اتّخذت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والتكنولوجيا خلال الأيّام الأخيرة، وتحديدا يوم الاربعاء 7 جانفي 2009 إجراء غير مسبوق لم تعشه الجامعة التونسيّة إطلاقا طوال تاريخها ألا وهو تعليق تسمية أستاذ جامعي في رتبة علميّة جديدة بسبب اكتشاف سرقة علميّة واضحة في الملف الذي تقدّم به أمام لجنة الانتداب الوطنيّة قصد نيل هذه الرّتبة. ينتمي الأستاذ المُدَآن إلى قسم الفرنسية بكلية الآداب والعلوم الإنسانيّة بصفاقس ورتبته أستاذ مساعد. كان تقدّم الأستاذ المذكور السنّة الفارطة 2007 2008 أمام اللّجنة الوطنيّة لانتداب الأساتذة المحاضرين في الآداب واللغة الفرنسيّة وفشل في المناظرة، إذ اعتُبرَ ملفّ ترشّحه ضعيف جدّا ولا تتوفّر فيه المقاييس العلميّة المطلوبة. خلال الدورة الأخيرة للّجنة الوطنية لانتداب الأساتذة المحاضرين التي التأمت يوم 15 ديسمبر 2008 والتي تغيّرت تشكيلتها، مثل الأستاذ المذكور مجدّدا أمام اللجنة وحصل ما لم يكن في الحسبان اذ اكتشفت عضوة في هذه اللجنة ومقرّرة في ملفّ المترشّح أنّ هنالك سرقة علميّة تمثّلت في النّقل الحرفي لمقاطع عدّة من كتاب لأستاذة جامعيّة اسمها Virginie Lupo تُدرّس بجامعة «ليون». الكتاب المذكور عنوانه Le Théâtre de Camus. Un théâtre classique، صدر بدار نشر Septentrion بفرنسا سنة 2002 وهو عُصارة دكتوراه ناقشتها الجامعية الفرنسيّة المعنيّة سنة 1999. والغريب في الأمر أنّ كلّ الأدلّة الدّامغة التي قدّمتها الأستاذة الجامعيّة التي تدرّس الأدب الفرنسي بكلية الآداب منّوبة الى بقيّة أعضاء اللجنة لم تجد الصّدى المرتقب وتبيّن لهذه الأستاذة أنّ زملائها مصرّون على انجاح هذا الأستاذ مهما كلّفهم الأمر لأسباب غامضة وغريبة. لم يكن اعتراض الأستاذة على ملفّ المترشّح شفويّا فقط بل أرفقته بتقرير مفصّل ومبرّر أرسلته إلى السيد الوزير، كاشفة عمليّة السّرقة التي قام بها الأستاذ. وكان موقف سلطة الاشراف حازما وصارما اذ بعد التحرّي قرّرت تعليق تسمية الأستاذ في رتبة أستاذ محاضر في انتظار الإجراءات التي ستتّخذها في هذه القضيّة والتي ينصّ عليها القانون المتعلّق بالملكيّة الفكريّة وبالسّرقة العلميّة الذي وقعت المصادقة عليه في المدّة الأخيرة من قبل مجلس النواب. تطرح هذه القضيّة معضلة حقيقيّة كانت وسائل الاعلام أشارت إليها مرارا وهي وجوب التحرّي والتثّبت والتّأنّي في تكوين لجان الانتداب الوطنيّة في مختلف الاختصاصات. انّ الجامعة التونسيّة وهي تحتفل بخمسينيّتها تزخر بالأساتذة الشّرفاء والنّزهاء وما حصل ماهي الاّ حالة شاذّة والشّاذُ، كما يقال، يُحفظ ولا يُقاس عليه. لكن لا بأس أن نذكّر أنّه لو قام جلّ أعضاء اللجنة الوطنية لانتداب الأساتذة المحاضرين في مادة الفرنسية بمهمّتهم العلميّة العلميّة كما يجب، أي قراءة ملف المترشّح وتقييمه بصفة متمعّنة ودقيقة، لما وُضعت سلطة الاشراف في هذا الموقف الحرج. كنّا أشرنا في كثير من المناسبات أنّه لا يعقل أن تتداول نفس الأسماء التي أُغْدقت بالتّشريفات والمسؤوليّات في لجان الانتداب والتي لم يعد لها الوقت الكافي لقراءة الملفّات والأطروحات. فلُبّ القضيّة اذن ليس الأستاذ الذي قام بعمليّة التّزوير والغشّ بل بعض الأعضاء الذين أرادوا منع الأستاذة التي تفطّنت الى عمليّة السّرقة من قول الحقيقة وحاولوا التأثير عليها بكلّ السّبل ولو لم تصمد وتُصرّ وتتشبّث باحترام الوزارة التي تُشغلّها وباحترام نفسها ومهنتها لمرّت القضيّة مرور الكرام ولوجدْنا المعني بالأمر يتبجّح برتبته العلميّة الجديدة ويعدّ لفترة زاهية من الدكتاتورية يسلّطها على زملائه الأقلّ منه رتبة.