أقسام ومعدّات حديثة بمستشفى القصرين    تونس تحتل المرتبة الثانية عالميا في إنتاج زيت الزيتون    الشركات الأهلية : الإنطلاق في تكوين لجان جهوية    التشكيلة المنتظرة لكلاسيكو النجم الساحلي و النادي الإفريقي    وزير السياحة: عودة للسياحة البحرية وبرمجة 80 رحلة نحو تونس    انقطاع التيار الكهربائي بعدد من مناطق سيدي بوزيد والمنستير    كيف سيكون طقس اليوم ؟    عاجل/ الرصد الجوي يحذر في نشرة خاصة..    فضيحة/ تحقيق يهز صناعة المياه.. قوارير شركة شهيرة ملوثة "بالبراز"..!!    عاجل/ مذكرات توقيف دولية تطال نتنياهو وقيادات إسرائيلية..نقاش وقلق كبير..    اكتشاف أحد أقدم النجوم خارج مجرة درب التبانة    يتضمن "تنازلات".. تفاصيل مقترح الإحتلال لوقف الحرب    ليبيا ضمن أخطر دول العالم لسنة 2024    بمشاركة ليبية.. افتتاح مهرجان الشعر والفروسية بتطاوين    كلوب يعلق على المشادة الكلامية مع محمد صلاح    بطولة مدريد للماسترز: أنس جابر تتأهل الى الدور ثمن النهائي    زيادة ب 4.5 ٪ في إيرادات الخطوط التونسية    بن عروس: حجز 214 كلغ من اللحوم الحمراء غير مطابقة لشروط النقل والحفظ والسلامة الصحية للمنتجات الغذائية    الترجي الرياضي يفوز على الزمالك المصري. 30-25 ويتوج باللقب القاري للمرة الرابعة    وزير الثقافة الإيطالي: "نريد بناء علاقات مثمرة مع تونس في مجال الثقافة والتراث    معرض تونس الدولي للكتاب : أمسية لتكريم ارواح شهداء غزة من الصحفيين    ''ربع سكان العالم'' يعانون من فقر الدم وتبعاته الخطيرة    بن عروس: انتفاع قرابة 200 شخص بالمحمدية بخدمات قافلة طبيّة متعددة الاختصاصات    تخص الحديقة الأثرية بروما وقصر الجم.. إمضاء اتفاقية توأمة بين وزارتي الثقافة التونسية و الايطالية    عمار يطّلع على أنشطة شركتين تونسيتين في الكاميرون    توزر.. مطالبة بحماية المدينة العتيقة وتنقيح مجلة حماية التراث    سوسة: القبض على 5 أشخاص يشتبه في ارتكابهم جريمة قتل    برنامج الدورة 28 لأيام الابداع الادبي بزغوان    بن عروس: حجز 214 كلغ من اللحوم الحمراء غير مطابقة لشروط النقل والحفظ والسلامة الصحية    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    اعتماد خطة عمل مشتركة تونسية بريطانية في مجال التعليم العالي    رئيس الجمهورية يستقبل وزير الثقافة الإيطالي    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو مناضليه إلى تنظيم تظاهرات تضامنا مع الشعب الفلسطيني    رئيس الاتحاد المحلي للفلاحة ببوعرقوب يوجه نداء عاجل بسبب الحشرة القرمزية..    القطب المالي ينظر في اكبر ملف تحيل على البنوك وهذه التفاصيل ..    اليوم..توقف وقتي لخدمات الوكالة الفنية للنقل البري عن بُعد    8 شهداء وعشرات الجرحى في قصف لقوات الاحتلال على النصيرات    البطولة الوطنية: النقل التلفزي لمباريات الجولتين الخامسة و السادسة من مرحلة التتويج على قناة الكأس القطرية    مدنين: وزير الصحة يؤكد دعم الوزارة لبرامج التّكوين والعلاج والوقاية من الاعتلالات القلبية    طقس السبت: ضباب محلي ودواوير رملية بهذه المناطق    أخبار الملعب التونسي ..لا بديل عن الانتصار وتحذير للجمهور    مانشستر سيتي الانقليزي يهنّئ الترجي والأهلي    رئيس الجمهورية قيس سعيّد.. المفسدون... إمّا يعيدون الأموال أو يحاسبهم القضاء    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    الكاف: إصابة شخصيْن جرّاء انقلاب سيارة    وزير الفلاحة: "القطيع متاعنا تعب" [فيديو]    بنسبة خيالية.. السودان تتصدر الدول العربية من حيث ارتفاع نسبة التصخم !    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    منوبة: تفكيك شبكة دعارة والإحتفاظ ب5 فتيات    قفصة: ضبط الاستعدادات لحماية المحاصيل الزراعية من الحرائق خلال الصّيف    تونس : أنس جابر تتعرّف على منافستها في الدّور السادس عشر لبطولة مدريد للتنس    مقتل 13 شخصا وإصابة 354 آخرين في حوادث مختلفة خلال ال 24 ساعة الأخيرة    عميرة يؤكّد تواصل نقص الأدوية في الصيدليات    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    انطلاق أشغال بعثة اقتصادية تقودها كونكت في معرض "اكسبو نواكشوط للبناء والأشغال العامة"    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نحن في حاجة خلال السنوات القادمة إلى معدّل نمو لا يقل عن 6.5 بالمئة ومطالبون باحداث مليون فرصة عمل
الأخ عبد السلام جراد في حديث مطوّل إلى مجلة «رياليتي»: تعريب: قيس الخلوفي
نشر في الشعب يوم 22 - 03 - 2008

أجرى الزميل القدير زياد كريشان رئيس تحرير مجلة «رياليتي» حوارا مطولا مع الأخ عبد السلام جراد الأمين العام للاتحاد العام التونسي نشر في العدد قبل الأخير.
ونظرا لأهمية ماجاء في هذا الحديث، رأينا من الضروري ترجمته ونشره في جريدتنا وذلك حتى يتمكّن أكبر عدد من النقابيين وقرّاء اللغة العربية من الاطلاع عليه.
