انتظمت ندوة متوسطيّة بمدينة الرباط المغربية يومي 12 و 13 ديسمبر 2007 حول «دليل وضع سياسات فعّالة لهجرة الأيدي العاملة»، ساهم في تنظيمها منظمة العمل الدولية والمنظمة الدولية للهجرة ومنظمة الأمن والتعاون بأوروبا وقد حاضر فيها سفراء ومديرو منظمات وخبراء ومختصّون من اسبانيا وإيطاليا ومالطة ومصر وتركيا والمغرب والجزائر ومن تونس مثّل الاتحاد النقابي المغاربي الأمين العام المساعد المكلف بالاعلام الأخ عبد المجيد الصحراوي وعن الاتحاد العام التونسي للشغل الأخ مصطفى بن أحمد والأخ مصطفى التليلي عن الكنفدرالية النقابية العالمية. وقد قدّم الأخ عبد المجيد الصحراوي مداخلة توفّرت فيها عديد المعطيات من حيث التأطير الاجتماعي والاقتصادي خاصّة لظاهرة الهجرة غير الشرعية وطرحها لجملة من الحلول العمليّة لتنظيم اليد العاملة المهاجرة وضمان الحد الأدنى من الكرامة لهم في البلدان التي تستقطبهم. جاء في المدخل إن مشاركة الاتحاد النقابي لعمال المغرب العربي لدليل على ما توليه الحركة النقابية المغاربية من اهتمام بقضايا الهجرة خاصة في ظل تصاعد موجة العداء للمهاجرين المغاربة وذلك تحت عناوين مختلفة وخاصة عنوان الإرهاب ما يزيد من الصعوبات أمام مسار اندماجهم الفعلي سواء كان ذلك اقتصاديا أو اجتماعيا أو ثقافيا في بلدان إقامتهم، فالمهاجرون الذين أسهموا بشكل فعال في تنمية أوروبا ونهضتها لا يزالون محرومين من العديد من الحقوق، فهم بمثابة الرهائن ما داموا لا يتمتعون بجملة من الحقوق مثل حرية التنقل ومن حق المساهمة بصفة طبيعية في كامل أوجه الحياة الثقافية والسياسية بالمجتمعات التي يعيشون ضمنها. تشكل اليوم ظاهرة الهجرة البشرية التى عرفتها مختلف المجتمعات الانسانية منذ القدم في بعض أبعادها مصدر انشغال بالنسبة لبلدان البحر الأبيض المتوسط. و حرصا لجعلها مصدر اثراء للعلاقات بين هذه البلدان يستلزم تنظيمها و فقا لقواعد تراعي مصالح جميع الأطراف المعنية. والتعامل مع هذه الظاهرة تعاملا سليما يستند بالضرورة الى معالجة أسبابها العميقة و في مقدمتها دعم جهود التنمية المستديمة في بلدان الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط بما يمكنها من تأهيل اقتصادياتها و يعزز قدراتها على التشغيل و الارتقاء بنوعية الحياة. كما تحتل اليوم تفاقم ظاهرة هجرة الكفاءات من البلدان المغاربية الى تنامي الفوارق في المجالات الاقتصادية و العلمية و التكنولوجية حيث ستمثل أبرز التحديات باعتبار الضغوطات المتزايدة للعولمة التي من المؤكد أن تفرز تسارع هجرة الأدمغة نحو البلدان الغنية. ونتيجة لهذه الظاهرة تتكبد البلدان النامية من شمال إفريقيا خسائر مادية جسيمة فضلا عن حرمان هذه البلدان من عناصر فاعلة يمكن أن تلعب دورا رئيسيا في التغير الاجتماعي و التقدم الاقتصادي وخاصة التطور التكنولوجي. إن البحث عن أسباب هجرة الكفاءات في البلدان النامية يبين بأنها تستند إلى عوامل عدة و أسباب اقتصادية و اجتماعية و ثقافية. و