نحن نعيش عصر المنافسة عديمة الشفقة ولا خيار امامنا سوى توسيع مجالات الحوار والتعاون لمعالجة القضايا المطروحة على الصعيد المعرفي والتكنولوجي بروح وطنية صادقة وفي مقدمتها قضية احداث المؤسسات التنافسية وبخاصة وضع حد لسياسة المكيالين التي تعتمدها قيادة البحث العلمي. اننا نقف على شرفات عصر السرعة «عصر الاقتصاد السريع» وان الاستثمار يجب ان يكون موضوعا من اجل ضمان اقتصاد مستقر وآمن في المستقبل مع ذلك فإن هذا الادارك يجب ان يتحول الى فرصة من اجل التطوير العلمي، ويمكن للبحث التنموي ان يلعب دورا جوهريا في هذا الخصوص. قطاع المعرفة قطاع المعرفة يعيش في ازمة متصاعدة نتيجة اعتماد استراتيجية التقليد والاتباع تحد من ارساء الحريات وبناء تنمية متوازنة، وقد اقترنت هذه الازمة بإضعاف البحث التنموي في القطاع الخاص وتردي الاوضاع المعرفية الامر الذي ادركته قيادة تحول السابع من نوفمبر التي سارعت برد الاعتبار للقطاع المعرفي واحترام الحقوق والواجبات وفتحت الابواب امام ارساء علاقات حوار وتعاون بين الكفاءات الوطنية، ولقد اكتسبت المرحلة الجديدة سندا شعبيا مهما ونجح الرئيس بن علي في ربط صلات وثيقة بسائر القوى الحية لتحقيق مكاسب تاريخية وفي مقدمتها النهوض بقطاع المعرفة والتكنولوجيا والتصدي لسياسة الهيمنة والظلم وخاصة الممارسات المنافية للقيم الثابة، وبعد تبين استقرار فكرة المصالح المشتركة في البناء التنموي، قامت قيادة البحث العلمي بإطلاق عدد من المبادرات في اطار مغلق رافض لكل اقتراح يرمي الى ان يقع مناقشة هذه المبادرات بكل شفافية والتمسك بالوصول الى دجة عالية من الثقة بأن اية مبادرة يتم الانضمام اليها ستكون كفيلة بتأمين النجاح لأي مشروع سواء كان على صعيد القطاع المعرفي أو التكنولوجي، وهذا يعني ان اي مشروع يتم تنفيذه على نسق قيادة البحث العلمي لن يكون مشروعا وطنيا يساهم في نقل التكنولوجيا الى القطاع الصناعي ولن يكون المنحى الصحيح في ولوج المشاريع التي تمنح امكانات جديدة للإستمرار والانطلاق في افاق ارحب. قيادة البحث العلمي تهتم بشكل خاص بتخطيط الحملات الاعلامية ورسم سياسات المحتوى البرامجي حول موضوع البناء المعرفي والتكنولوجي دون ان تفكر في اهمية تزويد خبراء القطاع الخاص بالمعلومات لدراسة وتقييم مضمون البرامج والاولويات التنموية مع الاخذ بتجارب القطاعات والاهتمام بمشاركة كل الخبراء في تطوير برامج وانشطة المؤسسات وسنرى فيما يلي نتيجة عدم التشجيع على اقامة تعاون قطاعي في مجالات تطوير مشاريع المعرفة والتكنولوجيا. نموذج التعليم العالي والبحث العلمي ما قبل التحول صورة هذه المنظومة تختلف تماما عن الصورة التي يقدمها الاعلام للمجتمع بلغة الاحترام والاعجاب بالتفاني والاخلاص في اخذ العلم بالجهود التي بذلتها المنظومة نحو تنفيذ المشاريع التي تتوافق مع الحاجيات الصناعية والتطوير المعرفي والتقني الذي عرفته المجموعة الوطنية، هدف الحملات الاعلامية هو نشر لغة الاحترام والاعجاب والتفاني والاخلاص لبناء سيادة مطلقة داخل المنظومة والعيش في العزلة التامة، وهو ما يتنافى وواقع العلاقات العلمية، ولا مجال للشك ان النموذج يقدم خط تحرك العلم ويجذب الى اسفل مستوى البؤس بما يسبب اضرارا في منتهى الجسامة. ان موضوع التعليم العالي والبحث العلمي من اهم الملفات التي اثارت الكثير من الخلافات حول الاقصاء والتهميش، ويرجع ذلك بالاساس الى ما يكتنفه من غموض وايهام من النواحي النظرية وتشابك المصالح وتضاربها، والاضرار الناشئة عن ذلك لم يقع مجابهتها بمقاربات واجراءات ملائمة من اجل انصاف اكثر في توزيع المسؤولية على مبدإ القيم والمصالح المشتركة، الوضع الذي يطرحه النموذج يؤكد الفشل في تحرير العقول من التقليد والاتباع والاذلال المتأتي من الخارج والدافع الى التوجه غير المشروع الذي تسبب في تدهور القدرة العلمية وتراجع واضح لنصيب المجتمع من ثمار النمو المعرفي والتكنولوجي وتفاقم الضغط الخارجي على الاقتصاد الوطني. عصر التحول منذ مجيء عصر التحول نجد القوة الحية في تضامن مع رئيس الدولة