شارك الأخ عبد السلام جراد الأمين العام للاتحاد على رأس وفد نقابي في المؤتمر 36 لمنظمة العمل العربية الذي التأم بعمان العاصمة الاردنية من 5 الى 10 افريل 2009، تحت شعار: «تنقل الأيدي العاملة العربية: الفرص والآمال». وقد القى كلمة ابرز فيها جملة من المقترحات والتصورات المتعلقة بالمحور المهم الذي تناوله المؤتمر بالدرس والتمحيص وقد جاء في الكلمة. يسعدني في البداية ن أتقدم بجزيل الشكر الى الاشقاء في الاردن لإحتضانهم فعاليات الدورة السادسة والثلاثين لمؤتمر العمل العربي تحت الرعاية السامية لجلالة الملك عبد الله الثاني ملك المملكة الاردنية الهاشمية، متمنيا لهذا البلد العربي الشقيق مزيد التقدم والازدهار، ولإخواننا في اتحاد عمال الاردن، هذه المنظمة العربية العتيدة، كل النجاح والتوفيق. كما أتوجه بالشكر الى السيد احمد لقمان المدير العام لمنظمة العمل العربية للجهود التي ما انفك يبذلها لتطوير آداء المنظمة حتى تضطلع بدورها القومي في ترسيخ ثقافة الحوار الاجتماعي وتحقيق درجات عالية من التوافق حول مشكلات التنمية بالوطن العربي. يكتسي تقرير المدير العام المعروض على مؤتمرنا اهمية بالغة باعتباره يتناول قضية اساسية تشغل بال مجتمعاتنا وتتعلق بالتنقل بين الاقطار العربية بحثا عن فرص العمل وهي قضية تثير الكثير من الاشكاليات المرتبطة بالحقوق النقابية وحقوق الانسان وبقدرة بلدان الاستقبال على استيعاب تدفق المهاجرين. لقد تضمن التقرير الذي جاء تحت عنوان «تنقل الأيدي العاملة العربية: الفرص والآمال» والمرفق بملحق حول تأثير الازمة الاقتصادية العالمية على الاقتصاديات العربية عرضا شاملا لحركة تنقل الأيدي العاملة بين الاقطار العربية وجملة من المقترحات لتنظيم عملية التنقل باعتبارها احدى عناصر التنمية المشتركة في الوطن العربي. وفي هذا الاطار ينبغي التأكيد انه من الطبيعي ان تستقطب الدول النفطية فائض القوى العاملة في الاقطار العربية ذات الموارد المحدودة، تماما مثلما تستقطب الاقطاب الصناعية الكبرى في العالم المهاجرين الوافدين عليها من مختلف القارات، على غرار هجرة أبناء المغرب العربي والأفارقة نحو أوروبا. وبقدر ما نشاطر تخوفات المدير العام بشأن مستقبل التوازنات الثقافية ببعض البلدان العربية وبخاصة بلدان الخليج، ونؤيد حرصه على دعم حضور العمالة العربية بهذه المنطقة تعزيزا لهويتها العربية وتكريسا للتضامن العربي، فإنه من الضروري العمل على حماية حقوق العمال المهاجرين مهما كانت جنسياتهم والتصدي لكل الممارسات التي تتنافى مع كرامة الانسان وتؤدي الى خلق كانتونات معزولة داخل مجتمعات الاستقبال. إننا لا ندعو الى إطلاق حرية تنقل الأيدي العاملة، بل ندعو الى تنظيمها وتيسيرها على قاعدة احترام اتفاقيات العمل العربية والدولية ذات العلاقة بالتنقل، وعلى قاعدة التكامل والاستفادة المشتركة بين الدول النفطية واليد العاملة العربية. ولقد شدّ انتباهي في هذا السياق الأرقام التي وردت في التقرير حول تقلص نصيب العرب من الوافدين واحتمال الاستغناء عن جزء كبير من العمالة العربية في السنوات القادمة مما سيتسبب في انخفاض التحويلات المالية للمتنقلين العرب وتفاقم البطالة وتراجع نسق النمو بالبلدان المرسلة للأيدي العاملة. ان هذه التوقعات التي تغذيها الازمة الاقتصادية العالمية تدعو الى الانشغال، غير انه في مقدورنا معالجة اسبابها ومنها نقص المهارات العربية بسبب ضعف منظومة التعليم والتكوين الى جانب الهجرة غير المنظمة وغياب الاتفاقيات الثنائية والبحث عن اليد العاملة الآسيوية الرخيصة بدل استيعاب الفائض من خريجي الجامعات العربية الذين يضطرون الى الهجرة نحو الشمال مما يحرم البلدان العربية من الكفاءات الفاعلة في التغيير الاجتماعي والاقتصادي. وعموما فإن الاشكاليات المتعلقة بالتنقل والهجرة داخل الوطن العربي لا يمكن معالجتها الا في ظل تكامل اقتصادي عربي حقيقي ينبني على تحالف رأس المال مع قوى العمل في اطار شراكة إقليمية تهدف الى تحقيق نهضة تنموية عربية شاملة. وهنا من الضروري التنبيه الى ان الازمة الاقتصادية العالمية سوف تلحق الضرر بالبلدان النفطية والبلدان ذات الموارد البشرية الهائلة على حدّ السواء، وسيكون لها انعكاسات وخيمة على التشغيل كما ستؤدّي الى تسريح أعداد غفيرة من العمال والمهاجرين وانخفاض معدلات النمو بسبب انكماش الاستثمار وتراجع التصدير والسياحة وغيرها من قطاعات الانتاج الصناعي التي راهنت عليها بعض اقطارنا