وفيما يلي نص الحديث:
س... وأنتم تستعدون للمفاوضات الاجتماعية، كيف يقيم الاتحاد العام التونسي للشغل الوضع الاقتصادي العام في البلاد؟
يمكن القول أنّ النمو المسجّل خلال السنوات الأخيرة «طيب» وعلى ضوء معدل نمو يزيد عن ال 5 بالمئة، فإنّ اقتصادنا عموما بخير.
ولاشك أنّ هذا الانجاز سيتأكد خلال السنوات القادمة، حيث ينتظر حسب التوقعات وحسب آخر التقارير الصادرة عن البنك العالمي وصندوق النقد الدولي أن تحقق تونس خلال عام 2008 نسبة نمو قدرها 6 بالمئة. وهي نسبة ضرورية لبلادنا حتى تستطيع مجابهة التحديات المفروضة عليها وعلى البلدان التي تعتبر مواردها الطبيعية محدودة أو حتى قليلة. يبقى أنّ لتونس ثرورة ثمينة هي مواردها البشرية عالية الكفاءة.
فبواسطة رأسمالها البشري، توصلت بلادنا إلى الحفاظ على نسق نمو منتظم والتخفيف في نفس الوقت من وقع صدمة العولمة. لقد تمكّنت بلادنا، رغم تدفق موجات الليبرالية في مختلف بلدان العالم من المحافظة على توازنها والتمسك باختياراتها وتفعيل نموذجها التنموي المرتكز على الوسطية والتضامن وترقية الطبقات الوسطى، من الصمود أمام اغراءات الرأسمالية الجديدة التي تذكرنا بنسختها الأصلية التي راجت في القرن التاسع عشر.
إلاّ أنّ التحديات الكفيلة بالمحافظة على هذا النسق من النمو وتأمين التوازنات الاجتماعية والاقتصادية هي تحديات ضخمة تتطلّب مستوى من النمو أكثر ارتفاعا. إنّنا في حاجة أكيدة خلال السنوات القادمة إلى معدل نمو لا يقل عن 5،6 بالمئة وذلك حتى نتمكّن من تقليص البطالة والزيادة في قدرة اقتصادنا على أن يستجيب إلى طلبات الشغل الجديدة ولاسيما لفائدة حاملي الشهادات. وبالفعل، نحن مطالبون، خلال العشرية القادمة، بأنّ نوفّر مليون فرصة عمل حتى نستطيع الاستجابة للطلبات الاضافية المقدّرة بنحو 85 ألف طلب سنويا. ونحن في الحقيقة واثقون من قدرة اقتصادنا على ذلك لاسيما من خلال المشروعات الضخمة المتأتية من الاستثمارات الأجنبية المعلنة للسنوات القادمة.
لكن لابدّ أن تنتفع مختلف جهات البلاد من هذه الاستثمارات وذلك حتى نوقف تيّار النزوح الداخلي ونمكن الجهات الفلاحية من الاقلاع وبالتالي ضمان تنمية جهوية عادلة. إنّ إهمال تونس الأعماق لفائدة الشريط الساحلي يصبح خطأ كبيرا.
غير أنّه لا يجب التعويل على الاستثمارات الأجنبية المباشرة، فحتّى نساهم في دفع نسق التنمية، يصبح من الضروري النهوض بالاستثمار الوطني الخاص ولاسيما في الأنشطة المنشئة لفرص العمل.
المقياس الصحيح
نحن في حاجة إلى قطاع خاص قوي ومنتج، وهذا يتطلّب شفافية اقتصادية أفضل، مناخ أعمال سليما، قطاعا بنكيا على ذمة المؤسسات الصغرى والمتوسطة، الصامدة والتي تشق طريقها وسط اضطرابات العولمة، يتطلّب أيضا مساعدة نشيطة للفلاحين وللباعثين الشبّان، أسلوب خوصصة فوق كل الشبهات وتثمينا متواصلا لمواردنا البشرية.
فبالنظر إلى التغيّرات الحالية في عالم الشغل والتحولات الاقتصادية، تصبح فرص العمل المحدثة في القطاع الخاص هي المقياس الصحيح لانخفاض البطالة، ليس لأنّها مضمونة مدى الحياة على غرار القطاع العمومي بل لأنّها تنتج ثروات جديدة.
بهذا لا نقصد بالمرّة انسحاب الدولة، لكن نقول حان الوقت في نظرنا لكي يرتقي القطاع الخاص إلى مستوى التضحيات المقدمة له من طرف المجموعة الوطنية. فإلى متى سنستمر في مقاومة موجة البطالة فقط من خلال فرص عمل مموّلة عموميا (اعفاءات امتيازات جبائية تكفل عمومي بالأعباء الاجتماعية)؟
إنّ من واجب القطاع الخاص أن يعوّل على نفسه وأن يعمل على انشاء فرص عمل حقيقية. إنّ اعتماد المرونة والهشاشة كأسلوب عمل لم يكن قط الحل الأمثل لمقاومة البطالة. وستناقش الندوة الوطنية المقبلة للتشغيل هذه المسألة وسيغتنم الاتحاد الفرصة للدفاع عن وجهة نظره والمساهمة في سن سياسة تشغيل حقيقية، كفيلة بإنهاء الانخرام الحاصل الآن بين التكوين الجامعي والمهني وحاجيات اقتصادنا.
من جهة أخرى، لن نستطيع مواصلة الحفاظ على مكاسبنا الاقتصادية ولحمتنا الاجتماعية ما لم نسيطر على التضخم. فرغم جهود السلط العمومية في التحكم في مؤشراته وحماية القدرة الشرائية للمستهلكين، إلاّ أنّ ضغوط التضخم مازالت مهمة.
نحن نشهد اليوم أزمة مقدرة شرائية، تزداد تفاقما بسبب تواصل ارتفاع أسعار النفط وأسعار المواد الأساسية، دون أن ننسى التهاب أسعار المواد الفلاحية وخاصة ارتفاع أسعار الحبوب التي تضاعفت أربع مرّات.
