نقرّ أولا بأننا نستعمل هذا العلم (أسامة بن لادن) باعتباره رمزا عاما للتيار الديني الذي ينعت بكونه متشددا او متطرفا. ونقرّ ثانيا بالمجازفة التي تحتويها لغة العنوان. فنحن نستعمل لفظة «الحتمية» تجوزا لغاية تقريب المعنى إذ يتعذر على اي شخص. كائنا من كان، ان يكون حتميا بالمعنى الفلسفي الدقيق للكلمة (1). ونقرّ ثالثا بأن العنوان سؤال افتراضي لا ندعي القدرة على الاجابة عنه. فحسبنا ان نوسع مجاله الاستفهامي وان نفترض له بعض الردود. يتطلب القول على سبيل الاستفهام بأن السيد أسامة بن لادن حتمية سياسية، البحث في دوافع نشأة هذه الحتمية الافتراضية. وقد قسمنا الدوافع قسمين: داخلية وخارجية. 1 الدوافع الداخلية: ما الذي يحتم نشأة «الظاهرة اللادنية» في الداخل العربي الاسلامي؟ إن المأزق الذي وصلت إليه الاديولوجيات اليسارية والقومية في البلاد العربية الاسلامية قد ترك الساحة السياسية مطلقة الرحابة تقريبا امام الفكر القائم على اساس ديني. فالاديولوجيات المنسحبة طوعا او المرغمة على الانسحاب قسرا. قد تراجعت عن خط الدفاع الاول. واكتفت بالمراقبة احيانا وبالاحتجاج الرمزي اخرى ويترقب الفرص السانحة للعودة الى واجهة الاحداث مرات، واضطرت مرات اخرى الى ان تراجع أسسها المبدئية والعملية سعيا الى ضمان الحد الادني من شروط البقاء. بل إن بعض أنصار تلك الاديولوجيات قد اختار الحل البراغماتي الانسب فراهن على الفرس الشباق (وهو هنا التيار الديني) في حلبة انكفأت فيها بقية الخيول على وجوهها متمرغة في الأوحال. ولأن الوضع العربي الاسلامي مأزوم ومسيّج بكل عوامل الانحطاط، لم نكن ننتظر من الفكر الديني، وهو يكتسح الساحة الخاوية، ان يخرج علينا بمعتزلة جدد ولا حتى بأشاعرة معاصرين. كان من المتوقع ان يعلوَ صوت الشق المتطرف من هذا الفكر «البديل» (أي الذي قدم نفسه باعتباره بديلا)، واهم الادلة على التطرف هو اقصاء الآخر. و «الآخر» لفظ واسع الدلالة. فهو يعني غير المؤمن والمؤمن كما يعني غير المسلم والمسلم ايضا، سواء أكان مسلما بالاعتقاد والممارسة او مسلما بمجرد الانتماء الحضاري. ان الآخر المقصى (بفتح الصاد) كافر بالضرورة. و «الكفر» هو ايضا مصطلح مرن تتسع دلالته كلما اتسعت مصالح المفتي المرتزق، وتضيق كلما ضاقت آفاق فكره أو ضاق مجاله الحيوي. ولإقصاء «الآخر الكافر» مظاهر عدة، أخطرها الذبح على الهوية الطائفية (2) والتكفير المتبادل بين المذاهب المتناحرة على اساس الفتاوى المعلنة والمصالح المسكوت عنها. وفي خضم هذه «الفوضى الخلاقة» من الفتاوى المهولة كمًا والمفجعة نوعا، (ربما لم يوجد لهذه الفتاوى نظير حتى في أقسى عصور انحطاط الدولة العربية الاسلامية) بدا هذا التيار العائد الى الساحة السياسية والفكرية والاجتماعية بقوة طاغية مجلجلة كأنما هو انتحار جماعي للعقل العربي الاسلامي والعان غير رسمي لهذا المشروع : «نحن لا نفكر، انما نعدم كل من يحرؤ على ان يفكر». للتيار الديني قدرة مدهشة على استقطاب القواعد الجماهيرية وعلى مراوغة الخصوم والمنافسين، فكثيرا ما ينفي صلته بالسياسة باعتبارها آلة نفوذ، ان السياسة، حسب ادعاءات زعمائه، مجرد وسيلة دنيوية غايتها استعادة التاريخ الاسلامي المجيد الذي خرّبه تحالف عدوين: أولهما داخلي يتوزع بين استفحال الكفر الجماعي في البلاد العربية الاسلامية وبين عمالة الأنظمة السياسية المحلية للغرب. وثانيهما خارجي يتمثل في الاطماع التاريخية للاستعماريين