لم أكن أتصور أبدا أن يأتي يوم تنظر فيه المحاكم في قضايا رياضية وفنيّة وهي ميادين خلقت لتكون ترفيهية ومفيدة للعقل والفكر فبالنسبة للرياضة بأنواعها قيل فيها ان العقل السليم في الجسم السليم وقيل في المسرح والسينما والغناء أنه ميدان يغذي الفكر مثلما يغذي الاكل المعدة. صحيح ان في كل قضية عدلية هناك الظالم والمظلوم، وصحيح أيضا ان في كل طرفيْ قضية هناك المعتدي والمعتدى عليه، ولابد من حكم عادل انصافا لاحد الطرفين ومن أجل ذلك نصبت محاكم في كل انحاء الدنيا الا ان الذي تعوّدنا عليه هو النظرفي قضايا الاجرام بأنواعه كالقتل والسرقة والمخدرات (وهي دخيلة علينا واذا بها تصبح رئيسية) والطلاق والنفقة واهمال العيال والخيانات الزوجية، والسطو والخلع، الى غير ذلك... وكذلك البراكاجات (وهذه ايضا كانت نادرة فأصبحت يومية تقريبا).. وبمرور الايام تطورت الدنيا فتطورت معها مختلف الميادين بما في ذلك الرياضة والفن فهذا فنان يسطو على اغنية فنان آخر وذاك »سرق« كلمات غيره من شعراء الاغنية وهاهو ملحن شبّه لحن أغنيته باغنية كانت من ألحانه، ولاعب مشهور لم يحصل على مستحقاته من الفريق الذي ينتمي إليه، وذاك الممرن عجزت ادارة الفريق او تعمدت الاخلال بما جاء في العقد من »فيلا« وسيارة ومرتب ومنحة الفوز ومنحة التعادل ومنحة الصعود أو أخلت بفصل من فصول العقد ولكل من هؤلاء وغيرهم اللجوء للعدالة لتطبيق القانون على هذا او ذاك ولهم الحق في ذلك.. الا ان النتائج غالبا ما تكون وخيمة بالنسبة لطرف ثالث هو الطرف الرئيسي في كل قضية من مثل هذه القضايا دون ذنب وهو الجمهور العريض، الذي يقع حرمانه من فرجة لاعب مشهور يمكن ان يساهم بقدر كبير في فوز الفريق ولكنه غادر الفريق لسبب ما وخاصة عدم حصوله على مستحقاته او ممرن كان بالامكان ان يصل بالفريق الى اعلى المراتب... ويقع حرمان الجمهور ايضا من الاستماع الى هذه الاغنية او حضور لكل المسرحية في انتظار البتّ في القضية التي قدمها احد الاطراف او ربما الحكم بإيقاف العمل نهائيا ليصبح الجمهور في التسلل. ان آخر خبر فني طالعته ان الفنانة الشعبية »آمال علام« وأقسم انها المرة الاولى التي أسمع فيها بهذا الاسم ويعود ذلك الى عدم مواكبتي للفن الشعبي ربما... هذه الفنانة توعدت »تصوروا« توعدت كل من يؤدي أغنية »عمّ علي« بإحالة الموضوع الى العدالة لانها سجلت هذه الاغنية وأصدرتها ضمن شريط مازال يروج بنجاح في الاسواق، وذلك منذ تسع سنوات تقريبا، وكأني بآمال علام لم تستمع الى عبد الحليم حافظ وهو يشدو بالقصيدة المشهورة لمحمد عبد الوهاب »لا تكذبي« أو نجاة الصغيرة وهي تتغنى بنفس القصيدة ولشدة اعجاب موسيقار الجيلين بصوتيهما كاد يقول لهما: أنهما أحسنا أداء القصيدة افضل منه، عوض أن يقدم قضية عدلية وكأني بها ايضا لا تعرف نورالدين الباجي الذي لا يؤدي سوى اغاني غيره وقد أبدع.. فأتركي »عمّ علي« يتغنّى به من يريد وأؤكد لك أن »عم علي« هذا سوف لا يغضب وما ذنب ايمان الشريف التي أبهرت كل التونسيين بأدائها لاغنية »على الله« اكثر من صاحبها؟ أما الخبر الآخر الذي طالعته فهو أن الدائرة الاستعجالية لدى محكمة الاستئناف بتونس قد أقرت حكما ابتدائيا قضى بمنع عرض مسرحية »في هاك السردوك نريّشو«. لقد خسر الممثل الكوميدي الامين النهدي القضية وربحها المؤلف منصف ذويب لكن ما ذنب الجمهور المسرحي الذي لم يشاهد المسرحية؟ هذا ينطبق عليه مثلنا التونسي الذي يقول: تعارك سعد (لمين النهدي) وسعدالله (منصف ذويب) دخّلو مبارك (الجمهور) للحبس..