وللعلم فإن مليارًا من الدينارات ستنفق كدعم للمواد البترولية والمواد الفلاحية خلال سنة 2008. وهو مبلغ من شأنه أن يثقل نفقات التعويض ويؤدّى إلى انعكاسات غير قليلة في توازنات ميزانية الدولة ويؤثّر بالنتيجة في نسق النموّ.
قد تسألني طبعا كيف يمكن الخروج من هذه الظرفية الصعبة والحدّ من آثار الارتفاع المشط للأسعار العالمية والحرص في نفس الوقت على احترام متطلّبات العدالة الاجتماعية واستقرار البلاد؟ ما العمل للتحصن ضد التضخم الوارد أو المورّد؟ كيف نحمي المقدرة الشرائية للتونسيين وخاصة منهم الأجراء والفئات الاجتماعية ذات الدخل الضعيف وتأمين تزويد دائم ومتوازن للسوق التونسية.
أسئلة كثيرة تستحق حوارًا وطنيا موسعا يساعد على جمع الاقتراحات اللازمة والاستمرار في الطريق الصحيح.
خذ لك مثلا التحكم في الطاقة والبحث عن طاقات بديلة، الاكتفاء الذاتي الغذائي، الاصلاح الجبائي، مقاومة التجارة الموازية التي تخنق مؤسساتنا، حماية نسيجنا الصناعي، مقاومة البيرقراطية، وكل أشكال التجاوزات، تثمين قيم العمل والاستحقاق، دون أن ننسى امكانية الاندماج الاقتصادي الاقليمي المغاربي، كلّها مجالات للتفكير تستدعي استنفار الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين وكل القوى الحيّة في البلاد وذلك قصد توفير الحلول الملائمة للتحديات الاقتصادية والاجتماعية الراهنة واعداد البلاد للتحولات وغيرها من تقلبات العولمة.
انّ بلادنا تقف اليوم في مفترق الطرق، فاقتصادنا قد اندمج بعد في منطقة واسعة للتبادل الحر مع الاتحاد الأوروبي. أي انعكاسات لهذا الانفتاح على مجتمعنا؟ هل يقع التحكم في البطالة؟ التشغيل الكامل، الصحة للجميع، مدرسة وجامعة الغد، مصير المؤسسات الصغرى والمتوسطة كلّها تحديات تستدعي وعينا وتتطلّب منّا مجهودا في البحث استطلاعا للمستقبل.
لكن بمقارنة نموذجنا مع تجارب البلدان النامية، نظل على قناعة أكثر من أي وقت مضى أنّ تنمية اقتصادية متواصلة ومتوازنة ليست فقط قاطرة التقدم الاجتماعي بل ضمانة استقرار البلاد وتطورها الديمقراطي ومناعتها.
س، على أساس أي قاعدة، سيناقش الاتحاد الزيادات في الأجور؟ وهل تتصورون أنّكم قادرون على تحقيق اتفاقات من شأنها تحسين القدرة الشرائية للأجراء؟
تندرج الجولة الحالية من المفاوضات في نفس التوجه الذي دشناه منذ 20 سنة والذي يهدف إلى التوفيق بين متطلبات النجاعة الاقتصادية وشروط العدالة الاجتماعية وقد أصبحت هذه المعادلة اليوم مرجعا لا محيد عنه في نظامنا الاجتماعي.
ذلك أننا لا نستطيع اقناع الشغالين بأنّهم شركاء في سير مؤسساتهم إذا كانوا محرومين من حقوقهم وخاصة حقهم في الانتفاع بثمار عملهم وثمار التنمية الاقتصادية. ولذلك تمثّل الزيادات في الأجور واحدة من أولويات المفاوضات.
تسألني كيف هي مطالبكم وعلى أساس أي قاعدة سيدافع الاتحاد عن مواقعه.
معطيات ضرورية
في بدايات الحركة النقابية، كان تكوين كراس المطالب بسيطا نسبيا. وكان أوائل النقابيين، لاسيما في غياب حجج اقتصادية، في حاجة بشكل خاص إلى الشجاعة حتى يواجهوا المؤجرين. أمّا اليوم، فقد تطورت أنظمة العلاقات المهنية حيث أنّه أصبح مطلوبا من ممثلي الشغالين، اضافة الى التزامهم النضالي، أن يحتكموا على معطيات ضرورية حول الوضع الاقتصادي والمالي للمؤسسة وقطاع النشاط المعني وكذلك أيضا حول الوضع الاقتصادي والاجتماعي للبلاد.
نحن لدينا جملة من الحجج التي تقوّي مطالبنا في مجال الأجور سوف نتحدّث عن التضخم أولا وعن تأثيره في الأجور الحقيقية دون اهمال عناصر أخرى مثل مردودية المؤسسة، الزيادة في انتاجية العمل وكذلك النسبة أو المعدل العام للنمو الاقتصادي.
إنّ هدف المفاوضات هو أولا الدفاع عن مستوى عيش الشغالين. وبذلك تكون نقطة انطلاقنا التفاوت بين الأجر الأسمي والأجر الفعلي. أنتم تعلمون أنّ الأجر الأسمي ليس العنصر المحدّد للحياة الاقتصادية للأجير وعائلته، المهمّ هو القدرة الشرائية للأجير. وهنا تتدخل عدّة عناصر للتأثير في هذه القدرة الشرائية، الاّ أنّ أهم عنصر له تأثير مباشر هو نسق زيادات الأسعار أي نسبة التضخم. لكن يجب الاعتراف أنّه من الصعب علينا أن نعرف تحديدا بكم تطورت الأسعار وطيلة مدّة معيّنة، كان بالإمكان أن يكون عملنا سهلا لو يقع تشريكنا في اعداد «مؤشر الأسعار عند الاستهلاك». فالمؤشر الحالي لا يعكس حقيقة ارتفاع الأسعار وتدهور القدرة الشرائية للأجراء. وحتى نتمكّن من اعداد هذا النوع من المؤشرات، لابدّ أن نتفق حول اختيار المواد التي تدخل في استهلاك العائلات.