في تأكيد حرصه على مواكبة متغيرات التحول بتعديل وتطوير المفاهيم وتجديد رسالة النمو المعرفي والتكنولوجي وتكييف اساليب العمل الابداعي ليكون اكثر التصاقا بالفعل التنموي الميداني. في سياق هذا التمشي سنحاول في ما يلي رسم نموذج تأثيرات منظومة التعليم العالي والبحث العلمي والتكنولوجيا المتسببة في صعوبات موضوعية حقيقية ومن اهم هذه الصعوبات الضغط المتأتي من مواصلة اعداد المشاريع والبرامج. تأثيرات الاستثمار في المعرفة والتكنولوجيا النموذج يطرح بإلحاح ضرورة اعادة النظر بحزم وجدية في المنظومة للخروج من النفق الذي يبعث على الانشغال ومساعدتها على التأقلم والمتابعة والتحكم المنطقي للعلاقات العلمية والبحثية المؤسسة على الحوار والتعاون والتكامل، وتجدر الملاحظة ان النمو المعرفي والتكنولوجي في طريق النزول الى اسفل المستوى مهددا التوازنات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وهذا يعني ان الاستقرار يرتكز اساسا على تضامن المجتمع وقوة عزمه على الصمود امام الصعوبات الى ان تتحرك الدولة وتقوم بمهامها التعديلية، في هذا السياق، النموذج يؤكد ان احقية الدولة في الحصول على خروج المنظومة من العزلة التامة كان أمرا غير ممكن لأن ذلك يؤدي بقيادة البحث العلمي الى موقع العنصر المرافق على حافة الطريق. ويستمر هذا التفكير السلبي راسخا، مع ان الرئيس بن علي اكد خلال مراحل التغيير ان المعرفة والتكنولوجيا من المرتكزات الاساسية للنهوض بالمجتمع ورقيّه، وتمشّيه الاصلاحي اتاح للمنظومة الظروف الملائمة في تلك القيم الصحيحة وحقق لها الكثير من المكاسب مما جعلها منارة علمية بارزة مبنية على التعاون والتكامل في البناء الحضاري وفقا لمتطلبات العولمة، وكان بالامكان ان تتخلى قيادة البحث العلمي عن اخفاء، في صندوق اسود، مشاريعنا المستنبطة لإحداث المؤسسات والاستغلال الافضل لطاقات الانتاج الصناعي والحد من شدة احتياجاتنا لتوريد التجهيزات بكلفة باهضة من العملة الصعبة والتي تدفعنا الى تداين خارجي ثقيل الوزن، وكان بالامكان فعلا اقتصاد الطاقة على مستوى انتاج الكهرباء بالتحكم الافضل في المفاعلات لإنتاج الكهرباء دون استثمار اي بإستعمال الخبرة لمعالجة العطب أو خطأ فني. ان قيادة البحث العلمي تتعارض بعنف مع ملكة الفهم الوطني والاعتماد على الذات ولقد اغتنمت هذه القيادة الصعوبات الظرفية المتأتية من ارتفاع اسعار المحروقات للقيام بحملات اعلامية حول تبدد الكهرباء دون تعقل من طرف المواطن التونسي ونتيجة لهذا الاسلوب ارتفعت مصاريف التعويض بشكل يرعب وتكررت حملتها الاعلامية بنفس الكلام لكسب دعم رئيس الدولة في الاتجاه المستوحى من وصفات قيادة البحث العلمي. نموذج نقل انتاجية البحث النظري الى قطاع انتاج الكهرباء يلاحظ ان نقل انتاجية البحث النظري «اي البحث العلمي» جعل المبدع التونسي الضحية الاولى والمجتمع يدفع الثمن بالتأكيد ودون خطأ يؤسف له ان استهلاك الكهرباء يمثل المصدر الحيوي الرئيسي للنمو الاقتصادي والاجتماعي، والخطأ الذي يؤسف له هو نقل انتاجية البحث العلمي الى قطاع الانتاج الكهربائي والسلعي، وهو سبب التراجع المستمر بما يزيد تدهور القدرة الاستهلاكية التي لا علاقة لها بارتفاع مصاريف صندوق التعويض. وهذا التدهور سبّب انخفاض الحجم الاضافي الداخلي الاجمالي، وزيادة شدة الضغط على القدرة الشرائية لجميع الاجراء والمداخيل الجبائية لميزانية الدولة، وتفاقم البطالة لدى خريجي التعليم العالي، واللجوء الى التداين الخارجي ومن التزام مستعجل الاعتراف بهذه الاستنتاجات يجدر تأكيد الضرورة القصوى لرئيس الدولة ان يقتلع مشاريعنا من صندوق قيادة البحث العلمي الاسود نظرا لشدة تأثيرها كمنشط مهم للفكر الابداعي الذي نحن في امسّ الحاجة اليه. ولا يخفى على احد ان رئيس الدولة هو المسؤول الاول عن المحافظة على حق المبدع التونسي في تأدية دوره في نمو اهلية الكفاءات باعتبارها الطرف الاساسي في الديناميكية المنافسة الاقتصادية وفقا للاجتهاد وكثرة المشاركة بما يكفل لكل مواطن ما يستحقه من منزلة اجتماعية لائقة.