كتبت أكثر من مرّة عن هذا الموضوع الذي أعتبره خطيرًا ويعود بالوبال على الجميع وكانت المرّة الأولى على صفحات جريدة »الشعب« في شهر ماي 1982 ولم أكن أعرف »الثلاجة« Frigo إلاّ بتلك المناسبة حيث كان أحد الأجانب يمتلك مؤسسة كبرى ويديرها، ويستمتع موظفوها وأعوانها بإمتيازات لا مثيل لها في مؤسسات أخرى، وعندما قرّر العودة إلى بلاده باعها لمواطن تونسي وهو رجل أعمال معروف بدأ »ينظّف« المؤسسة التي أصبحت على ملكه، وكانت البداية بحرمان العاملين بها من تلك الإمتيازات التي تعودّوا عليها سنوات طويلة، وتعمّد طرد بعضهم لأسباب واهية، ووضع البعض الآخر في »الثلاجة« ومنهم كوادر هم من أهم مسيري المؤسسة التي كانوا وراء أرباحها الكبيرة. ولمن لا يعرف »الثلاجة« أو ال Frigo موضوع المقال هو أن يعمد رئيس مدير عام هذه الشركة أو الديوان أو مدير تلك الإدارة إلى تجميد بعض الموظفين والأعوان وحرمانهم من مواصلة نشاطهم المعتاد، إمّا بسبب وشاية كاذبة أو بسبب المبالغة في الجدية والعمل والاجتهاد والكفاءة وهو ما لا يقبله بعض المسؤولين خوفًا من المزاحمة وافتكاك الكرسي أو لإختلاف في الرأي بين العون والمسؤول مع مواصلة تمتيعهم بمرتباتهم ومنحهم وغيرها، بل ان من بين أولئك المبعدين والقابعين بمكاتبهم التي أصبحت ثلاجات تجد رئيس المصلحة والمدير والمسؤول ليتواصل استعمالهم للسيارات الادارية، ووصولات البنزين واستعمال الهاتف والتسخين والتبريد، والصحف اليومية والأسبوعية.. وتمرّ الأيّام والأشهر والسنوات، فلا إنتاج ولا إنتاجية مع الحرص الشديد على احترام أوقات الدخول والخروج، والمطالبة الملحّة بشهادة طبية في صورة التغيب نصف يوم فقط دون عذر شرعي وهو الذي كان يظنّ (أي الموضوع في الثلاجة) أن تغيبه لا يوقف الدنيا ولا يغلق المؤسسة. إنّني لم أعثر مرّة ولم يلعمني أحد بفصل من فصول القوانين الإدارية، وانّ القوانين الأساسية للشركات والدواوين يتحدّث عن عقوبة ليست من الدرجة الأولى ولا الثانية ولا حتى العاشرة وهي عقوبة التجميد والتهميش وهي عقوبة خطيرة لأنّ مختلف العقوبات المعروفة تنتهي بإنتهاء المدّة، ويُغلق الملف ويعود العون إلى سالف عمله، أمّا عقوبة الوضع في الثلاجة بقرار عشوائي حسب مزاج المسؤول فإنّها تمتدّ إلى سنوات في انتظار تغيير على رأس الإدارة أو الإحالة على التقاعد أو اصابة العون بصدمة نفسيّة لايشفى منها وهو ما يحدث غالبا لأنّ هذه العقوبة تؤثر على نفسيّة صاحبها وعلى علاقاته بالآخرين وخاصة بأفراد عائلته. هم أعوان أكفاء لا ذنب لهم سوى جرّة قلم أقدم عليها المسؤول لسبب من الأسباب التي غالبا ما تكون تافهة، ولنفرض أنّ هذا العون أو ذاك ارتكب خطأ من الأخطاء ولا أحد معصوم من ذلك، فهل يعقل أن يسلّط عليه عقاب »الفريو«؟ أم أنّ المسؤول يعتبر المؤسسة التي يديرها ملكا من أملاكه؟ إنّ المصلحة العامة فوق كلّ اعتبار وَبِربّكم أفرغوا هذه الثلاجات من أصحابها المظلومين وأغلقوها إلى الأبد خدمة للبلاد والعباد.