في بعض البلدان، يقع الترفيع في الأجور بنفس النسبة التي عليها مؤشر كلفة المعيشة، لكن سياسة الربط هذه يمكن أن لا تحسّن القدرة الشرائية للشغالين مع أنّها تجمد أجورهم الفعلية. وتفاديا لهذا الخطر، اخترنا التفاوض من أجل زيادات حقيقية في الأجور آخذين بعين الاعتبار كل العوامل. ومنها النتائج الاقتصادية المحققة.
إنّ القطاع الخاص في بلادنا يشهد انفجارًا حقيقيا، فرغم تحديات العولمة وتقلّبات الظرف، لم يسبق له أن ظل قويا ومزدهرًآ، فضلا عن أنّ الدولة أغدقت عليه جميع أنواع التسهيلات، لكن هذه الديناميكية تعود بالأساس إلى عطاء الشغالين وإلى كفاءاتهم المهنية.
وعليه فإنّ الجولة الجديدة من المفاوضات مدعوة إلى أن تعكس كلّ المجهودات التي بذلها الشغالون ليزيدوا في الانتاج ويحسنوا الانتاجية وينموا الثروة.
وهنا فإنّ التونسيين اليوم لا يفهمون بسهولة هذا التناقض: من جهة هاهو اقتصادهم يزدهر، ومن أخرى تتدعور طاقتهم الشرائية، متسببة في تداين وتفقير الفئات ذات الدخل الضعيف.
فما السبب في ذلك؟ هل هو التضخم المتصاعد؟ أم هو التوزيع غير العادل لثمار التنمية؟ في كلتا الحالتين، فإنّه من الحتمي معالجة هذا الوضع لدفع نسق التنمية، وتعزيز اللحمة الاجتماعية والاستقرار السياسي في البلاد.
لكن رغم كل الصعوبات والاختلافات، نحن واثقون من النتيجة النهائية لهذه المفاوضات، بفضل تبصّر الرئيس زين العابدين بن علي الذي يسهر على ديمومة الحوار الاجتماعي وعلى تثمين العمل.
من جهة، أخرى، لا تقتصر المفاوضات على الأجور بل تتعدّاها الى ماهو أوسع. فمنذ إمضاء الاتفاق الاطاري الذي يضبط الاتجاهات العامة للجولة، شرعنا في مراجعة العقد الاطاري المشترك، باعتبار ذلك مرحلة حاسمة تسبق المفاوضات القطاعية التي ستنطلق في الأيّام القادمة.
وخلال هذه المرحلة، سوف نناقش مختلف المسائل المتعلقة بظروف العمل والعلاقات المهنية بين المؤجرين والأجراء. وأشير بالأساس الى تطوير الحوار الاجتماعي وتعزيز الحق النقابي، والتكوين المهني، والصحة والسلامة، وحماية ممثلي الشغالين في المؤسسة طبقا للاتفاقية الدولية رقم 135.
كذلك، سنصرف اهتماما خاصا للطرد التعسفي وتسريح العمال لأسباب اقتصادية وإلى هشاشة التشغيل.
هدفنا هو حماية الشغالين ضد بعض أشكال المرونة غير المطابقة للتشريعات الجارية وخاصة القضاء على الأساليب غير القانونية التي تلجإ إليها بعض الشركات الممارسة للسمسرة باليد العاملة ملحقة الأذى بكرامة العامل والعمل وبحقوق الانسان.
ماراطون مرهق
هذه هي إن شئتم العناوين الكبيرة لمطالبنا في الجولة الجديدة من المفاوضات، والتي هي، على غرار سابقاتها، ليست امتحان قوّة، ولا معركة بين أعداء. إنّها فرصة مهمة لحوار يهدف إلى تقريب وجهات النظر والتوفيق بين المصالح المتقابلة في اطار من التضامن والوئام الاجتماعي.
نعرف أنّ ماراطونًا مرهقا ينتظرنا، خاصة أنّه سيتمطط بالدخول في المفاوضات المتعلقة بالوظيفة العمومية ومؤسسات الدولة. لكن يكفي أن نحترم القواعد الأساسية للتفاوض والمبدأ الرئيسي للجولة الجديدة وهو إعادة توزيع الثروة ودفع الاقتصاد بتبجيل الاستهلاك حتّى نصل بهذا الماراطون إلى نهايته ونكسب مرّة أخرى الخيار الاجتماعي الذي يرتكز عليه نموذجنا المجتمعي.
س، كيف ستكون طريقتكم في الجولة الجديدة للمفاوضات، فهل ستبجّلون التفاوض القطاعي أم أنّكم ستتفاوضون في كل مؤسسة؟
آلية التفاوض الجماعي بسيطة. وهي تنطبق، حسب الاتفاقية الدولية رقم 154، على كل المفاوضات التي يمكن أن تجري بين ممثلي الشغالين والمؤجرين. إلاّ أنّ تطبيق هذه الآلية يمكن ان يتمّ حسب عدّة أشكال لا محالة، يعتبر التفاوض في مستوى المؤسسة الشكل الأكثر مباشرة، لكن نظرا لتعدّد المسائل التي يمكن التفاوض فيها، وتشابهها صلب نفس القطاع من النشاط، فإنّه من الأفضل الاتفاق في مسائل مدرجة في عقد مشترك عوضا عن نقاش كل حالة عندما تطرأ في هذه المؤسسة أو تلك.
آنّ من خصائص المفاوضة الجماعية القطاعية انّها فضلا عن مسألة الأجور، تحيط بكل الجوانب المتعلقة بظروف العمل وبالمحيط الذي يعيش فيه العامل مثل تأمين الشغل، التكنولوجيات الجديدة وانعكاساتها المهنية، التكوين والرسكلة، أنظمة الضمان الاجتماعي، الممارسة الحرّة للحق النقابي، الاجراءات المساعدة على الرفاه، الخ...
