كما قامت المصالح المالية بالجامعات بحسم أجرة يومي 19 و20 نوفمبر 2007 لكل المدرسين المضربين، بل ذهب بها الأمر الى تعمّد قطع أجرة يومين حتى بالنسبة إلى الذين شاركوا في الاضراب يوما واحدا بحكم أنّهم لا يدرّسون في اليوم الثاني. كما انتهزت الفرصة كذلك لقطع أجرة يومين للنقابيين الذين لا يدرّسون يومي الاضراب. وهو ما يؤكد مرّة أخرى تواصل الاجراءات الانتقامية ضدّ المدرسين بصفة عامة وضد النقابيين بصفة خاصة. فهل من مستقبل لجامعة تسيء إلى علمائها؟ ثمّ ماهو مصير الفائض المالي الذي تحصّلت عليه الوزارة على اثر هذا الاقتطاع؟ فهل رصد لتوفير المبيتات للطلبة أو لبناء مؤسسات جامعية جديدة أو صيانة القديمة منها؟ هل استثمرته الوزارة في اقتناء حواسيب ومستلزمات مهنية للمدرسين وفي تجهيز المخابر بأحدث التجهيزات العلمية أم لشراء كاميراهات لمراقبة الطلبة والمدرسين وتجهيز مبناها الجديد وتسديد منح وتذاكر سفر لأولئك الذين وقعوا مقالات الشكر والثناء وثمنوا القانون التوجيهي الجديد للتعليم العالي؟ ولقد دأبت الوزارة على تأليب المدرسين على بعضهم بعضا وبث التفرقة بينهم على أساس الأصناف أو الرتب أو الانتماء النقابي والسياسي والعمل على احباطهم ودفعهم الى الاستقالة من الشأن الجامعي والوطني وعلى انتهاز كل فرصة لتوتير العلاقة بين مكونات الجامعة. كما وضعت المدرسين تحت الرقابة المشدّدة، تتجسّس على مراسلاتهم الالكترونية باعتبار تحديدها وامتلاكها لكلمة السر التي تخوّل الارتباط بموقع التعليم العالي على شبكة الأنترنات واستحالة تغييرها بالنسبة إلى المدرسين. كما يمكن للادارة ان تعرف تحرّكاتهم كافة بعد تركيزها لكاميراهات في أروقة وقاعات بعض المؤسسات الجامعية. وإمعانا في البيرقراطية، طالبت اطار التدريس بالحصول على رخصة مسبقة وشخصية للقيام بالساعات الاضافية، وهو ما ينمّ عن عدم معرفة بالأوضاع الحقيقية للجامعة، حيث رفض العديد من المدرسين طلب الترخيص ايمانا منهم بأنهم يقومون بواجبهم نحو الطلبة، وأمّا الوزارة فقد بادرت الى تعويضهم بأساتذة التعليم الثانوي أو تغاضت عن تأمين تلك الدروس وخاصة في مادة المعلوماتية. فعن أي جودة تكوين تتحدّث الوزارة التي لم تحرك ساكنا تجاه وضعية آلاف الطلبة الذين لم يتلقوا دروسا في عدّة مواد. وآخر بدعة للوزارة مطالبة الأساتذة بامضاء ورقة حضور اثر كل حصة وبتعمير سجل، يوجد في الادارة، لضبط نسبة حضور الطلبة وهو ما يؤكد مرّة أخرى جهل الوزارة بالشأن البيداغوجي وبالتعليم العالي عموما، ويكشف مقاربتها الأمنية «للنهوض بالتعليم العالي» وغايتها الخفيّة المتمثّلة في مراقبة المدرسين والطلبة لا غير. وباعتباره مضيعة للوقت واستخفافا من الوزارة بمهامهم وبوطنيتهم فقد رفض عديد المدرسين هذا الاجراء مواصلين بذل جهودهم للقيام بواجبهم على الوجه الأكمل بكل حزم، وما التجاوزات التي