للسنة الثانية على التوالي تختار النقابات العامة للتعليم الاساسي والثانوي والاطباء الجامعيين والجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي توحيد مشاركتها في الاحتفال باليوم العالمي للمدرس، وهو يوم يحييه المربيات والمربون في الخامس من اكتوبر من كل سنة في العالم وفي مختلف مستويات التعليم وقد أقرّته اليونسكو سنة 1994 بغاية تعزيز التوصية المشتركة بينها وبين منظمة العمل الدولية لفائدة مربي التعليم الاساسي والثانوي والعالي. ان اقرار مثل هذه المناسبة لفائدة المدرس ما فتئت تتأكد ضروراته في السنوات الاخيرة حيث ان السياسة الليبرالية للرأسمال العالمي ولصندوق النقد الدولي والبنك العالمي الممولين الرئيسيين لمختلف ما يسمى ببرامج اصلاح التعليم في معظم دول العالم سعت الى فرض واقع جديد في مجال التربية ميزته سلعنة التعليم وجعله مجالا للاستثمار الخاص بغاية الربح وهو ما تطلب فرض تخلّي الدولة على التعليم العمومي والتخفيض المستمر للموارد المخصصة له وقد ادى ذلك الى تردي واقع التربية والتعليم، برامج ومناهج وتجهيزات والى التدهور المستمر لأوضاع المدرسين المهنية ولمقدرتهم الشرائية ومستواهم المعيشي ومنزلتهم الاجتماعية اضافة الى تهميش دورهم في وضع الخيارات التربوية والتعليمية وتحميلهم المسؤولية الاولى في فشلها. وفي تونس اختارت السلطة الانخراط في هذا التوجه الليبرالي والانصياع لتوصيات الجهات المموّلة وقد برز ذلك بوضوح في نوعية ومضامين «الاصلاحات» التي اعتمدت في مختلف مراحل التعليم مثل مدرسة الغد ونظام «إمد» في التعليم العالي حيث تواصل تراجع نسق الاستثمار العمومي ومعدل الانفاق على المتعلم الواحد مقابل ازياد الحوافز للمستثمرين الخواص وصرف مقادير ضخمة من ميزانية الدولة لهم ويكفي في هذا الاطار التذكير بالاجراء الاخير الذي تم بمقتضاه تخصيص مبلغ مالي قدره مليار و 400 مليون من ميزانية وزارة التربية والتكوين لفائدة مدرسة قرطاج الدولية (انظر الرائد الرسمي عدد 70 بتاريخ 31 أوت 2007). كما واصلت السلطة في صلتها بوزارتي التربية والتكوين والتعليم العالي التنكر لمطالب المدرسين المادية والمعنوية وكذلك ضرب الحق النقابي والحريات الاكاديمية رافضة تشريك أهل الاختصاص وهياكلهم النقابية المنتخبة في رسم الخيارات المتعلقة بالتربية والتعليم مما عمّق القناعة الراسخة لدى المدرسين والرأي العام بتردي الاوضاع الديمقراطية عموما في بلادنا. لقد حرصت نقابات المدرسين في تونس على التحذير من مخاطر تمادي السلطة في انتهاج مثل هذه الخيارات على منظومة التربية والتعليم والبحث العلمي مؤكدة دوما على ان ضمان حق التعليم الجيد لعامة الشعب يشترط الحفاظ على المدرسة العمومية بالارتكاز على تعليم اجباري ومجاني للعموم وعلى مضامين وبرامج ومعارف عقلانية وتقدمية تعزز الفكر النقدي لدى الناشئة وترسخ لديهم ثقافة المواطنة وحقوق الانسان وقيم الاعتزاز بانتمائهم القومي والانفتاح على الجوانب النيرة من الحضارة الانسانية. ان تحقيق هذه الاهداف وضمان جودة التعليم العمومي لا يمكن ان يتما الا باحترام الحق النقابي والحريات الاكاديمية وتشريك فعلي للنقابات في رسم الخيارات وصياغة البرامج وتركيز آليات تسيير ديمقراطي داخل المدارس والمعاهد والجامعات تقطع مع التصرف الاحادي الجانب وتضمن دورا فعليا للمربين وهياكلهم النقابية، كما ان تحسين ظروف العمل والارتقاء بالوضع المهني للمدرسين من ضمان للشغل القار لهم وايقاف انتدابهم بعقود عمل وقتية وتمكينهم من اجور محترمة وتحسين منزلتهم الاجتماعية يعتبر شرطا لا غنى عنه لتحسين مردود المنظومة التربوية. ان نقابات التعليم وهي تحيي هذا اليوم تؤكد ان لا خيار امام المدرسين سوى مزيد احكام التنسيق بين الهياكل التي تمثلهم وتفعيل العمل والنضال المشترك من اجل اعادة الاعتبار للمدرس وكرامته وضمان حقوقه المادية والمعنوية والانتصار لطموحات شعبه في ضمان تعليم عمومي جيد المردود. ان المدرسين في تونس التزاما منهم بثوابت العمل النقابي المناهض لكل اشكال الظلم والقهر والاستغلال وانطلاقا من مبادئ الاتحاد العام التونسي للشغل المناهضة للتطبيع والداعمة لحركات التحرر يعبرون عن دعمهم المتواصل لزملائهم في فلسطين والعراق في نضالهم ضد الاحتلال وينبهون الى خطورة ما يجري من تصفية جسدية طالت مئات المربين والعلماء والاكاديميين خاصة في العراق ومن نسف المؤسسة التربوية وتدخل سافر في المناهج والبرامج التربوية لخدمة الاهداف الامبريالية والصهيونية، كما يجددون دعوتهم للمدرسين في تونس ولجميع المربين المنتصرين لقضايا العدل والحرية في العالم لتقديم كافة اشكال الدعم المادي والمعنوي لزملائهم في فلسطين ولبنان والعراق إجلالا لرسالتهم ولدورهم في مقاومة الاحتلال.