والمهم في نهاية المطاف هو أنّ هذه المفاوضات تجرى بكل حرية، ويذكر أنّ منظمة العمل الدولية لا تفرض توصيات محدّدة للتفاوض الجماعي لأنّه عمليا يختلف من بلد إلى آخر. هناك حالات يتمّ التفاوض مركزيا وفي حالات أخرى يتمّ في مستوى كلّ مؤسسة.
ولأنّ كلتا الطريقتين لهما ايجابيات وسلبيات، اخترنا نموذجا يقع أو يجمع بينهما. وباعتباره قريبا من واقع مؤسساتنا، فإنّ هذا النمودج يخدم مصلحة الشغالين في المؤسسات الصغرى باعتبارهم في الغالب ليسوا أقوياء إلى الحدّ الذي يمكّنهم من الحصول على أجور وامتيازات محترمة. أمّا التفاوض على مستوى القطاع، فإنّه يقلّص من فوارق تأجير الشغالين في نفس القطاع ويكيّف أو يعدّل الامتيازات والقوانين التي تنظم العلاقات المهنية داخل نفس القطاع من النشاط.
من ناحيتنا، أقول إنّ استراتيجيتنا ليست ممركزة، فالجامعات، وبالتنسيق التام مع أقسام الاتحاد ومجامعه (القطاع الخاص/الوظيفة العمومية/المؤسسات العامة) تعدّ مقاربة عامة للمفاوضات وتتولّى تأطير المفاوضين الذين يقومون بعملهم بكامل الحرية.
وبالنسبة للجولة الجديدة، تجنّدنا لها منذ الصائفة الماضية حيث تواصلت الاجتماعات التحضيرية في مختلف المستويات لاعداد الملفات وتحديد المطالب الواجب عرضها على الأطراف المقابلة. وهكذا فإنّ 51 عقدا قطاعيا تهمّ أكثر من مليون ونصف عامل في القطاع الخاص ستقع مراجعتها. ويمكن ان نتجاوز هذا الرقم إذا توصلنا إلى امضاء عقود جديدة تغطّي أصنافا جديدة من الشغالين مثل العاملين في المساحات التجارية الكبرى وكتبة المحامين والأطباء.
ففي خاتمة الاجتماعات التكوينية التي أشرنا إليها، سيتولّى 150 نقابيا خوض المفاوضات في القطاع الخاص وقد وضعنا على ذمتهم كلّ الاحصائيات والمعطيات الاقتصادية المطلوبة. وبالمناسب، فإنّي أغتنم الفرصة لأحيي الخبراء والجامعيين الذين ساهموا ومختلف أقسام الاتحاد في تزويد المفاوضين بالمعلومات اللازمة حول الظرف الاقتصادي والمؤشرات الرئيسية في كل قطاع من قطاعات النشاط.
في الأخير، أقول أنّ الاتحاد يسهر على أن تدور هذه الجولة الجديدة من المفاوضات في مناخ اجتماعي سليم ونرجو أن نجد نفس الإلتزام ونفس الحماس لدى شركائنا.
س، كيف تحكمون على الوضع الحالي للمناخ الاجتماعي في البلاد؟ وهل تعتقدون أنّ مطالبكم مسموعة من طرف الأعراف والسلط العمومية أم لا؟
انّ المناخ الاجتماعي السليم السائد في بلادنا يعود بالأساس إلى هذه الأرضية المشتركة المرتكزة على احترام مبدأ التضامن. لقد اخترنا منذ البداية، هذا الوفاق باعتباره ضامنا لمجابهة تحديات التنمية وتأمين توازن أفضل بين العمل ورأس المال. لا تنسوا في هذا الاطار أنّ تونس تفخر بكونها بلد الاعتدال.
إنّنا نريد الحفاظ على هذه الوسطية التي اشتهرت بها بلادنا، ولا أحد يستطيع أن يهزّ قناعتنا الراسخة في أن التقدّم كلّ لا يتحقق في صورة انخرام التوازن بين الاقتصادي والاجتماعي.
تكثيف الاستثمارات
كذلك، فإنّه لا يمكن لأي ظرف أو ضغط خارجي أن يشكّك في قيم التضامن التي بنينا عليها مشروع مجتمعنا. لقد عملنا خلال السنوات الأخيرة على خلق مناخ ملائم للاستثمار، واقامة المشاريع وتطوير نجاعة مؤسساتنا وذلك قصد التخفيض من البطالة وفتح آفاق جديدة أمام شبابنا. وحتى نكسب رهان التشغيل، لم نلجأ لا إلى الشعارات ولا إلى العبارات الدغمائية، طلبنا تسريع نسق احداثات الشغل بتكثيف الاستثمارات العمومية والخاصة وطالبنا أيضا بحماية أفضل للشغل وذلك قصد حماية مجتمعنا من أخطار التهميش.
وخلافا لبعض الآراء الموغلة في الليبرالية، فإنّ حماية الشغل ليست نقيضة لاحداثات الشغل. يقول الليبراليون المتشددون أنّ حماية مفرطة للشغل تقتله لكنّنا نقول أنّ مرونة مفرطة تهدّد الشغل وتؤدّى إلى هشاشته. والحلّ هنا هو في ايجاد المعادلة الأفضل. وهكذا فإنّ الترقية الاجتماعية التي تمثّل بالنسبة لنا واحدة من أولويات العمل التنموي، تتطلّب توزيعا أفضل لثمار النمو. ولاشك أنّ العمل اللائق والدائم هو أحد أوّل متطلبات هذا التوازن الاجتماعي.
فلا نتصور لحمة اجتماعية أفضل عندما نرى آلاف العمّال يخضعون إلى المناولة، للتشغيل الوقتي وإلى أتعس أشكال المضاربة دون أدنى احترام لقانون الشغل وكرامة المواطن. وللأسف فإنّ أقل حماية اجتماعية نطلبها تراها بعض المؤسسات على أنّها ضغط أو حمل ثقيل. بالطبع لا نستطيع تشريع هذا التجاوز الذي هو بصدد التحوّل الى آفة اجتماعية حقيقية.
