لرمضان جلال في القلوب عجيب حبيب، تنزاح عنها خلاله الأثرة والقسوة ويستوطنها الإيثار والرحمة ولعلّ أظهر ما يكون ذلك وأحلى فيما صار يعرف عندنا بموائد الإفطار وهي أطعمة شهية تعد للفقراء والمعوزين يصيبون منها مجانا «هكذا ضرب من الإحسان» وان كان يحسن ان يقيمها المجتمع الأهلي في جمعياته أو المحسنون من الأغنياء والمؤشرين في حدائق منازلهم مثلا. ولئن كان عهدنا بهذه الظاهرة الممتازة في بلادنا غير قديم فإنها قديمة في بلاد الاسلام حيث يربو تاريخها أو يكاد على الألف سنة وكانت مصر مهادها فقد كان حاكمها المملوكي أحمد بن طولون هو ووجهاء البلد وميسوروها ينصبون السّرادقات في الساحة كامل مغارب رمضان وعليها ما لذّ وطاب من الأطعمة يصيب منها الفقراء والغرباء افطارا لذيذا شهيّا فيشبعون ويعمر قلوب الجميع أمان ناعم لذيذ وكانت هذه الموائد لوجه الله ثمّ استقرّت مع السنوات من خلال التوظيف السياسي ولعلّ أطراف من عبر عن ذلك وإن في شكل هازل كاريكاتوري المخرج المصري حسن الإمام في شريط استعراضي أخذه عن قصّة «اضراب الشّحاتين» للرّوائي إحسان عبد القدوس من مجموعته «عقلي وقلبي»، ومحور الشريط رجل طيّب من الوجهاء اعتاد على اقامة موائد الإفطار تفاؤلا وتزكية. لكنّه لما يعن له الترشح لمجلس الشعب. أثناء أحداث ثورة 1919 يضرب الشحّاذون عن الأكل من مائدة إفطاره لأنّهم يرون الوقوف إلى جانبه والحضور الى مائدة الإفطار دليلا على مساندته فتنطلق المفاوضات بين الجانبين في شكل حوار غنائي ويضطرّ الرّجل الوجيه الى إرضائهم ضمانا لأصواتهم في الانتخابات.. وما أثمنها! ولئن كان الفيلم ككل عمل فني من نسج الخيال فإنّ له بالواقع صلة وإن بمقدار المستفاد من هذا الفيلم على طابعه الهازل.