الصليبيين القدامى والجدد. تجد هذه الادعاءات صدى طيبا في نفوس شعوبنا التي تكابد سياسة التجهيل القسري والتي ينكل بها حكامها بوعي مدروس او بجهل جهول. ان معاناة القهر في الداخل والمهانة في الخارج (الغربي بالاساس) تدفع «المواطن» (نستعمل الكلمة بالمعني اللغوي فحسب، لان معناها الاصطلاحي منظور لم يتحقق بعد على أرض واقعنا) العربي الاسلامي الى ان يتحصن بمن قدم نفسه حامي الحمى والدين ومسترد الحقوق المستباحة ومحرر الارض المغتصبة والفاتك بالساسة الطغاة، والى ان يتمسح بأذيال ثوب هذا «الراعي الصالح» عسى ان يحيي الاحلام الجماعية الدفينة منذ عقود. اما خطاب الزعيم الديني فهو منسجم مع المتلقي مراع لحاجاته النفسية ولطاقاته الذهنية. وفيه يتجاهل الخطيب (الديني السياسي) الجدل العقلاني ما أمكن، ويضخم الانجازات البسيطة والوقائع الهينة ويلمع المشاهد الارهابية البشعة، ولا ينسى ان يوشي خطابه بنصوص دينية عزلها من سياقها كي يقولها ما لم تقل، وكلما تضخم الخطاب، تنامى احساس الجماهير العريضة بالأمان. والاحساس بالأمان يجعلها تسلم أمرها الى الزعيم «المنقذ من الضلال» (3)، فيبدو حال الجماهير مع الزعيم كحال المريد مع الشيخ عند المتصوفة: إن الطاعة العمياء هي المكون الرئيس للعلاقة بين الطرفين، فليس للجماهير ان تنقد ما تسمع وما ترى. انما عليها ان تهلل وتكبر وتهتف بحياة «أميرها» وقد تجهش بالبكاء في حضرته! بناء على هذا، نفترض انه لو لم يصعد نجم السيد أسامة بن لادن الكائن الفردي الهوية الشخصية المعروفة، لصعد نجم اخر يؤدي الدور نفسه وان بهوية شخصية مختلفة. فالظرف التاريخي المحلي مدفوع الى انشاء هذه الظاهرة اللادنية (اي الزعامة الدينية المتطرفة) لسد الفراغ المهيمن على مستوى النخب الفكرية والسياسية وعلى مستوى القواعد الجماهيرية سواء بسواء. ان شعوبنا مستعدة الى تقبل هذه الظاهرة في حالة وجودها جاهزة معدة للاستهلاك استعدادها الى صنعها واعادة انتاجها في حالة عدم وجودها، بل قد يتسع هذا الاستعداد الذي هو نفسي بالاساس قبل ان يكون فكريا الى الرغبة العارمة في تصدير الظاهرة او بعبارة اخرى «تصدير الثورة». ان الحسرة على الامس البعيد الذي زين (بضم الزاي) بالالوان الاصلية المشرقة دون غيرها، واليأس من حاضر خانق مؤرق، والحيرة على غد غامض الملامح ضبابي الآفاق، كلها عوامل تفاعلت، فخلفت حالة نفسية عامة تكابدها شعوبنا بدرجات مختلفة ومتفاوتة. وهني حالة بلغت من العمق مدى جعلها تمنع أو تكاد محاولات إعمال العقل الناقد لنقل تجوزا، انها حالة «اكتئاب جماعي» والاكتئاب المرضي قد تنتاب المصاب به نوبات نشاط بدني وذهني ونفسي لا يبررها منطق او حدث وكذا الحال بالنسبة الى شعوبنا، اذ يحدث ان تنتابها نوبات حماسة ملتهبة تمر مرور الكرام احيانا وتأكل الاخضر واليابس احيانا اخرى، ثم تخبو الجذوة، فكأنها لم تكن اذ لم يكن في تلك الحماسة قدر ضروري من العقلانية يخصبها ويغذيها ويصلب عودها. ويحدث ان تظل هذه الحماسة مستترة خجلى من الانفضاح مشوبة بالتشفي خاصة عندما يذبح عناصر «القاعدة» عدوا ما (هو عدو بالقوة وان لم يكن عدوا بالفعل) ذبحا علنيا، ثم يتصافحون باسمين ويتبادلون التهاني عند رأسه المقطوع النازف ما أقرب هذا المشهد البشع مما كان يفعله أكلة لحوم البشر! وما أشبه رقصات أولئك الغابرين حول الجسد الآدمي الذبيح بمصافحات هؤلاء المعاصرين وابتساماتهم وتهانيهم المقززة لأي حس انساني سوي او شبه سوي. وان كان مبرر أولئك ضمان القوت او اثبات القوة او الثأر والانتقام او التقرب الى الآلهة، فما مبرر هؤلاء؟ لا ورقة توب لديهم يسترون بها عورة فعلتهم اللاانسانية النكراء (4). رغم تمايز الجماهير الغفيرة التي تدين بالظاهرة اللادنية، فانها تلتقي اجمالا في مبدإ الطاعة السلبية «للزعيم» وفي مبدإ العنف النفسي ضد الآخر الكافر بالضرورة (كما كنا بيّنا). وتستوقفنا من هذه الجماهير فئتان هما الاكثر هشاشة والأضعف مناعة. أولاهما: فئة الشباب، فهي المستهدفة بالاحتواء لأنها ذات كفاءة عالية في القدرة على التماهي مع الزعيم والتلبس به. لقد وجد هذا الشباب العربي المسلم أخيرا ضالته، وجد «قضية» يعيش بها ولها. وليس الوعي بأبعاد هذه القضية ويخلفياتها السياسية والاقتصادية وبالصفقات المعقودة باسمها أمرا مطلوبا، فحسب هذا الشباب المستلب التائه ان يستمتع بوهم الفعل في التاريخ، لكن كيف يفعل في التاريخ من هو خارج التاريخ؟ ترى هل يخطر هذا السؤال على بال من فجروا أنفسهم في المطاعم الشعبية او في المستشفيات التي تغص بالنازفين او في جامعات العلم والمعرفة؟ ثانية الفئتين هي المراهقون، فهؤلاء في بحث دائب عن نموذج يلهب خيالهم المجنّح: لقد تراجع عنترة بن شداد مهزوما بألعاب الفيديو، وانسحب الزير سالم يجرّ أذيال الخيبة امام أفلام حرب النجوم، وها هو صلاح الدين الايوبي يرقد في كتب التاريخ المغبرة بعد ان داسته عصابات «الأرغون» (5) ومثيلاتها الشقيقات. ملخص القول، إن الفراغ الاديولوجي وحالة الاكتئاب الجماعي والرغبة في فعل الرفض أيا تكن وسائله ونتائجه، كل هذا وغيره يفسر الى حد ما قولنا بأن نشأة «الظاهرة اللادنية» حتمها الداخل العربي الاسلامي. 2 الدوافع الخارجية: ما الذي يحتم تصنيع الظاهرة اللادنية من طرف الخارج الغربي؟ نفترض بدءا ان الغرب بزعامة صقور البيت الابيض قد قرر ان يعجز عن القاء القبض على زعيم القاعدة السيد أسامة بن لادن، لم يعجز لأن جبال «تورابورا» التي كادت القنابل المنهمرة عليها تحيلها سهولا منبسطة، قد استعصت على جنوده المدججين بالسلاح، ولم يعجز لأن العملاء والخونة قد ندرت عملتهم، ولا لأن أقمار التجسس المعربدة في سماء البلاد العربية الاسلامية قد استقالت من مهامها ولا لأن الزعيم «معصوم» من الخطر... نعتقد الى هذه اللحظة على الاقل، ان هذا العجز مفتعل ومعد سلفا فاذا أحرقت الورقة اللادنية، من الحرب على الارهاب وقد صارت مسألة مصيرية لدى رافعي رايتها؟ وكيف السبيل الى ترهيب الرأي العام الامريكي والعالمي اذا قيد المطلوب رقم واحد؟ وكيف سيبرر الغزو الاستعماري للحقول النفطية العربية اذا حل محرك الفتنة الداخلية ومشعل الحرب الاقليمية المستشرفة (بفتح الراء) ضيفا على معتقل «غوانتانامو» او اي نسخة من نسخه المتناثرة هنا وهناك. ليس بعيدا اذن ان تكون الظاهرة اللادنية بضاعة امريكية أعدت وفق شروط الذائقة العربية الاسلامية لتظل الى اجل غير مسمى ورقة ضغط في يد المنتج ضد المستهلك. فهذه الظاهرة تؤدي أدوارا متشابكة متعاضدة. نلخصها في ثلاثة، أولها: الدور التبريري: إذ تقدم الظاهرة بعض المبررات للغزو الاستعماري الدموي الذي اسدل عليه قادته قناع محاربة الارهاب واستطاع محللو احداث «الحادي عشر من سبتمبر 2001» الغامضة المشبوهة ان يروجوا باقتدار الشعار التالي: «ما دام الارهاب (الاسلامي) يستهدفنا في ديارنا فلنقض عليه في عقر داره!». ثانيها: الدور الترهيبي: