قبل الدخول في الحديث عن مدينة القدس معالمها ومكوناتها ومكانة الاقصى فيها، وقبل ان تتحول القدس الى قضية ثم الى سؤال عن مصيرها، وبحكم المكانة الروحية الدينية التي تحتلها هذه المدينة هذا المكان المقدس من جهة وبحكم بحثنا عن الطريق المؤدية الى القدس من جهة اخرى، بهدف الكشف عن الحقائق التي ستطيح بأنظمة من المفاهيم والانساق والتصورات السائرة في اتجاه التفاوض من اجل التنازل ثم تمكين الآخر من اخذ ما ليس له به علاقة نفضّل الاشارة الى نقطتين هامتين نستدل بهما على الطريق المؤدية الى القدس، وبهما يبرز للجميع الوجه الحقيقي والمعالم الاساسية والطابع الاصلي لهذه المدينة. فالنقطة الاولى تعني لمن يجهل او يتجاهل حقيقة: أن «اسرائيل» (عبد الله) هو اسم ل «يعقوب» ابن اسحاق ابن ابراهيم الخليل عليهم السلام وان اسماعيل هو العم الاكبر ليعقوب عليهما السلام. أما النقطة الثانية فتتمثل في مجموعة من الآيات القرآنية تدعم النقطة الاولى وتفسرها وتوضحها وتذكّر من نسي او يتناسى او يتغافل بأن الانبياء والرسل كلهم مسلمون ولا يمكن ان يكونوا الا مسلمين لأنهم أنبياء ورسل الله جلّ جلاله وان الدين عند الله الاسلام وليس شيئا آخر. يقول قائل: ما علاقة هاتين النقطتين بحديثنا عن القدس؟ وجوابنا: أن العالم كله حديثا وقديما بتاريخه ومفكريه وباحثيه وبأصدقائه وأعدائه وبالأمم المتحدة ومجلس الامن الدولي و... كلهم يعترفون ضمنا ويقرون ويدركون جيدا بأن القدس «مدينة متدينة» تدين بالاسلام: لأن الدين عند الله الاسلام. «وما كان ابراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين»: (الآية 67 آل عمران). «وإذ يرفع ابراهيم القواعد من البيت واسماعيل ربنا تقبل منا انك انت السميع العليم (127) ربنا وأجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتُب علينا انك انت التواب الرحيم (128) (127 و 128 من البقرة) «ومن يرغب عن ملّة ابراهيم الا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وانه في الآخرة لمن الصالحين» (الآية 130 البقرة). «اذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين (131) ووصى بها ابراهيم بنيهِ ويعقوب يا بنيّ ان الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن الا وأنتم مسلمون (132). «أم كنتم شهداء اذ حضر «يعقوب» الموت اذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعد الاهك والاه آبائك ابراهيم واسماعيل واسحاق الاها واحدا ونحن له مسلمون» (133) (= 131 132 133 البقرة). «ان الدين عند الله الاسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب الا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم...» (الآية 19 ال عمران). أما سورة «يوسف» في كتاب القرآن الكريم فهي تبين لنا كيف وصل بنو اسرائيل من البادية الى مصر وفي حدود القرن 12 ق م تبدأ رحلة «موسى» عليه السلام نبيا ورسولا ل «بني اسرائيل» متسلحا بالتوراة حقا أزهق به باطل فرعون وهامان وقارون ومن استنجدوا بهم من السحرة: فمن «بني اسرائيل» من كان مؤمنا بالله وبما أنزل على موسى عليه السلام ومنهم من تولى وكفر وأصر على كفره. «واذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله اليكم فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين» (= الآية 5 من سورة الصّف). وبقي «بنو اسرائيل» مصرين على الحنث العظيم وعلى الظلال المبين فخاطبهم «عيسى ابن مريم» عليه السلام بما أنزل اليه فاتهموه بالسحر. «وقال عيسى ابن مريم يا بني اسرائيل اني رسول الله اليكم مصدقا لما بين يديّ من التوارة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه «أحمد» فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين (الصف 6). «ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به...» (= 89 (سورة البقرة). «ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون» (=101 