يعاب علينا أنّنا نريد إقامة نظام تعويض عن البطالة، إنّها خدعة يستعملها البعض للهروب من الحوار الحقيقي. من جهتنا لسنا من أنصار اقرار منحة بطالة لأنّنا لا نشجع أبدا عقلية المساعدة.
يجب أن تطرح المسألة بطريقة مختلفة: مقابل غلق بعض المؤسسات والتسريح الجماعي، ماذا نفعل لحماية العمال المطرودين وعائلاتهم من التهميش؟ لا محالة، هناك بعض الاجراءات المصاحبة التي اتخذت للتقليل من وطأة هذه الآفة، لكن هذه الآلية تبقى غير كافية، يجب بالضرورة التكفّل بالعمّال ضحايا المخططات الاجتماعية وإعادة الهيكلة وذلك قصد إعادة ادماجهم في الدورة الاقتصادية بأسرع وقت ممكن. لذلك فإنّ انشاء صندوق وطني هدفه التعويض للعمّال المطرودين خاصة ورسكلتهم يمثّل أفضل آلية لإحداث فرص العمل واعادة الإدماج.
إنّها ضرورة اقتصادية ولكنّه أيضا واجب أخلاقي على المجتمع أن يقوم به تجاه الأجراء الذين فقدوا شغلهم من أجل أسباب خارجة عن ارادتهم. كما لا يمكن ان نحكم على هؤلاء بأن يبقوا نهائيا في بطالة، ففي هذه الصورة يمكن أن يتعرّض هؤلاء باعتبارهم ضحايا الليبرالية إلى جميع أنواع الاغراءات المتطرفة، فهل يعي أنصار الليبرالية على اختلافهم الأخطار التي تهدّد مجتمعنا؟
من جهتنا، نحن نرفض كل الايديولوجيات وكل أشكال الديماغوجيا الاجتماعية ولا نغالط العمّال بشعارات أو وعود خادعة. في المقابل، ننتظر من شركائنا حماسا أفضل في اتجاه العدالة الاجتماعية وشفافية أكبر في اعداد الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، بعيدا عن كل أشكال «الهروب إلى الأمام» الليبرالية.
إنّه النداء الذي ما فتئنا نوجّهه إلى الحكومة، إلى الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة، وإلى كل القوى الحية في البلاد، وفي نفس السياق يندرج نداؤنا إلى اقرار موعد سنوي لتقويم الوضع الاقتصادي والاجتماعي وذلك بهدف التوقّي من أي توترات.
فمن واجبنا حماية هذا الاستقرار الاجتماعي الذي حطّم كلّ الأرقام، حيث أنّ بلادنا منذ عشرين سنة ما فتئت، رغم مخاطر العولمة، تكسب الكثير من النقاط على طريق الازدهار.
يجب أن نثابر على هذا الطريق، جاعلين من تطوير الشغل محورا أساسيا في استراتيجيتنا التنموية وأن نعطي دفعا حاسما للقضاء على الفقر وان نتوقّى من الانقطاعات المهنية وان نحسّن القدرة على الادماج المهني بفضل تصرّف جيّد في الموارد البشرية وتكوين متواصل وذلك قصد تفادي أي شرخ يمكن أن يؤدّي إلى حالات إقصاء.
بذلك فإنّ التنمية الاقتصادية واللحمة الاجتماعية تقويّان بعضهما البعض، ذلك أنّ مجتمعا متوازنا إنّما هو ضمانة لاقتصاد أكثر نجاحا.
س. بعد انعقاد المؤتمر التأسسي للنقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، هل أنّ مشروع التمثيل النقابي للصحافيين صلب الاتحاد، مازال حسب رأيكم قائم الذات؟
أسمح لي بأن أستعمل هنا عبارة عزيزة على مناضلينا فأقول أنّ الصحافيين التونسيين هم «أبناء» الاتحاد العام التونسي للشغل. فمنذ أكثر من 50 سنة وهم أعضاء هذه العائلة النقابية الكبيرة المتضامنة المتمثلة في منظمتنا. تشهد على ذلك، وعلى الروابط التاريخية الوثيقة القائمة بين الاتحاد والعاملين في قطاع الصحافة والاعلام كلّ من العقد المشترك للصحافة المكتوبة والقوانين الأساسية الخاصة بالمؤسسات الاعلامية والتي أعدّت في بداية السبعينيات وجاءت نتيجة نضالات مجيدة خاضها العاملون في القطاع بقيادة نقاباتهم الأساسية.
نذكر كذلك أنّه في أزمتي 78 و85، ساندت الأغلبية الساحقة من الصحافيين التونسيين الشرعية النقابية رغم ضغوطهم المهنية. كما تواصلت هذه العلاقات الوثيقة والمتضامنة بعد تطبيع الوضع النقابي في سنة 1989.
من جهة أخرى، فإنّ الصحافيين، من خلال نقاباتهم الأساسية، وممثليهم ومن خلال النقابة العامة للثقافة والاعلام، شاركوا في جولات التفاوض كافة ولاشك أنّ مكاسبهم جيّدة. بل أنّهم خلال الجولة الأخيرة كانوا أكثر من سعداء بالنتائج المحققة التي لم يستطع لها العديد من القطاعات الأخرى مثيلا. ورغم أنّ الصحافيين كانت تنقصهم قوّة الضغط الكافية لإسناد مطالبهم، فقد وجدوا لدى الاتحاد كل الدعم اللازم لانجاح مفاوضاتهم. بل حتّى نطمئنهم على تحقيق مطالبهم الخصوصية، لم نتردّد في تشريك جمعيتهم (جمعية الصحافيين) التي حلّت منذ مدّة، في مسار التفاوض.
ورغم هذا الجرد التاريخي الإيجابي في الجملة، رأينا أنّ الصحافيين يستحقون تمثيلا نقابيا أفضل في صلب الاتحاد العام التونسي للشغل.