للتعويض عن ندرة مواردها الطبيعية. إن النفط لا يكفي لتأمين التنمية، كما ان الثروة البشرية تصبح عبئا ثقيلا في غياب الاستثمار، وعليه لابد من بناء الوحدة العربية على اساس المصلحة المشتركة بصرف النظر عن الروابط القومية التي تجمع بين شعوبنا فمن غير المعقول ان لا تتجاوز المبادلات التجارية بين اقطارنا 8 من مجمل التجارة العربية، فيما الرأسمال العربي يتجه في مجمله الى الاسواق العالمية بدلا من الاستثمار في الفضاء العربي. وبقدر ارتياحنا للمؤتمرات والمنتديات العربية حول التنمية والتشغيل والنهوض بالموارد البشرية، وآخرها القمة الاقتصادية والاجتماعية والتنموية بالكويت، فلابد من الإقرار بأننا في حاجة ماسة الى ارادة صادقة لتنفيذ برامج العمل الصادرة عن هذه الاجتماعات بما يخفف من أعباء التشغيل ويوفر فرصا ثمينة للشباب العربي للإسهام في صنع مستقبل هذه الأمة بعيدا عن مشاعر الإحباط والتطرف ومآسي الهجرة السرية. وفي هذا الاطار، يتعين على منظمتنا تشجيع التجارب الاقليمية الصغرى وحفز الحكومات والشركاء الاجتماعيين على الإنخراط في تجمعات جهوية بالخليج والشرق الأوسط والمغرب العربي تمهّد الطريق في نهاية المطاف لإقامة السوق العربية الموحدة. ومما لا شك فيه ان تحقيق هذه الاهداف يظل رهين قيام حوار اجتماعي بين أطراف الانتاج العربية على قاعدة احترام الحقوق والحريات النقابية ومعايير العمل الاساسية، وإذ أؤكد أهمية هذا الحوار كخيار استراتيجي لبناء التنمية والديمقراطية فإنه من الضروري توسيع مجال الحرية النقابية الى الاقطار العربية كافة ومنها بعض بلدان الخليج التي ينبغي على منظمتنا وبالتعاون مع الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب حفزها على احترام الحقوق النقابية والتمثيل الثلاثي الحقيقي، انسجاما مع ضرورات التنمية ومنطق العصر. وفي سياق حديثي عن الحوار الاجتماعي، أستسمحكم لأشير الى أننا في تونس بصدد إنهاء دورة تفاوضية كبرى خضناها منذ ما يقارب السنة مع الحكومة واصحاب العمل أفضت الى الترفيع في المرتبات بالوظيفة العمومية والقطاع الخاص وتحسين تشريعات العمل، وهي جولة لم تخل من صعوبات واختلاف في وجهات النظر، ونحن ساعون لاستكمالها في المؤسسات العمومية بما يؤمن زيادات مسترسلة في أجور العمال والموظفين كافة على مدى السنوات الثلاث القادمة، كما اننا ساعون الى فتح باب التفاوض مع الحكومة ومنظمة اصحاب العمل حول العديد من الملفات الكبرى وبخاصة مستقبل الصناديق الاجتماعية وأنظمة التقاعد وكذلك الجباية والتشغيل الى جانب إحداث صندوق للتأمين على فقدان مواطن الشغل، ونأمل ان نلقى كل الدعم والمشورة من لدن المنظمة بما يعزز نظام الحماية الاجتماعية ببلادنا. ينعقد مؤتمرنا بعد القمة العربية بالدوحة في ظل ظروف إقليمية حرجة من أبرز ملامحها تداعيات العدوان الأخير على غزة واهتزاز التضامن العربي والانقسام الفلسطيني وتصاعد اليمين الصهيوني المتطرف. ومن المهم الإشارة في هذا الصدد الى ان الذي ينقص العرب اليوم ليس القمم والقرارات والتوصيات، بل الوعي بخطورة اللحظة الراهنة التي تستوجب ارادة صادقة لتجاوز الخلافات ونبذ سياسة المحاور وضمان الحدّ الأدنى من التضامن حول قضايانا المشتركة وفي طليعتها القضية الفلسطينية. إننا مطالبون بالتحرك السريع لإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني ونحن نأمل من الأشقاء الفلسطينيين ان يوحّدوا صفوفهم باعتبار ما للمصالحة الفلسطينية من تأثير على إعادة فتح المعابر وفكّ الحصار وإعمار غزة والتصدي لسياسات الاستيطان والغطرسة التي يمارسها الكيان الصهيوني ضد شعبنا العربي الفلسطيني. وإذ أغتنم هذه المناسبة لأحيي كل الأحرار في العالم مكبرا شجاعتهم في شجب العدوان الصهيوني على غزة ومطالبتهم بملاحقة مجرمي الحرب الاسرائيليين، فإني أؤكد أهمية دعم التواصل مع قوى السلام كافة في العالم من أجل خلق رأي عام دولي مناهض للاحتلال ومؤيد لحقوقنا المشروعة وفي مقدمتها إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وتحرير أراضي سوريا ولبنان والتعجيل بسحب القوات الامريكية من العراق وإلغاء القرار الجائر الصادر بحق الرئيس السوداني عمر البشير لما يمثله من تهديد مباشر لأمن السودان ووحدته وسيادته. وفي الختام أرجو ان تتوصل هذه الدورة الى رؤية مستقبلية واضحة كفيلة بحفظ حقوق العمال العرب ودفع مسار الاندماج الاقتصادي العربي، مجددا شكري لأشقائنا الأردنيين على حسن الوفادة.