من البقرة). «ولقد آتينا موسي الكتاب وقفّينا من بعده بالرسل وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون (87 البقرة). فهذا ان دلّ فهو يدلّ على اصرار «بني اسرائيل» على التمسك بالباطل واخفاء الحق وتقصد تحريف الحقائق واخفاءها لقيادة العالم نحو مجهول أظلم. «ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون واذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا قالوا سمعنا وعصينا وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين» (= 93 البقرة). انه اصرا آخر من «بني اسرائيل» على العصيان والكفر والكذب على الله ومحاربة الاسلام وتحريف القرآن وتدنيس الأراضي المقدسة والعبث بمعالمها. «ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى الى الاسلام...» (= الآية 7 من سورة الصّف). «يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون» (= الآية 8 سورة الصف). ان الغاية التي نرجوها هنا من استنجادنا بالقرآن الكريم، هو دعم مواقفنا واسنادها بالحجة والبرهان امام الافتراءات والاكاذيب، فلم نجد افضل من القرآن موضوعية سواء من الناحية التاريخية والدينية او من الناحية المعرفية والانطولوجية. فأولى الحقائق التي نريد ان نثبتها هنا تتجلى في الآية التالية: «ان الدين عند الله الاسلام» (الآية 19 من آل عمران). ومع هذه الآية تتبين حقيقة تزوير التوراة الاصلية من قبل احبار اليهود والابقاء على الصورة المشوّهة والمحرفة التي يتحجج بها «بنو اسرائيل» الآن في ادعاءاتهم الباطلة على القدس وعلى فلسطين. ثاني هذه الحقائق التي تتأسس على الاولى طبعا وهي ان أنبياء الله ورسله كلهم مسلمون ولا يمكن ولا يجب الا ان يكونوا مسملين ومع هذه الحقيقة تتعرى مزاعم اليهود كون ابراهيم عبرانيا ولم يكن مسلما، وكذلك ذريته. ثالث هذه الحقائق تتجلى في وجوب النظر الى «القدس» الشريف من زاوية الانبياء والرسل، من زاوية الاسلام ومن زاوية التوراة الاصلية، الحقيقية، ومن زاوية الانجيل الذي نزل على عيسى عليه السلام. رابع هذه الحقائق يظهر في مقاومة التدويل السياسي للقدس والحفاظ على المكانة الدينية الاسلامية لهذه المدينة بعيدا عن اي قرارات أممية او اتفاقات ثنائية وجانبية. فمن منطلق الحقائق الاربع وأخرى كثيرة لم نأت على ذكرها، يتبين لنا مدى أهمية القدس بطابعها الديني الاسلامي في تقديم الحلول وانهاء الصراع الذي أغرق المنطقة عنفا وإرهابا، مازال يهدد الوجود البشري وغير البشري. لكن ما حصل فعلا وما يحصل الآن، ان الحركة الصهيونية أوجدت لنفسها سندا دينيا في «التوراة» الزائفة والمحرّفة لتشرع اغتصابها للقدس ولكل فلسطين بمعنى أوضح، اذا أردنا البحث عن الاسباب والدوافع التي أدت الى الاستيلاء على القدس وتحويلها الى عاصمة «اسرائيل»، فاننا سنجدها في الحركة الصهيونية العالمية التي تتحرك بمبادئ ومفاهيم وأهداف الرأسمالية العالمية التي لا تستطيع ان تعيش وان تتواصل الا باحتلال اراضي الغير ونهب ثرواته والاطاحة بالأنظمة من اجل الهيمنة المطلقة وقيادة العالم طبعا باسم شعارات الديمقراطية والحرية وتقرير المصير ومحاربة الارهاب. حتى ان الكثير من المفكرين والباحثين والسياسيين يعرفون جيدا، كما يعرفون ابناءهم وزوجاتهم بأن الثورة الفرنسية مثلا بشعاراتها الجذابة كانت من دوافع الحركة الصهيونية العالمية، ذلك ان فرنسا مازالت لديها النزعة الاستعمارية وانحيازها الأعمى والمطلق للكيان الصهيوني ولقوى الشر في العالم، مما يفضح اكثر المضامين الحقيقية لتلك الشعارات في رغبة فرنسا لنهب ثروات الغير اذا، فعلى ضوء الحركة الصهيونية العالمية وممارساتها تظهر المغالطات، والاوهام التي قامت عليها الحضارة الانسانية يقول الفيلسوف الالماني «نيتشه» : «لابد من هدم ما يسمى بالحضارة الانسانية؟! القائمة على الوهم والخداع والزيّف والمغالطات ولابد من إعادة بنائها من جديد على أسس صحيحة وحقيقية.