تحل علينا غدا الأحد الذكرى العشرون لوفاة المناضل النقابي محمد الزغب الذي تحمل المسؤولية الأولى في الجامعة العامة للكهرباء والغاز أواسط الثمانينات من القرن الماضي. وقد وافاه الأجل المحتوم إثر حادث مرور لما كان عائدا من مهمة نقابية بجهة صفاقس. والوقوف عند ذكرى الاحباء الذين رحلوا عنا واجب يمليه حق الوفاء ولكنه أيضا فرصة للاستفادة من مآثرهم إذ العمل النقابي علاوة على كونه نضال ومعارك ونتائج هو كذلك جملة من الاخلاقيات والعلاقة بين البعدين متينة الى حدّ بعيد... فعندما يذكر النقابيون محمد الزغب فإنهم يتذكرون خاصة غيرته على القيم والمبادئ النقابية التي لا تهن... لقد كان الفقيد حريصا على كسب الصداقات وكان ينجح في ذلك، ولكنه كان على أتم الاستعداد للتضحية بتلكم العلاقات إذا أحس أن ثمنها هو التنازل عن أحد مبادئ الإتحاد... من هنا كان تشبعه بمفهوم إستقلالية العمل النقابي كاملا وجميلا... كان الراحل يحسن الاستماع للغير وكان »براغماتيا« يعرف كيف ينفذ الى جوهر الأمور مثلما نفذ الى القلوب... أثناء تحمله لمسؤولية الكتابة العامة للجامعة أحرز القطاع على منحة الإقتصاد في التصرف كمكافأة للأعوان على جهودهم في تنمية المؤسسة وتحفّظ بعض النقابيين آنذاك على المنحة وخاصة على طريقة توزيعها فكان ان دعا الفقيد الى مجلس قطاعي حسم الامر وتواصلت المسيرة... كانت سعة صدره كبيرة وذهب فيها الى حدّ إخضاع نفسه وزملائه المترشحين لمؤتمر الجامعة آنذاك لتمرين في المساءلة العلنية لم يشهد القطاع مثيلا لها... وقد علق الزعيم الراحل الحبيب عاشور يومئذ على البادرة بأنها من تقاليد الشعوب المتحضرة... ورغم أن الفقيد كان يحظى بثقة كبيرة من لدن زملائه فقد كان لا ينقطع عن طلب الاستشارة من النقابيين... وهذا من أسرار التفاف الناس حوله... كتب بوجمعة الرميلي في »الطريق الجديد« إثر وفاة الراحل: إنّ »محمد الزغب لم يكن يعتبر نفسه نبيّا ولكنه نجح في أن يجمع حوله أغلبية النقابيين«. يمثل الزغب أنموذجا يستحق التوقف عنده، فهذا الرجل العصامي الذي ينجح في تأطير نقابيين منهم المهندس والمتصرف والشاب المتحمس على اختلاف مشاربهم الفكرية هو دون جدال شخص استثنائي... وقد تكون هذه القدرات ثمرة لما يُعبر عنه اليوم بالذكاء الاجتماعي.. عندما تم بعث »لجنة المؤسسة« لاول مرة بالقطاع ظن البعض أنها ستسحب البساط من تحت النقابات ولكن حصل العكس ولفائدة الجميع: إنصهر الجميع في بوتقة العمل الخلاّق على جميع الاصعدة وبرز خطاب عمالي متجانس وحيّ... وتُعرف الرجال عند الشدّة وهذه ظاهرة ملازمة للعمل النقابي وكان البلسم الشافي فيها الثقة والأمل والمثابرة وهي خصال كان الفقيد متشبعا بها، كيف لا وهو الذي إشتق إسم إحدى ابنتيه من لفظ »العودة« وذلك في خضم أزمة 26 جانفي 1978 وعذرا من إبنتنا عائدة! ورغم أعباء العمل النقابي في قطاع الكهرباء والغاز فقد أوفى الفقيد بواجبه تجاه المنظمة وخاصة زمن الازمات مما أكسبه عرفان إخوانه النقابيين وقد يعجب البعض من أن ابناء الكهرباء والغاز يكتشفون مناقب الفقيد عن طريق زملاء له في قطاعات أخرى... في خضم تلكم المعارك النقابية كان الفقيد لا يسهو عن برّ والديه وخاصة والدته التي كانت في كفالته وذلك في سباق مرير ضدّ الساعة! رحم اللّه محمد الزغب، لقد كان من أصدق من عرفنا، وجزاه عن عطاءه كل خير، وإنما المرء حديث بعده، ومعذرة من الروائي الراحل عبد الرحمان منيف عن استعارة عنوان هذه السطور...