فما أن عبّروا عن رغبتهم في أن تكون لهم نقابة خاصة بهم، اتخذنا جميع الاجراءات الضرورية لتحقيق هذه الرغبة. الاّ أنّ هذا المسار لم يرق للبعض ممّن تخوفوا، لأسباب غير معلنة، من إنشاء هذه النقابة صلب الاتحاد. جرت مشاورات واجتماعات في مقر الاتحاد وما ان لاحظنا انّ بعض الصحافيين أرادوا استعمال الاتحاد كغطاء لفرض املاءاتهم، سارعنا بإيقاف الانحراف.
محميون من أي تدخل
ثم لما علمنا أنّ الصحافيين المنخرطين في الجمعية يريدون تكوين نقابة مستقلة، احترمنا رغبتهم، رغم احترازاتنا بل وحيرتنا إزاء بعض الأطوار والتحركات الضبابية التي سبقت المؤتمر والتي غذت شعورا بالقلق لدى القاعدة الصحافية.
لقد كان الصحافيون وهم منخرطون في الاتحاد، محميين من أيّ تدخّل.
لكن باختيارهم طريقا خاصا بهم، ونحن نحترم اختيارهم، فإنّهم يتعرضون إلى كل التأثيرات. نحن نخشى على استقلاليتهم، على وحدتهم وخاصة على مكاسبهم العديدة التي تحققت مقابل سنوات طويلة من النضال صلب الاتحاد.
الآن وهم صلب إطار جديد للتمثيل النقابي، لا نملك الاّ أن نرجو لهم حظّا سعيدا. لنا الحق في أن نشك في نجاعة مسارهم، لكن لا نستطيع أبدا الشك في حسن نيّة أغلبية الصحافيين.
لابدّ أن نوضّح هنا أنّ التحركات المشتبه فيها التي سبقت أو رافقت تحضيرات المؤتمر لم يكن لها بالمرّة أيّ تأثير في الروابط التاريخية والعلاقات الحميمة التي نقيمها مع الصحافيين التونسيين. ورغم بعض الحملات التي رمت إلى إحلال الفوضى أو حتى القطيعة بين الصحافيين ومنظمتهم النقابية الأمّ، فإنّنا نعتبر هؤلاء دائما أعضاء كاملي الحقوق في أسرتنا النقابية الكبيرة، وسيجدون في كل آن وحين الدعم والمساندة اللازمين لدى الاتحاد العام التونسي للشغل.
انّ الجسور لم تقطع ولن تقطع قط باعتبار أنّ أغلبية الصحافيين منخرطون وممثلون في صلب منظمتنا، وسيتولى مثلما فعلنا ذلك دائما، الدفاع عن مصالحهم جميعا، وحمايتهم من أي تشتّت أو انقسام داخلي.
فلقد تكوّنت بعد لجنة نقابية قطاعية ممثلة للصحافيين وباقي العاملين في الصحافة المنخرطين في الاتحاد لتتفاوض في مراجعة العقد المشترك للصحافة المكتوبة. كما أنّ النقابات الأساسية للمؤسسات الاعلامية العمومية تستعد هي الأخرى لمراجعة القوانين الأساسية لمؤسساتها.
وكما في الجولات الماضية، فإنّ المفاوضين يحاطون برعايتنا. إنّ هدفنا هو تحسين الوضع المادي والمعنوي للصحافيين وتطوير قطاع الاعلام في بلادنا، بتشجيع حرية التعبير وتعصير وسائل العمل. ولا جدال في أنّ أبوابنا مفتوحة أمام كل الصحافيين وغيرهم من العاملين والكفاءات للمشاركة في تحقيق هذه الأهداف.
س. صرحتم مؤخّرا أنّ الاتحاد يعتزم اعادة النظر في موقفه من المشاركة في مجلس المستشارين بمناسبة تجديد البعض من أعضائه. هل حددتم محدّدا من هذا الموضوع؟
لا، لم أصرّح أبدا أنّنا سنعيد النظر في موقفنا، ولو فعلنا ذلك فلكأنّه مغلوط أو غير ملائم. أنا تحديدا عبّرت عن الضيم الذي يشعر به النقابيون والرأي العام والذي ينعكس على المجلس نفسه. فنحن اليوم أمام مفارقة: فالاتحاد الذي كان رائدًا في المطالبة بانشاء غرفة تشريعية ثانية تفاديا لكل تداخل بين دور الأحزاب السياسية ودور الأطراف الاجتماعية وغيرها من مكونات المجتمع المدني، يجد نفسه في نهاية المطاف، خارج هذه المؤسسة البرلمانية. وهذا الوضع غير الطبيعي يستمرّ منذ 3 سنوات.
وها نحن نستغل فرصة تجديد نصف المدّة النيابية التي ستجرى منتصف أوت القادم لنذكر بحقّنا في انتخاب نوابنا في هذا المجلس واحتلال مقاعدنا الشاغرة. لكنّنا نصطدم بعقبة لا يمكن تجاوزها. فقد سنّ القانون طريقة انتخاب لم توافق عليها هيئتنا الادارية باعتبارها تمسّ من استقلاليتنا وحريتنا في اتخاذ القرار. فكيف نقنع النقابيين والشغالين بأنّ ممثليهم في مجلس المستشارين يقع انتخابهم من طرف المنتخبين جهويا من منتسبي الأحزاب السياسية؟
يصعب علينا حقيقة ابتلاع هذه «الحربوشة» الموصوفة في دستورنا؟
نأمل أنّ السلطات العمومية تتفهم عمق تحفظاتنا وتجد الحلول الملائمة والكفيلة بتمكين الاتحاد من احتلال موقعه الشرعي صلب الغرفة الثانية.
تحفظاتنا يعرفها الجميع سنكتفي بشرحها وتقديمها مرّة أخرى إلى السلطات المختصة، آملين أن يؤدّي ذلك إلى حلول مقبولة. لسنا من أنصار حرب المواقع. فما الفائدة من التمسّك بمواقف متناقضة بينما نستطيع من خلال الحوار حلّ الإشكال وتمكين الاتحاد من حقوقه، فنقوّي مصداقية مجلس المستشارين واشعاعه.