إذ استطاعت الحكومات الغربية ان تلجم شعوبها إلجاما متفاوت الدرجات، عن الاحتجاج ضد جرائم جنودها الذين استباحوا كل القيم الاخلاقية والانسانية في بلاد الرافدين خاصة. وأداة الالجام هي التخويف من الآخر المسلم الذي تحالفت ضده تقنيات سينما الخيال العلمي وآليات التمويه الاعلامي حتى تخرجا له صورة «الارهابي مصاص الدماء». وهكذا فرض صقور البيت الابيض هذا الاجراء التعسفي: «من ليس معنا فهو ضدنا» وبعبارة اخرى: «من ليس مع الارهاب الابيض (6) فهو مع الارهاب الاسود»، ان زرع الرعب في الداخل الغربي يؤمن الجريمة المنظمة في الخارج العربي الاسلامي. ثالثها: الدور الفوضوي: فالفوضى شرط لازم لنهب خيرات البلد المستهدف (بفتح الدال) بلا رقيب ولا نذير، وهي شرط واجب لتصفية المناوئين والمنافسين والمقاومين تصفية غير مورطة ستقيد ضد مجهول، والمجهول هنا «علم» على رأسه نار «يجهر الأبصار، فنراه كأننا لا نراه. حسب منطق الافتراض، تلك بعض المهام المنوطة بعهدة الظاهرة اللادنية. وبعيدا عن الانخراط السلبي في نظرية المؤامرة، لا نستبعد ان يكون في الامر مؤامرة حقيقية تعاضدت فيها مواهب مرتزقة الداخل وما فيات الخارج، وتشابكت فيها مصالحهما تشابكا سلميا غالبا وتصادميا احيانا. واذا عالجنا مسلسل الذبائح البشرية الذي يشرف تنظيم القاعدة على تنفيذه، (نرجح أن اخراج هذا المسلسل ذو بصمات هوليودية!) وجدناه جزءا رئيسا من هذه المؤامرة: «إن الآدمي «العربي المسلم» لم يفارق بعد لحظة التوحش الاولى» : هذا ما تنطق به مشاهد ذبح الرهائن، وهذا ما يتلقفه الاعلام الغربي الدائر في فلك اللوبيات (جماعات الضغط) الصهيونية بلهفة صيادي الكنوز وبقدرة قادر تصير المشاهد الاستثنائية المبتورة من سياقها حجة من لا حجة له على تفاوت الاجناس والحضارات وتفاضلها تفاضلا أصليا طبيعيا. انها خدمة لا تقدر بثمن للعنصريين الذين لا يزال لهيبهم ثاويا تحت الرماد، وهي خدمة للاستعماريين الذين استبدلوا شعار «تمدين الشعوب المتخلفة» الرائج في القرن الماضي بشعار مجانس هو «نشر الديمقراطية» الذي نفش ريشه مع غزو العراق خاصة، وهي ايضا خدمة للصهاينة الذين يلوون عنق الواقع الحقيقي كي يقدموا أنفسهم في صورة الحمل الوديع الذي تحاصره قطعان الذئاب حتى من وراء «جدار الفصل العنصري». تستهدف هذه المؤامرة المحكمة أول ما تستهدف مقومات الفكر العربي الاسلامي الحر او الساعي الى التحرر، وتستهدف ثانيا كل مقومات النموّ الاجتماعي. وهذه وتلك مقومات، إن دكت (بضم الدال)، ما عاد للذخيرة المغرية من الذهب الأسود (النفط) ومن الذهب الرمادي (الغاز الطبيعي) شأن يذكر. ان الذخيرة اللعنة ينتظرها، في الظروف الراهنة، مصيران: إما النهب وإما ان تكون وقود المحرقة الجماعية التي بدأ الهشيم العربي الاسلامي يصطلي بنارها الجهنمية. تتضح وشائج القربى بين المنتج (الغرب) وبين البضاعة الاستهلاكية المعدة للتصدير (الزعامة الدينية المتطرفة) في المبدإ الرئيس الذي يدين به كل منهما، فاذا أقسم الأول: «كل مسلم هو ارهابي يجب قطع دابره» (7) حلف الثاني: «كل آخر هو كافر يجب جهاده». في المشروعين، المتناقضين في الظاهر، القدر نفسه تقريبا من الطابع الدموي والنزعة التصفوية والمنحى الاقصائي. ولذا يلحّ الغزاة على القفز قرونا الى الامام عاقدين العزم على نشر الديمقراطية المعلبة بين قوم ليسوا على استعداد لهضمها. وفي المقابل تصر الزعامة الدينية المتطرفة على النطّ قرونا الى الوراء حتى تجبر التاريخ على ان يعيد نفسه، وان في شكل مهزلة. وفي انتظار ان يستيقظ العقل والضمير عند قومنا، يستمر الطرفان في شد حبل الزمان، وهذا الحبل كما تعلمون يطوق أعناقنا فردا فردا. في نهاية المطاف تلح علينا أسئلة اخرى تولدت مما سبقها: اذا صدقنا فرضية وجود زعيم القاعدة أسامة بن لادن على أرض الواقع ثائرا مطاردا أو حليفا مقنعا، فما الثمن المدفوع له كي يرضى بحياة الشباب في كهوف «تورابورا»؟ أم هل يكون ارضاء عقدة الزعامة وعقدة جنون العظمة ثمنا كافيا؟ فهذا الزعيم تتحدث عنه كل وسائل الاعلام العالمية وتتلقف اخباره وتدفع الغالي والرخيص لتحظى بتسجيلاته، وهو فرد تمجده جماهير غفيرة صدقت بياناته وآمنت برسالته وائتمت به ثائرا لا يلين، وهو الشيخ الذي أرق المواطنين المسالمين والمدنيين الابرياء في الغرب الاوروبي والامريكي كما في كثير من الدول العربية الاسلامية، وهو رأس رؤوس المطلوبين الذي تطارده المخابرات الغربية والعربية الحليفة وتعجز، رغم ما لها من امكانات بشرية وتقنية مذهلة عن الامساك به واشفاء غليلها منه. هل هذه المطاردة على سبيل الحقيقة أم هي على سبيل المجاز فحسب؟ اذا قدر (بضم القاف) لهذا الزعيم ان يغيب عن عالمنا، فسيكون صقور البيت الابيض والماسكون بمخانق النظام العالمي الجديد وجلادو شعوب العالم الثالث اكثر الخلق حرقة عليه، وقد يبكونه بدموع من دم. ولكن لن يطول الحداد انما سيصنع (بفتح النون) خليفته بأدق التقنيات السياسية والاعلامية المتاحة. وقد يتلقى «الخليفة المنتظر» هو ايضا العلم في الجامعات الامريكية، وقد يتحالف مع المعسكر الغربي ضد المعسكر الشرقي او ما يعادله تحالفا استراتيجيا مؤقتا، وقد يشرف باقتدار على زراعة الافيون في جبال أفغانستان وعلى ترويجه عبر المافيات المحلية والاجنبية، وقد يعلن هو ايضا الجهاد المقدس ضد كفار حقيقيين او افترضيين، وبقدرة قادر سينقلب على وليّ نعمته ليرتدي عباءة الثائر المتمرد، وستتعزى به شعوبنا عن تحجرها في النقطة الصفر قائلة: «واحد منا على الاقل قد دوّخ الاعداء. لله دره من زعيم لا يقهر!». (1) الحتمية: «هي نظرية تقول بأن كل ما يحدث في الكون على الاطلاق يخضع لقانون سببي ما: الموسوعة الفلسفية العربية، المجلد الثاني القسم الاول، مادة «الحتمية» بقلم عادل ضاهر. (2) الطائفية: «نظام سياسي اجتماعي متخلف يرتكز على معاملة الفرد كجزء من فئة دينية تنوب عنه في مواقفه السياسية. «موسوعة السياسة الجزء الثالث، ط (2)، ,1993 المؤسسة العربية للدراسات والنشر. (3) العبارة هي عنوان كتاب لأبي حامد الغزالي (445 505 ه). (4) بعض هذه المشاهد الدموية يتبادله ابناء المدارس والمعاهد عبر الهاتف الجوال ويتفاخرون بحيازته ويتنافسون في القدرة على تحمل مشاهدته واستعادة تفاصيله. (5) «الأرغون»: تعني «المنظمة القومية العسكرية»، أسسها جابوتنسكي عام 1937 في فلسطين، بعد موته تزعمها مناحيم بيغن. ارتكبت جرائم ارهابية «عديدة» ضد المدنيين الفلسطينيين وضد السلطات الانكليزية ايضا. (6) «ان عبارة «الارهاب الابيض» الذي تستعمل في بعض الاحيان في مجال ارهاب الدولة ليست في الواقع سوى تورية وقحة يضلل بها الاعلام الدعائي الرأي العام»، الارهاب السياسي، د. أدونيس العكرة، ط (2)، دار الطليعة، بيروت، ص (73). (7) الدابر: من مادة (دبر): هو الاصل يقال: «قطع الله دابرهم» أي استأصلهم وقطع آخر من تبقى منهم، المنجد في اللغة والاعلام.