لقد جعل الله من الماء كل شيء حيّ، ومعنى ذلك ان الحق في الماء يمثّل الحق الاول والاساسي ضمن جميع لوائح حقوق الانسان: السماوية منها والوضعية، ولكن للأسف فإن اعدادا هامة من المواطنين في عديد المناطق الريفية من بلادنا العزيزة مازالوا محرومين من هذا الحق، وذلك في الوقت الذي تتكاثر فيه المسابح الخاصة في الفيلات والقصور، وفي الوقت الذي تنوّه فيه الدوائر الدولية المختصة بما حققته تونس من نسب تنمويّة عالية مما بوّأها الصدارة افريقيا في الكثير من المجالات ومنها مجال البنية الاساسية، ولكن يبدو ان بعض المناطق الريفية خاصة داخل البلاد، لم تشملها مثل هذه الاحصائيات، وظلت في الحقيقة على هامش الانجازات المحققة في هذا الميدان وغيره وهو ما يطرح تساؤلات عديدة حول عدالة توزيع ثمرات التنمية المحققة جهويا واجتماعيا، بل ان بعض الفئات الاجتماعية وبعض الجهات الداخلية لا تحلم حتى بتحقيق مثل هذه العدالة وغاية ما تطلبه الحد الادنى من اسباب الحياة، وذلك بالتحديد ما يطلبه سكان منطقة القنطرة من معتمدية الحاجب بولاية القيروان، فهم واطفالهم ودوابهم محرومون من الماء، نعم من الماء!! وليس الماء الصالح للشراب فقط بل الماء عموما. لقد تكررت شكواهم لدى جميع السلط المحلية والجهوية ولكن دون جدوى، وقد تفضّل بعض الفلاحين بالمنطقة وسمحوا لهم مدة بالحصول على كميات محدودة من الماء من آبارهم الفلاحية في انتظار تحرّك السلطات المعنية وايجاد حل لهذه القضية الحيوية ولكن عندما تأكدوا ان هذه السلطات لا تعير المسألة اي اهتمام، قرروا منع المُسْتَسْقِينَ من مواصلة التعويل على آبارهم. مع العلم ان هذا القرار جاء في عزّ حرّ الايام الاخيرة وعزّ رمضان.. وامام بطش العطش قرر هؤلاء المحرومون الاحتجاج بطريقة جريئة لعلها تلفت الانتباه الى مأساتهم. ففي صباح يوم الاثنين 7 سبتمبر الجاري فوجئ سواق السيارات على طريق القيروانقفصة بظهور جموع غفيرة من النساء والاطفال يحملون «بوادين» بلاستيكية فارغة، مما يستعمل عادة في جلب الماء، ويقطعون الطريق مانعين مرور اي سيارة في الاتجاهين، معبرين عن غضبهم الشديد لاستخفاف السلطات المعنية بمأساتهم شارحين لأصحاب السيارات ما يعانونه يوميا للحصول على بضع لترات من الماء الملوّث والذي تعافه حتى البهائم وهو ما حصل في وقت سابق بالعلاء ورغم التعطيل الحاصل، فإن اصحاب السيارات التي منعت من المرور، أبدوا تعاطفا شديدا مع هؤلاء المواطنين وحركتهم الاحتجاجية خصوصا وانها حركة سلمية. وليس لهم الا التعاطف مع هؤلاء المحرومين من الماء، المرغمين على العطش أو رفع صوتهم عاليا الى من يهمه الامر للتحرك سريعا وايجاد الحلول الملائمة، ولا نعتقد ان حفر بئر عمومية في هذه المنطقة كحل مرحلي على الأقل، مما تعجز عنه الاطراف المعنية.