تكتسب هذه الظاهرة أهمية في ظل عدم توفير البنية المناسبة للسيطرة التامة على الكفاءات ,إن قلة الاهتمام بتطوير البحث العلمي و تحديث مناهج التعليم يلعبان دورا كبيرا في تزايد هجرة الكفاءات. وتتزامن هذه الأسباب المشجعة مع ضعف عملية التنمية في البلدان الأصلية وعدم قدرتها على استيعابها للطاقات المنتجة ذات الكفاءات العالية و توفير الدخل المادي. إن هجرة الكفاءات نحو البلدان المتقدمة تكلف البلدان المرسلة خسارة هامة من حيث الاستثمار اللازم لإعدادها و تكوينها من جهة و من حيث التكاليف الباهضة التي تصرفها الدول النامية على الخبراء و المستشارين الأجانب لتعويض الكفاءات المهاجرة. و لا يجب تشخيص هذا الوضع أن يحجب عن أنظارنا الفوائد التي تأتي من خبرة الكفاءات وأن التجارب العالمية في عديد من الدول عملت على ربط صلات متينة مع جاليتها عامة و الكفاءات منها على وجه التحديد. لقد شكلت قضية الهجرة على مدى العقود الماضية إحدى المسائل الساخنة بين بلدان الشمال وبلدان الجنوب ومثلت تحديات حضارات تداخلت فيه مختلف العوامل الثقافية والدينية والقومية والاجتماعية، غير أن هذه القضية ذات البعد الإنساني تحولت اليوم إلى معضلة عالمة ورهان دولي يستأثر باهتمام الحكومات والمجتمعات المدنية، جراء تدهور الأوضاع الدولية وتعثر معظم مسارات التعاون بين الدول وفي مقدمتها مسارات الشراكة التي اختزلت أبعادها التجارية دون غيرها من الأبعاد، مما فسح المجال واسعا لبروز تعبيرات سياسية معادية للأجانب وأطروحات مغذية للكراهية وردود فعل مشجعة على الانغلاق ومروجة لمفاهيم مغلوطة عن الهوية والانتماء الثقافي. إن الحركات العمالية والاجتماعية والمدنية وسائر قوى التقدم التي ناضلت على مدى قرون وعقود من أجل تكريس المثل الإنسانية العليا وفي مقدمتها قيم التلاقح والتعايش السلمي تجد نفسها اليوم إزاء وضع عالمي على غاية من الارتباك بل هي تواجه حالة دولية تسودها علاقات الريبة وتتسم بتراجع مذهل في رصيد القيم التي ظنت الإنسانية أنها أضحت من ثوابتها الراسخة. وأنتم تعلمون أن رهانات الهجرة وانعكاساتها سواء على الجاليات المقيمة أو على البلدان المضيفة والبلدان الأصلية مرشحة لمزيد التشعب في ضوء المستجدات التالية وهو ما يستوجب مزيد التنسيق والتعاون بين مختلف الأطراف قصد تطبيق مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص والاعتراف الكامل بحقوق المهاجرين وأبنائهم وعائلاتهم طبقا للمبادئ المنصوص عليها باتفاقيات منظمة العمل الدولية وبالمواثيق الدولية الضامنة لحقوق المهاجرين وأفراد عائلاتهم والتي نصت عليها الاتفاقية الدولية لحقوق المهاجرين لسنة 1990 ومتابعة تنفيذها بالتعاون مع الأطراف الاجتماعية. وفي هذا الإطار، فإنه لا يسعني بأن أنادي كل البلدان المتوسطية على التصديق على المعاهدة الأممية لحقوق المهاجرين وأفراد عائلاتهم وخاصة من طرف البلدان الأوروبية وذلك من أجل تكريس الحقوق الأساسية للعمال المهاجرين. إن الوضع