قد تكون الندوة الأهم، تلك التي نظّمها مجمع طب الشغل وتفقدية طب الشغل والسلامة المهنية والإطار القضائي بالمنستير تحت عنوان «الغيابات لأسباب صحّيّة» لما ورد في معطياتها وحيثياتها وأرقامها من «أخبار» ومداخلات قيّمة شرّحت مسألة الغيابات لأسباب صحية والتي أصبحت ظاهرة تقضّ مضجع الجميع لما لذلك من انعكاس على الحالة الاقتصادية العامّة وعلى الفضاء الموسّساتي وكذلك الطرف العمّالي. هذه الندوة التي افتتحها والي المنستير السيد خليفة الجبنياني شارك فيها 48 قاضيا و 100 طبيب وأكثر من 150 بين خبراء وفنّيين ومسؤولين من صندوق التأمين على المرض ووزارة الشؤون الاجتماعية إلى جانب مديري الموارد البشرية في كبريات الشركات والمؤسّسات الوطنية والخاصّة. جلستان برنامج الندوة تضمّن جلستين في كل منهما خمس مداخلات أوّلاها كانت للدكتور عامر شرادة رئيس قسم تفقدية طب الشغل والحبيب الميلي مدير مجمع طب الشغل بالمنستير حول اشكاليات الغيابات لأسباب صحّيّة وأمّا الثانية والثالثة فتضمّنت تفاصيل واحصائيات حول الظاهرة للدكاترة نجيب مريزق (كلية الطب بسوسة) وعليّة العميري وحنان مزابي ومحمد العكروت في حين تعلّقت المداخلة الرابعة بتأثيرات التغيّب عن العمل للسيد كمال عمران مدير عام تفقدية الشغل والمصالحة. عيون القانون الجلسة الثانية تميّزت بالغوص أكثر في عمق المسألة من خلال المداخلة القيّمة والجريئة للسيد توفيق الضاوي وكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بالمنستير الذي تناول فيما تناول قضيّة الشهادات الطبية المدلّسة وشهادات المجاملة حيث ذكّر بحيثيات عديدة لعلّ أبرزها (في رأينا على الأقل) هي التي يلي نصّها «بقدر حرص المشرّع التونسي على زجر تدليس الشهادات الطبية لخطورة الجرم المرتكب من طرف المواطن العادي فإنّه تعرّض إلى أنّ كل شخص يمارس مهنة طبية أو شبه طبية يُدلي على سبيل المجاملة بشهادة طبّية تتضمّن وقائع غير صحيحة تتعلّق بشخص أو يخفي أو يشهد زورا بوجود مرض أو عجز أو حمل غير حقيقي أو يذكر معلومات كاذبة حول مصدر مرض أو عجز أو سبب موت يعاقب بالسّجن لمدّة عام وبخطيّة قدرها ألف دينار ويرفع العقاب إلى 5 أعوام وبالخطية إلى 5 آلاف دينار إذا طلب أو قبل الشخص في إطار ممارسة المهنة الطبّية أو شبه طبّية لنفسه أو لغيره، مباشرة أو بواسطة مبذولات أو وعود أو عطايا أو هدايا أو منافع مقابل إقامة شهادة تتضمّن وقائع مادية غير صحيحة» أرقام مفزعة ! تلك التي أفاد بها الدكتوران الحبيب بلحاج صالح والدكتورة إيمان قلالة حول التكاليف المباشرة للغيابات لأسباب صحّية سنأتي عليها وغيرها من المسائل التي طرحتها الندوة في عددنا القادم. اتجاه واحد كل التدخّلات وأثناء النّقاش كانت في اتّجاه واحد وهو ضرورة تعميق النظر في مسألة الغياب والتغيّب، ولعلّ أكثر التدخّلات ملامسة للواقع تلك التي أتت على لسان الأستاذ عبد الحفيظ بورية رئيس المحكمة الابتدائية بالمنستير وكذلك تدخّل الاتحاد العام التونسي للشغل الطرف بل الرّقم المهم في الموضوع. (التفاصيل في العدد المقبل)