والذي فهم الواقع التونسي بدقة ومتطلّبات المرحلة الرّاهنة، حيث بادر بالدعوة إلى عقد مؤتمر وطني لمقاومة الارهاب. وقد بادرت أطراف العدالة من كتبة ومحامين وقضاة إلى اعلان الاضراب لمدّة يومين. محمد علي العمدوني من القيادات النقابية التقدّمية، ألا يحقّ لأصحاب الفكر اليميني تحمّل مسؤولية قياديين صلب المنظمة الشغيلة؟ العمل النقابي والنضال الاجتماعي بكل مفاهيمه السامية وقيمه النبيلة والهادف إلى وضع حدّ لاستغلال الانسان لأخيه الانسان وتحقيق العدالة الاجتماعية والتساوي في الاحتياجات الحياتية، في السكن والصحة والتعليم والشغل اللائق وضمان حرية التعبير والتنظيم قد ولدا من رحم الفكر التقدمي، وعليه، فإنّهما نقضا الاستكانة والرضاء بالدونية والحط من القيمة الانسانية، وهذه القيم لا يمكن أن تكون ضمن المنظومة الفكرية والعقائدية لليمين بكل تلويناته، والدليل على ذلك أنّ ألمانيا النازية وايطاليا الفاشية كانتا معاديتين للعمل النقابي. يرى العديد من المراقبين أنّ الاتحاد العام التونسي للشغل قد أصبح أسير ثلاثة تيّارات سياسية كبرى، ألا يفسد العمل السياسي النضال النقابي ويرمي به في اتون حروب ايديولوجية؟ الاتحاد العام التونسي للشغل خيمة لكلّ الأطراف بجميع مآربها ومشاربها الفكرية، والفيصل بين الجميع هو مدى الالتزام بمبادئ المنظمة الشغيلة وبنظامها الداخلي وقانونها الأساسي، الضامن وحده لاستقلالية القرار النقابي ولعدم انفراد أي طرف بهذا القرار. والحقيقة أنّ المناضلين بامكانهم توظيف قدراتهم السياسية والفكرية للعمل النقابي ولكن ليس بامكانهم توظيف النضال النقابي لأغراض حزبية أو سياسية. باتت الساحة السياسية التونسية مقسمة بين حركة النهضة والاتحاد من أجل تونس والجبهة الشعبية، فأي من الأطراف تراها قادرة على تحقيق آمال الشعب في التنمية والديمقراطية والشغل خلال المرحلة القادمة؟ نحن في صف من يدافع عن مدنية الدولة والمساواة والقضاء المستقل والاعلام الحرّ ويضمن الخدمات الأساسية للمواطن من مجانية التعليم والصحة والحق في الشغل والتوزيع العادل للخيرات والنماء المتوازن بين الجهات ومع من يدافع على حرية التنظم واقرار دستور لكلّ التونسيين يضمن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية كجزء لا يتجزأ من كونية حقوق الانسان. باعتبار أنّ قطاعكم أحد أجنحة العدالة في تونس، فإلى أي مدى يمكن الحديث عن استقلالية القضاء في بلادنا؟ إنّ قطاع كتبة المحاكم وأعوان العدلية يقوم بمهامه ومشمولاته على الوجه الأكمل بما يدعم منظومة القضاء والعدالة، وبهذا المعنى، فهو الركيزة الأساسية لأي عمل قضائي. وإنّ اقرار استقلال السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية في مشروع الدستور الجديد، لابدّ أن لا يخلو من الحديث عن موقعية كتبة المحاكم وأعوان العدلية وتحديد موقعهم بين السلط الثلاث، خاصّة ونحن نقوم بدور مزدوج بين ماهو قضائي وما هو تنفيذي. أي أنّنا همزة الوصل بين السلطتين ويمكن أن يكون بمقدور قطاعنا لعب دور الوسيط بين السلطة القضائية ومساعدي القضاء من محامين وعدول تنفيذ واشهاد والخبراء والمؤتمنين العدليين والمصفين والمتقاضين ولكن ظلّ هذا الدور الحيوي لا يُحظى بالمكانة التي يستحقها في سياق أداء المنظومة القضائية عامة. وبالمحصلة فنحن مع استقلالية القضاء في ادارة شأنهم من ترقية وتأديب ونقل وذلك لا يعني أيضا أنّ لهذا القطاع الحق في التدخل والانفراد باصلاح يتعلّق بهيكلة المحاكم وإعادة النظر في منظومة العدالة. وتشريعنا في هذا الاصلاح أمر لا يمكن الاستغناء عنه أو تجاهله. بقي كتبة المحاكم بلا قانون أساسي إلى حدّ اليوم، فهل يعني ذلك أنّ سلطة الاشراف ما انفكّت تسعى إلى مزيد تطويعكم وتركيعكم؟ هناك نظام أساسي وقع تحويره أربع مرّات في فترات متباينة زمنيا.. ورغم كلّ هذه التحويرات لم تستجب مضامينه إلى تطلعات أهل المهنة. وان مربط الفرس يكمن في الاقرار بأنّ سلك كتابة المحاكم هو من الأسلاك الخاصة واقعا وقانونا وذلك انطلاقا من المهام والمشمولات المنوطة بعهدته داخل منظومة العدالة، أي بما معناه ضرورة ادراجنا ضمن الأسلاك الخاصة التي وقع التنصيص عليها بالفصل الثاني من القانون عدد 112 لسنة 1983 وللحقيقة نقول، إنّنا قد أدرجنا هذا الملف ضمن أولويات نضالنا النقابي ومنذ أن تولّينا هذه المسؤولية، وأعتقد أنّ أهل القطاع باتوا على مرمى حجر من تحقيق أهدافهم، حيث أنّ مشروع القانون عدد 24 لسنة 2013 بات من أنظار المجلس الوطني التأسيسي الذي يجب أن يصادق عليه بعد أن تمّ تمريره كمشروع قانون الحكومة منذ أفريل 2013. وإنّ إدراج أهل القطاع ضمن الفصل الثاني من شأنه أن يرفع عنهم الغبن والمظالم المسلّطة عليهم منذ سنوات على غرار الحق في العطل والترقية المهنية والمنح... كيف تفهم إحالة عدد من النقابيين على القضاء بتهم مختلفة؟ نحن كقطاع كنّا قد أصدرنا موقف هيئتنا الادارية الأخيرة من هذا الملف، وقد ندّدنا من خلال القطاعات النقابية المستهدفة مثل النقل والصحة وموظفي التعليم العالي والاعلام والسياحة. وقد ساندنا من خلال هذه اللائحة كلّ الاخوة المستهدفين وندّدنا في الآن نفسه بهذه المحاكمات الجائرة ضدّ النقابيين التي يتجلّى من خلالها العداء للعمل النقابي ومحاولات يائسة لحصر أداء الاتحاد العام التونسي للشغل فيما هو اجتماعي صرف. وأنا على يقين بأنّ المنظمة الشغيلة ستبقى عصيّة على كلّ من يحاول تركيعها أو الحدّ من دورها الاجتماعي والوطني. تكرّرت الاعتداءات على القيادات والمقرّات النقابية في الآونة الأخيرة فلماذا لم تبادر من وجهة نظركم النيابة العمومية بفتح تحقيقات في الغرض؟ هذا الموقف الهجين في التقاضي وتجاهل وغضّ الطرف على الاعتداءات المتكرّرة على مقرّات الاتحاد وقياداته وعلى الخطب التكفيرية للعمل النقابي يبرز أنّ النيابة العمومية مازالت ترزح تحت وطأة السلطة التنفيذية. كيف تبدو علاقة النقابة العامة للعدلية بالهياكل النقابية في القضاء والمحاماة؟ نحن نحدّد علاقتنا بأي طرف من الأطراف على أساس احترامه لاستقلالية العمل النقابي باعتباره مدخلا للتعاون والتكامل بيننا والكلّ من موقعه، من أجل النهوض واصلاح منظومة العدالة في تقديم خدمات قضائية ذات جودة في ظلّ قضاء نزيه ومستقل، وهذا لا يمكن أن يتمّ دون تحسين الوضع المادي والمعنوي لسلك كتبة المحاكم. على اعتبار أنّ سنة 2013 هي سنة الانتخابات وتجديد الهياكل الجهوية والقطاعية، فهل تنوي مواصلة تحمّل المسؤولية صلب القطاع أم تتطلّع إلى موقع داخل المكتب التنفيذي الوطني؟ مثلما قالها القائد جورج حبش فإنّ تحمّل المسؤولية ليست غاية في حدّ ذاتها، بل شرف يوشّح صدر المناضل الذي ينال ثقة زملائه. وتكفيني ثقة أهل القطاع التي ساعدتني على العمل على الارتقاء بمكانة القطاع وتجذير روح الانتماء إلى منظمة عتيدة مثل الاتحاد العام التونسي للشغل. كيف يبدو لك مستقبل قطاع العدلية في علاقة بالمطالب المرفوعة ومحاضر الجلسات الموقعة؟ هناك تلكؤ في تطبيق ما ورد من اتفاقيات ومحاولات متكرّرة لربح مزيد من الوقت. يجابهه اصرار من مناضلي القطاع وكافة منظوريه في تحقيق مطالبهم المشروعة من منحة الاستمرار إلى الترفيع في منحة الاجراءات حتى تكون عادلة ومحفزة بالنظر لحجم العمل الذي تقوم به والاسراع باصدار القانون الأساسي. وفي صورة عدم الاستجابة إلى هذه الحقوق الأساسيّة، فإنّ أهل القطاع على استعداد للدخول في كلّ الأشكال النضالية بما فيها مقاطعة العمل خارج الوقت الرسمي بالجلسات والتحقيق والمعاينات وهو ما من شأنه شلّ العمل القضائي بكل المحاكم في مختلف أنحاء الجمهورية. وما نؤكده إنّنا على غير استعداد للعمل دون منحة استمرار ومنحة اجراءات عادلة خارج الوقت القانوني.