تحصل في هذا الشأن الاّ صادرة عن الموالين للوزارة أو عن المقربين منها. ووظّفت وزارة التعليم العالي مجالس التأديب لتصفية حسابات نقابية وسياسية، حيث سلّطت عقوبات بحق الاخوة رشيد الشملي ونورالدين الورتتاني على أسس تهم ملفقة وكيدية نسبت إليهم باطلا. ولقد انعقدت هذه المجالس التأديبية بصفة صورية لادانة الأخوين المذكورين رغم معارضة ممثلي اطار التدريس في هذه المجالس. فقد أنكر رئيس المجلس على الزميل نورالدين الورتتاني حقّه في الدّفاع عن نفسه وحق الزميل رشيد الشملي في الاستماع للشهود والتثبت من صحّة الوثائق والتقارير المقدّمة ضدّه من طرف العميد السابق لكلية الصيدلة بالمنستير والتي يشوبها التزوير الصّارخ. علما أنّه قد نسبت للأخ رشيد الشملي التهم التالية: 19 فيفري 2003: حجز عينات مخدرة كانت بحوزة التقني المكلف بتحليلها اثر تسخير عدلي. 04 جويلية 2003: التشهير العلني بموقف ادارة الكلية ازاء طالبة كانت تحمل اللباس الطائفي. فيفري 2004: تحريض الطلبة ضد الادارة بدعوى أنّها لم توفر لهم ظروفا طيبة لاجراء الأشغال التطبيقية. 31 مارس 2005: الاعتصام بمكتب عميد كلية الصيدلة. 31 مارس 2005: التواطؤ مع طالب الغش في الامتحان. 12 سبتمبر 2005: تعنيف مدير قسم علوم الصيدلية داخل مكتبه. 7 مارس 2007: التصريح في مقال بصحيفة أسبوعية بأن «بكلية الصيدلة تجاوزات بالجملة واضراب عن الطعام دفاعا عن المصلحة العامة». وعوقب من أجل شيء آخر وهو عدم احترام التراتيب الادارية والاخلال بواجب التحفّظ كما جاء في قرار وزير التعليم العالي بالطرد المؤقت لمدة 4 أشهر. وللتذكير فإنّ تواريخ التهم المنسوبة للأخ رشيد الشملي تمتدّ بين 2003 و2007 ولم يقع احالته على مجلس التأديب الاّ في 28 جويلية 2008! ومن المؤسف أن تصبح مهام المشرفين على المؤسسات الجامعية هرسلة اطار التدريس ورفع تقارير شبه يوميّة في شأنه، ممّا شجع العديد منهم على المزايدة وضرب التقاليد والأخلاق الجامعية والحريات الأكاديمية عرض الحائط. ولقد عوقب الأخ رشيد الشملي استنادا إلى تقارير العميد السابق لكلية الصيدلة نذكر منها: 8 جويلية 2003: سيدي الوزير.. «منذ تجديد المجلس العلمي بالكلية لم يكفّ الأستاذ الشملي، وهو مدير قسم، عن الطعن في المجهودات والانجازات المهمة والرّائدة التي حققتها وتحققها الوزارة على المستويين الوطني والمحلّي، لا غاية له سوى النيل من المناخ الطيّب الذي يسود مؤسّستنا. كما سعى ويسعى، ولكن دون جدوى، إلى تهميش عمل الادارة»... 11 مارس 2005: سيدي الوزير.. «بمناسبة الحملة الانتخابية التشريعية والرئاسية الأخيرة، تعمّد الأستاذ الشملي شخصيّا وبصفته مرشحا لقائمة «حركة التجديد بدائرة المنستير» توزيع المنشورات الخاصّة بحزبه وذلك يوم 15 أكتوبر 2004 أمام الكلية «وكانت احدى غاياته التعريف بنفسه لدى الوافدين بأنّه معارض وبأنّه تجرّأ على تحدّي الإدارة»... 