الراهن في منطقة البحر الأبيض المتوسط والذي يتميز بتطورات جد مهمة جعل من مسألة الهجرة وتداعياتها تتصدر اهتمام المؤسسات الرسمية، والإقليمية، باعتبارها تحديا هاما بالنسبة لبلدان الأصل والاستقبال والعبور. * اطار تفاوضي وهذا الاهتمام ساهم في بروز عدة أشكال من الحوار في المنطقة نخص بالذكر الحوار 5+5، والحوار الأوروبي الإفريقي حول الهجرة والتنمية الذي انعقد بالرباط وطرابلس ثم أخيرا الاجتماع الأول المخصص للهجرة في المنطقة الأورومتوسطية الذي انعقد بالبرتغال في أواخر نوفمبر 2007. إن هذه السلسلة من اللقاءات تمثل إطارا تفاوضيا يساهم في دعم الحوار في مسائل تتعلق بالهجرة تهم بالأساس النهوض بأوضاع المهاجرين المغاربة بأوروبا وتمكينهم من حقوقهم الأساسية وتوفير الظروف لاندماجهم الفاعل ومناهضة كل أشكال التمييز ضدهم من جهة ودعم تقارب وجهات النظر من أجل رسم مقاربة شاملة لقضايا الهجرة تتجاوز الطرح الأمني لتعتمد نهج التعاون من اجل التنمية من اجل الحد من ظاهرة ضغط الهجرة. غير أن مبدأ التشاور والحوار مع النقابات لازال دون المأمول حيث غيبت الحركة النقابية في بلورة التصورات والسياسات الرامية إلى النهوض بأوضاع العمال المهاجرين وعائلاتهم وحماية حقوقهم الأساسية والتصدي إلى أشكال المتاجرة بالمهاجرين والوقوف ضد شبكات الهجرة السرية. وتجدر الإشارة في هذا الصدد أن الاتحاد النقابي لعمال المغرب العربي عقد قمة نقابية 5+5 مكّنت الجهات المعنية من اعتماد إعلان تونس حول حماية حقوق العمال المهاجرين بأوروبا وجعل عامل الهجرة عامل تنمية كما أننا نتطلع من خلال تعاوننا مع النقابات الأوروبية في بلدان الاستقبال لتفعيل دورها في الدفاع عن العمالة المغاربية وحماية حقوقها. ان الجانب الإنساني والاجتماعي لا يزال إلى يومنا هذا الحلقة الضعيفة في العلاقات الدولية عامة والمتوسطية خاصة، وإذا ما أردنا أن نعطي دفعا جديدا للتعاون بين ضفتي المتوسط، فلا بد أن نوفر لشعوب المنطقة أدنى فرص التجاوب والتقارب والتعايش ونؤمن للأشخاص حرية التنقل والإقامة في مناخ من التعاون المتكافئ والشراكة المتوازنة، كما أن إقامة هذا الفضاء الأورومتوسطي المزدهر يستوجب بالضرورة زوال كل بؤر التوتر وتسوية النزاعات كما نؤكد على ضرورة تشريك النقابات كطرف فاعل وشريك أساسي في إرساء تعاون حقيقي يندرج ضمن هذه الأهداف والتوجهات. في الختام نود أن نتقدم بالشكر الجزيل إلى منظمة العمل الدولية على دعمها للاتحاد النقابي لعمال المغرب العربي خاصة في مجال هجرة القوى العاملة وأشيد بدورها الذي يمكن الأطراف الاجتماعية من المشاركة في رسم البرامج والسياسات المتعلقة بحماية القوى العاملة المهاجرة كما نشكر المنظمة العالمية للهجرة ومنظمة الأمن والتعاون بأوروبا ونتطلع إلى مزيد التعاون معهما خاصة في استعمال الدليل والاستأناس به في وضع وتنفيذ السياسات الفاعلة لإدارة الهجرة من خلال تنظيم دورات مغاربية ووطنية لفائدة النقابات في بلدان المغرب العربي.