ماذا يمكن لي أن أكتب في هذا الشأن، في هذا الجرح النازف؟ أعترف أنّني لم أستطع، فكلّما هممت بفعل ذلك، مثل أمامي واحد من الأطراف الخارجية المعنية مباشرة أو بصفة غير مباشرة بالموضوع. وهي أطراف لا أقدر عليها، هي في حدّ ذاتها، فضلا عن كونها لها امتدادات في كلّ مكان. ويزيد عجزي عندما يمثل أمامي عدد من أصدقائي اللبنانيين وهم من كل الألوان، فلا أرضى لنفسي أن أصطف وراء حسن (من حركة أمل) مقابل حسن الآخر (من المستقبل) أو مع حسن (من المنار) ضدهما كما لا أقبل أن أقف وراء بطرس (من القوميين) ضدّ أديب (من التيار الحر)... ولا مع فاطمة من الجنوب ضد فاطمة من الشمال. ذلك أنّني لمّا لقيتهم لأوّل مرّة، عرفتهم كلبنانيين ولاشيء آخر غير لبنانيين، خاصة عندما يكون اللقاء قد تمّ خارج لبنان. أمّا تفاصيل الألوان والانتماءات فلم أكتشفها شخصيا إلاّ بعد أمد طويل. طلبي من الأطراف الخارجية أيّا كان أصلها وفصلها أن ترفع أيديها عن لبنان وأن تترك شأنه لأبنائه دون سواهم. أمّا للأشقاء والأصدقاء، بل أقول للأهل، في لبنان، فأقول فقط: لا تعذّبونا. غفلة... صدمت وأنا أنزل من القطار السريع في محطة مدينة بروكسل لحجم الاعلانات ووفرتها واختلاف أشكالها ولغاتها، المنبّهة إلى كثرة النشالين والداعية بإلحاح شديد إلى الاحتياط منهم. وما من أحد استفسرناه أنا وزملائي عن هذه الوجهة أو تلك إلاّ وختم ارشاداته بالنصيحة المنبّهة إلى خطر النشل والنشالين. اتخذنا ما تيسّر من الاحتياطات، والحق أقول أنّنا سلمنا في البداية من أيّة شرور، عدا تلك النظرات الحادة التي تلمس فيها شيئا من الكراهية وجنوح الى الابتعاد عنك، حتى وأنت مار في الشارع. ثمّ وأنت تتجوّل في المدينة، تلحظ وجوها، تفهم للوهلة أنّها قريبة منك حتى لا أقول أليفة، كيف لا وهي من أصول عربية واسلامية وافريقية. لذلك «اطمأنت قلوبنا» بعض الشيء وقال كل واحد منّا في سرّه إنّ الأذى إن وجد، لن يأتينا من أصحاب تلك الوجوه. وقد ظلّ معنا ذلك الاطمئنان إلى آخر لحظات المغادرة.. لمّا وفي غفلة منّا بمكتب شركة الطيران، حصل المحظور، فنشل منّا النشال أو النشالون حقيبة بها كاميرا رقمية وأشرطة وأفلام لا تعوّض كلّها بأي ثمن. فمن يسيء إلى من؟ هوى شكرًا وألف شكر لكلّ الذين سألوا عن أسباب الاحتجاب في العددين الماضيين ولكل الذين يصادف ما نكتب هوى في نفوسهم.