7 أكتوبر 2005: سيدي الوزير «كما أحيطكم علما أنّ السيد الشملي وان فقد مصداقيته وتأثيره لدى زملائه من المدرّسينن، وذلك ما تثبته نتائج انتخابات المجلس العلمي... فإنّه يركّز حاليّا على ربط علاقة وثيقة بالأعوان وخصوصا بالطلبة وذلك في اطار استراتيجيّة جديدة لتحرّكاته المشبوهة، وكلّ ما نخشاه أن ينجح في استمالة الطلبة واستقطابهم. وفي اعتقادنا، قد يحقّق الأستاذ الشملي أهدافه السياسويّة المرسومة مادامت سلطة الاشراف لم تتخذ إلى حدّ الآن أيّ اجراء ردعي ضدّه رغم التجاوزات الخطيرة التي صدرت عنه»... وبخصوص الطلبة، فالوزارة تعاملهم كقصر لا رأي لهم، غير مكترثة بوضعهم المعنوي والمادي وبظروفهم المعيشية. فمشكل سكن الطلبة والطالبات، وخاصة أولئك الذين هم من أصول اجتماعية متواضعة، أصبح مزمنا، ودفع بالعديد منهم إلى البحث عن موارد اضافية لضمان استكمال دراستهم بل حتى الى الانقطاع نهائيا عن الدراسة وخاصة الطالبات اللواتي لا يتمتعن بالسكن، وهو ما يعدّ ضربا لمبدأ المساواة بين الطلبة ولمجانية التعليم. كما تمنع الوزارة على الطلبة كل نشاط نقابي أو ثقافي أو حتى الارتباط بشبكة الأنترنات، هدفها القضاء على الحركة الطلابية وامتدادها مع المجتمع المدني وخلق جيل جديد مستقيل من الشأن الوطني مطيع لا يقوى على التفكير والتمييز وعلى استعداد لقبول أي شيء مهما كان ويستميت من أجل مصالحه الشخصية. لم يعد الطالب يعني شيئا بالنسبة إلى الوزارة، فهو مجرّد رقم عليه تسجيل الحضور في قاعات التدريس أربع ساعات في اليوم وعليه ان يتدبّر أمره لايجاد الحلول لكل المشاكل التي تعترضه من سكن وتنقل وأكل ومراجع. وكما أعلنت الوزارة عن ذلك فإنّها أنجزت البطاقة الطلابية الذكيّة لحوالي 400 ألف طالب لكن الطلبة في انتظارها الي حدّ اليوم ومنذ بداية السنة الجامعية الفارطة واقتنت شبكة للأنترنات في جلّ المؤسسات الجامعية منذ أربع سنوات لكنّها لا تشتغل الى حد اليوم ولا يتسنى للطلبة الارتباط بها. لقد أضاعت وزارة التعليم العالي عند اصدارها القوانين الجديدة المنظمة للتعليم العالي فرصة تاريخية لاصلاح منظومة التعليم العالي ولإرساء تقاليد ديمقراطية تعتمد التشاور والعمل الجماعي خدمة للجامعة العمومية وللتعليم العالي والبحث العلمي ببلادنا. لقد فوّتت فرصة لتطارح مسألة التكوين وعلاقته بالتشغيل علما أنّها مسألة وطنية متشعبة يجب على المجتمع بأكمله البتّ فيها وتحمّل مسؤولياته في شأنها ولا يمكن بالتالي أن تكون مجالا خاضعا لتقلبات مزاج قلّة من المشرفين على الجامعة. عذرا لا يمكننا الاحتفال بخمسينية الجامعة التونسية مع وزارة تسعى إلى تهميشنا والاضرار بنا من خلال جملة من المشاريع المسقطة. سنظلّ أوفياء لنهج من سبقونا من خيرة ما أنجبت بلادنا لنواصل الدفاع عن الجامعة العمومية ودورها. كفى! كفى من فضلكم.