هو حدث يبدو بسيطا في ظاهره، ولكنّه يتكرّر باستمرار، وكلّ مرّة يتجدّد في صيغة جديدة وبأساليب مختلفة، ممّا أجبرني على اتخاذ قرار بكتابة ما حدث عسى أن أخفّف عن نفسي عبْءَ ما أشعر به. كلّ ما في الأمر أنّي استقليتُ المترو قاصدا المرسى تلبية لدعوة صديقي الذي أراد أن يهنّئني بمناسبة اصدار كتابي الأوّل بدعوتي لحفل عشاء في منزله، اقتطعت تذكرتي كالعادة، وكان المترو مليئا كعادته بالرّكاب ومن مختلف الأجناس. وعند اقتراب وصولنا أتى مراقب التذاكر، فأخرج كلّ فرد تذكرته، وأدهشني أنّي رأيته يُزمْجر إبّان رؤية التذكرة، وبعد مناوشات كلاميّة بينه وبين بعض الركاب أدركتُ أنّنا قد اقتطعنا تذاكر الدرجة الثانية ونحن آنذاك على مقاعد الدرجة الأولى، إذ ليس من حقّنا أن نستقلّ عربة الدرجة الأولى!! ثمّة سيدة أجنبيّة أرادت أن تعتذر وتبرّر له عدم إدراكها بالمسألة، فقال لها حرفيّا اpour vous pas de problèmesب ثمّ التفت إليّ قائلا بعدما أريته التذكرة، هات بطاقة التعريف: سألته فأصرّ على أخذ البطاقة، فظننت أنّ الرجل يريد منّي شيئا آخر، مدَدْته ما ألحّ في طلبه، وعند النزول التفّ بي شرطيّان وكان مشهدا مُريعًا ومحرجا جدّا، ولكن شعوري بأنّي لم أقترف ذنبا قد جعلني أتماسك قليلا محافظا على هدوئي. كتب ما في البطاقة على كرّاس ثمّ أرجعها لي قائلا وحرفيّا «أيّا خُوذْ بطاقتك واخرُجْ»، لم أتمالك نفسي حينها بتوجيه بعض الأسئلة المحرجة، وبعد نقاش حادّ كاد يؤدّي بي إلى ذلك المكان (لا أراكم الله مكروها) غادرت وكلّي شعور بأنّي أعيش؟؟!! أتتْني مكالمة من والدتي هذه الأيّام قائلة لي: «ماكْ تألّفْ في الكتب ومش تْولّي عندك قيمتك في البلاد، أيّا هايْ جاتك خطيّة باللّي إنتِ مْرسْكي..!!؟؟»