س: لقد صرحت عدّة مرّات أنّ هذه المدّة النيابية ستكون الأخيرة بالنسبة لك، ماهي مشاريعك بعد أكثر من أربعين سنة من المسؤوليات النقابية؟
ليس لي مشاريع شخصية خاصة بي. فعلى امتداد مسيرتي النقابية، لم يكن لي مشروع فردي. كل مشاريعي عشتها داخل الاتحاد.
آنّها مشاريع جماعية، تقاسمتها مع اخواني، عاكسين نظرتنا للعمل النقابي والتزامنا بالدفاع عن مصلحة الشغالين والمصلحة العليا للبلاد.
فأنا أنتمي إلى جيل لم يفرق بين العمل النقابي والعمل الوطني. لقد عايشت المناضل الكبير أحمد التليلي، وناضلت مدّة سنوات طويلة إلى جانب الزعيم النقابي الحيبيب عاشور وعدد آخر من الاخوان المهمين. ومنذ سنة 1961، عشت كل انتصارات الاتحاد وكذلك أيضا الانكسارات والمطبات التي عرفها تاريخه الطويل. لكن لم يحن بعد وقت اعداد تقييمي الشخصي أو تحرير مذكراتي.
أنا الآن على رأس الاتحاد وأقوم بمسؤولياتي على الوجه الأكمل. وليس هنا المشكل.
إنّ المهم هو مستقبل الاتحاد وحرصي الأكبر هو في مواصلة مسار التصحيح النقابي الذي بدأناه سنة 2000 حيث عشنا وقتها أزمة خاصة مغايرة لأزمات 65 و78 و85.
كان امتحانا مؤلما. لقد تجنّد كل النقابيين من أجل انقاذ الرصيد التاريخي لهذه المنظمة العتيدة والتي اهتزّت من الداخل بينما صمدت أمام كلّ المصاعب التاريخية. وإذ أذكر بهذا الحادث، فلأنّ الاندفاع العفوي لأبناء الاتحاد قصد الدفاع عن شرف منظمتهم قد مسّني كثيرا. كما أنّ هذا الإندفاع كان وراء عملية انقاذية شجاعة خدمت الاتحاد كثيرا.
برنامج واسع
فمشروعي الشخصي، حتى أجيب عن سؤالك، هو مواصلة هذا المسار حتى نحافظ على لحمة الاتحاد ونحصّنه ضدّ أي محاولة زعزعة داخلية أو خارجية.
لقد انطلقنا بعد أزمة 2000 في برنامج عمل واسع يهدف إلى إعادة تنشيط هذه المنظمة العظيمة، المنصرفة منذ أكثر من نصف قرن للدفاع عن قضايا العمال وعن المصلحة الوطنية. انّ من واجبي أن أواصل هذه الدينامية الاصلاحية التي ما فتئت تحمّس المناضلين وتسترعي اهتمام الملاحظين والأصدقاء. هذا وان أحد أكبر أهداف هذا الاصلاح اقرار آليات دائمة تساعد على القضاء على أسباب المركزية المفرطة، وعلى تقوية التشاور الديمقراطي والتصرف الشفاف في شؤون الاتحاد مع تدعيم وتعزيز المبادئ المؤسسة لحركتنا النقابية ومنها البذل والتضحية والإلتزام الكامل بقضايا الشغالين.
وسوف نواصل تقوية المبادئ التي أقمناها للقضاء على كل نزعة سلطوية، ترسيخ العمل الجماعي، مقاومة كل نزعة جهوية واجهاض أيّ نزعة شخصية أو تصرفات منافية للأخلاقيات النقابية.
لقد استعاد الاتحاد منذ مؤتمر جربة اشعاعه ومصداقيته ومن واجبي شخصيا السهر على أن لا يتراجع هذا المسار وعلى أن يحافظ الاتحاد إلى الأبد على صورته الحقيقية كمنظمة مستقلة مناضلة، ديمقراطية وطرفا فاعلا في نضال بلادنا من أجل التقدم الاجتماعي والديمقراطية.
أنا الآن في مطلع مدّة نيابية طويلة، وهو ما يمكنني بمساعدة اخواني، على تقوية صفوف الاتحاد واعادة تحديد أولوياتنا بالنظر إلى حاجيات وطموحات الشغالين وذلك حتى يبقى الاتحاد قوّة اجتماعية طلائعية قادرة على مجابهة تحديات التنمية كافة. إنّ ال 45 سنة التي قضيتها في حضيرة الاتحاد علمتني أن أكون متواضعا وواقعيا. فالشرعية الحقيقية هي التي تفرزها الإرادة العامة للنقابيين، وما القيادة الحقيقية إلاّ تلك التي تستطيع أن تتلقف انتظارات الأجيال الجديدة. ان مستقبل مركزيتنا النقابية رهين حيويتها وقدرتها على الانفتاح أمام الشباب والنساء والمهن الجديدة. ولا جدال في أنّ طاقة التجديد العجيبة هي دون أدنى شك السر الذي يفسّر طول عمر الاتحاد.
إذن ليس لي ما يشغلني اليوم الاّ تعميق ديناميه الاصلاحات الداخلية، تطوير التفكير النقابي الحرّ، مقاومة كل أشكال الاكتفاء والتحجر وإدراج العمل النقابي في منطق مستقبلي وذلك حتى نوفّر لمناضلينا وللأجيال الجديدة امكانية مواصلة هذه المغامرة الجميلة التي هي واحدة من أروع صفحات ملحمة شعبنا من أجل الحرية والكرامة والتقدم ألا وهي تاريخ الاتحاد العام التونسي للشغل.
في إطار مثل هذا، تبقى كل الاعتبارات الأخرى بما فيها المضاربة حول المدة النيابية والمشاريع الشخصية غير ذات معنى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.