بعد الذي جرى في بنزرت يوم السبت الماضي، حمدت الله على قرارين اتخذتهما منذ عدّة سنوات، الأول خصّني شخصيا وتمثّل في مقاطعة مقابلات الكرة منذ ماي 1973 تاريخ آخر مباراة في ملعب المنزه بين ناديين عريقين تونسيين حضرتها لا لتشجيع أحد الفريقين بل بحثا عن متعة الفرجة. يومها وفي غفلة منّي فاجأتني لكمة قوية كدت من وقعها أفقد الوعي... أهدانيها أحد الجالسين قريبا منّي عقابا لي على حيادي! الثاني خصّ الذكور من أبنائي حيث نجحت في إبعادهما عن كرة القدم ممارسة وولعا وهلوسة وتوجيههما الى رياضة أخرى، لأسباب عدة وخاصة لواحد منها تمثّل في أنّ الولدين لما ذهبا مرّة لمشاهدة مباراة عادا منها منهوكين، خائرين بل مريضين لأنّهما اضطرا لقطع المسافة الفاصلة بين الملعب والمنزل مشيا على الأقدام نتيجة انقطاع وسائل النقل عن العمل خوفا عليها من التكسير والتخريب (!). هكذا فعلت أنا مع كرة القدم، وهذا بالطبع صنيع شاذ يحفظ ولا يقاس عليه، حيث لو اتبعه الناس لخلت الملاعب من المتفرجين والفرق من اللاعبين والمسابقات من المتراهنين. لكن هو صنيع رغم قسوته لم يمنعني من أن أبقى على علاقة مع كرة القدم وكلّ ما يدور فيها وحولها من مشاكل ومشاغل، بصفة يشترك فيها أغلب التونسيين وهي صفة «النبّار» وهو كما تعلمون أحسن مدرب وأحسن لاعب وأحسن حكم وأحسن مسؤول وأحسن متفرّج وأحسن متراهن وأحسن محلّل وأحسن معلّق وأحسن كاسب. فمن خلال هذه الصفة وفي علاقة بما جرى في بنزرت (وغيرها من المدن) دعوني أقترح على سلطات الكرة والرياضة عموما عندنا ما يلي: في باب المسؤولين والمدربين، لا أجد شخصيا أيّ تفسير مقنع لجلوس رئيس جمعية (عضو من هيئة ب 40 شخصا في الغالب) ومدرب محنّك (يقبض أكثر من 5 آلاف دينار شهريا) الى جانب اللاعبين الاحتياطيين. أعتقد أنّ موقع هذين المسؤولين هو كما ذهب الى ذلك العديد من الزملاء في المنصة الشرفية حتى يكونا مرجعا في حال حدوث إشكال، وأن يجلسا بالضرورة إلى جانب نظيريهما من الفريق المنافس بل أرى أنّ من واجب السلطات أن تفرض جلوس هذين المسؤولين وجوبا في مكان بعيد عن «البنك». وإلاّ فما هو دور المدرب المساعد وماهو دور نائب رئيس الجمعية ودور رئيس الفرع وما الحاجة إليهما؟ لا أذكر فيما أذكر أنّ الدكتور حامد القروي لما رأس النجم كان يجلس على البنك أو أنّ المرحوم حسان بلخوجة أو السيد الهادي الجيلاني لما رأسا الترجي جلسا يوما على «البنك» أو ان السيد عبد العزيز الأصرم فعل ذلك لما كان رئيسا للافريقي. في باب «البنك» لا أجد أيضا أي تفسير لاقامته قريبا جدّا من خط التماس، بما يمكّن اللاعبين الاحتياطيين من مشاكسة زملائهم أو منافسيهم الذين يلعبون، والرأي عندي حتى لو كان مخالفا لما جرت عليه العادة ولقرارات «الفيفا» في هذا الشأن أن يجلس الاحتياطيون أبعد ما يكون عن خط التماس وأن يقوم المدعوون منهم للعب بالحركات الاحمائية خارج الملعب الذي تجري فيه المباراة. كما يجب أن يمنع على الاحتياطيين القيام بأي حركة أو مغادرة أماكنهم أو حتّى الوقوف منها ما لم يُدعوا إلى الاستعداد للعب، وبذلك لا نترك في «البنك» الاّ المدرب المساعد والمسؤول المساعد والطبيب والعدد القليل من اللاعبين الضروريين للتعويض، فلماذا يجلس عشرة لاعبين والحال أنّنا لا نحتاج إلاّ لثلاثة؟ في باب الحكام، أتصوّر أوّلا أن يتولّى رئاسة لجنة التعيينات شخص بعيد عن عالم الكرة (لاهو لاعب قديم مثل شمام ولاهو حكم قديم مثل ناصر كريّم) ويحبّذ أن يكون قاضيا أو شخصا مشهودا له بالنزاهة، وان لا تزيد نيابته في كل الحالات عن سنة واحدة. ثانيا أن تتكوّن اللجنة نفسها من نوّاب عن النوادي مكلّفين بالتحكيم اضافة الى القاضي. ثالثا أن تتولّى اللجنة المكونة بهذا الشكل تعيين الحكام خلال اجتماع تعقده بالضرورة صباح يوم المقابلات. وتتمثّل طريقة عملها في اختيار ثلاثة حكّام رئيسيين لكلّ مقابلة، ثمّ تقع عملية قرعة يجب أن تسفر عن تعيين واحد من الحكام الثلاثة لهذه المقابلة أو تلك. وبهذه الطريقة يغادر مندوب كل فريق اجتماع لجنة التعيينات وهو يعلم أنّ واحدا من ثلاثة حكام شارك هو في اختيارهم سيدير مقابلة فريقه. رابعا، وحده رئيس اللجنة يستطيع أن يعرف أيّ حكم عيّن لأيّ مقابلة، وفي تصوّري أنّه يجب أن نضع على ذمته طائرة هيليكوبتر يمكن بواسطتها نقل الحكام الى الملاعب وهي بنزرت وتونس وباجة وجندوبة وقفصة وسوسة وصفاقس وقابس والمنستير وجرجيس والعودة بهم بعد المقابلات من حيث أخذتهم وبذلك يصل الحكم الى مقابلته ساعة أو ساعتين على أقصى تقدير قبل انطلاقتها ويتفادى الى أقصى الحدود أيّ تماس مع أطراف تلك المقابلة. خامسا، أتصوّر أنّه يجب اعفاء الحكم من اجراءات التثبت في اجازات اللاعبين والمسؤولين والمرافقين وابعاده بهذا الشكل من أيّ تلاسن معهم فيبقى محترما ومُهابا وبعيدا عن أي مصدر لتشنج يمكن أن يفقده التركيز. ثم إنّ مهمّة الحكم هي التحكيم وليس التثبت في صحّة الاجازات والأوراق فتلك مهمّة الجامعة أو الرابطة تماما مثلما تفعل الشرطة عند التثبت من صحّة جوازات السفر رغم أنّها هي التي تعدّها. في باب المسؤولين أخيرا، لا أقبل بعد اليوم كما لم أقبل منذ سنين أن نتحدّث عن مسؤولين متطوعين في وقت يحصل فيه اللاعبون والمدربون على آلاف الدنانير ويتمعش الكثيرون من الكرة. وصومًا مقبولاً وافطارًا شهيّا.