ان انقلترا، البلاد السّباقة في اصدار قانون يمنع تسليط العقاب البدني على التلاميذ في مختلف المؤسسات التربوية، عادت لتلغي ذلك القانون بعد أن كانت النتائج سلبية وفي غير صالح التلاميذ وبعد أن بحثوا طويلا ليكتشفوا ان جيل اليوم لا يفهم سوى لغة العقاب بكل أنواعه وخاصة العقاب البدني. إنّ المربي سواء في الابتدائي أو الثانوي لا غاية له من تسليط العقاب على تلميذه سوى حرصه على تأديبه وعلى نجاحه في دراسته وكان التلميذ لا يعلم وليّه لأنّ العقاب سيصبح مضاعفا، وسيمسك الولي ابنه من يده ويتوجّه للمعلم قائلا: «يرحم والديك حاسبني بجلدو» وكلّنا نتذكر ذلك وكلّنا أكلنا ما «أكل الطبل يوم العيد». أمّا اليوم وبعد ان يعلم الولي بتسليط عقاب بدني على ابنه وهو ما أصبح نادرًا جدّا جدّا فإنّه يصطحب ابنه ثائرا مزمجرا متوجها للمعلم قائلا: «ألا تعرف ان الضرب أصبح ممنوعا.. «سي الشباب» نعم هكذا.. وبحضور ابنه التلميذ المعجب بشجاعة أبيه وطلاقة لسانه وإلمامه بالقانون قولوا معي: «يا حسرة يا زمان» على مكانة المربّي واحترامه وتقديره من طرف التلميذ والولي والبعيد والقريب. وهاهو مربّي اليوم، وعندما يتوقع توقيف مرتبه الشهري وحرمان أفراد عائلته ويتخيّل وقوفه في قفص الاتهام وربّما تسليط عقوبة بالسجن، فإنّه يتراجع في ضرب تلميذه المشوّش والفاشل والمهمل ويردد قولة أصبحنا نسمعها كل يوم: «قرا والا يجعلو باش قرا».. وله الحق في ذلك، وإليكم سيادتي القرّاء ما يلي: انّ 800 أستاذ يتعرضون سنويا للعنف، وان 83 بالمائة من الاعتداءات تقع داخل القسم، وتؤكد المعطيات الرسمية الصادرة عن وزارة التربية والتكوين انّه تمّ تسجيل 2025 حالة عنف في المحيط المدرسي خلال السنة الدراسية 2005 2006 منها 1040 حالة داخل قاعة الدرس و219 حالة في المحيط المباشر للمؤسسة و95 حالة عنف في الادارة و69 حالة في الممرات والمدارج، وتؤكد نفس المعطيات انّه تمّ تسجيل 800 حالة عنف ممارس معلن عنها من قبل التلاميذ، منها 653 عنفا لفظيا و56 عنفا بدنيا و56 حالات أخرى. وجاء في هذا الملف ان تلميذا بأحد معاهد مدينة باجة حرّض بعض أصدقائه من المنحرفين ضد أستاذه، فراقبوه حتى خرج من المعهد ثمّ انهالوا عليه ضربا حتى أُغمي عليه ولاذوا بالفرار. وفي أحد معاهد منوبة اقتحم ولي تلميذ ساحة المعهد وأخرج الأستاذة جرّا من شعرها واعتدى عليها بالعنف الشديد رغم صراخها واستغاثتها.. تصوروا.. وتصوّروا أيضا أنّ قريبا لأحد أصدقائي هتف لي مؤخرا من احدى مدن الساحل ذاكرا أنّه محتار وأصبح لا ينام الليل، ويفكّر ليل نهار في مستقبل ابنه الذي ضحّى من أجله بالغالي والنفيس، وانه سيتقدم بقضية للمحكمة الادارية لإبطال العقاب المسلّط على ابنه من طرف مجلس تأديب المعهد والقاضي برفته من معاهد الجمهورية كافة وطلب منّي أن أكتب كلمة بإحدى الصحف أدافع بها عن ابنه «المظلوم».. أتدرون لماذا؟ لأنّ مدير المعهد صفع ابنه تلميذ السادسة ثانوي فما كان منه الاّ ردّ الفعل ليتلقى المدير صفعة أقوى ولولا هروبه بجلده مثلما يقال «لأكل طريحة نبّاش القبور». وختم حديثه لي عبر الهاتف يسألني رأيي في الخروج من هذه الورطة وماذا بوسعه أن يفعل ولولا احترامي وتقديري الكبير لصديقي (قريبه) لأجبته: لتذهب للجحيم أنت وابنك.. ولكنني اكتفيت بقولها في نفسي!